صحيفة المثقف

قاسم حسين صالح: اذا لم ينصفك الآخرون عن حق.. فانصف نفسك جهارا

قاسم حسين صالحالأتحاد العام للأدباء والكتّاب ومؤسسة المدى.. مع التحية

في معرض بغداد الدولي للكتاب، رفعتم صور شخصيات رأيتم انها الأبرز والأنشط في تأليف الكتب.. وهذا تعزيز جميل، لكن بينهم من هو أقل شأنا من آخرين. فعلى سبيل المثال، نسيتم أن الراحل الكبير ابراهيم الخياط كان قد هنأ من فاز بلقب الرئيس الفخري للعلماء والكتّاب العرب في مؤتمرهم بجامعة الأزهر بالنص:

("ما ادّعي لك جانبا من سؤدد.. الا وانت عليه اعدل شاهد".

بفخر واعتزاز وابتهاج تلقينا في اتحادك العريق، اتحاد الجواهري الكبير، تسميتكم الرئيس الفخري للعلماء والمفكرين العرب، ومنح حضرتكم، درعين من الاكاديمية العربية للدراسات التطويرية بمصر، ومن الهيأة العليا للعلماء والمفكرين العرب .. .ولا غرو فجنابك الكريم اهل وكفء وجدير وتستحق بامتياز.

ازكى التهاني واشذاها، ازفها لمقامك استاذي الفاضل، مع امنياتي بدوام التألق والاخضرار لثمار ابداعك الثر.

تقبل مني دكتور، اصدق ايات المحبة والمؤازرة.. مع سلامي واحترامي.

محبك ابو حيدر)

وتنسون ايضا، أنني كنت واحدا من خمسة علماء نفس عرب فازوا بلقب (الراسخون في العلوم النفسية)، وانني اول عالم نفس عراقي يطلق اسمه على جائزة (المفلحون في علوم وطب النفس.. لعام 2020)، تنافس عليها علماء النفس العرب وفاز بها عالم نفس مصري.

وتنسون أنني اشعت الثقافة النفسية في الأسرة العراقية عبر اطول برنامج اذاعي درامي عراقي وعربي استمر (17) سنة كان له تاثير كبير في الثقافة باعتراف رئيس الكلية البريطانية، فرع الشرق الأوسط، الأستاذ الدكتور صباح صادق الموثق في كتاب الهيأة الطبية الدولية بهذا النص:

(ان الجهود التي بذلها الدكتور قاسم حسين صالح على مدى العشرين سنة الماضية في اشراك الأعلام الهادف للنهوض بالصحة النفسية المجتمعية واشراك الجهات الرسمية وذوي الأختصاص في هذا المشروع يدعو الى الفخر والأعتزاز).. هذا اذا كنتم مثله تقدرون ما يحدثه العالم والكاتب من تغيير في فكر الناس وسلوكهم، ولا تضعونه بعد ما ينشر من مؤلفات.. كما تفعلون!، مع انني اصدرت (47) كتابا بينها تسعة كتب منهجية تدّرس في جامعات عراقية وعربية.

وكنت ترأست في(2003) وفودا اكاديمية قابلت كل رؤساء مجلس الحكم، باستثناء المعممين، للمطالبة بمساواة الاستاذ الجامعي باقرانه في دول الخليج، واعتماد الكفاءة والخبرة في مؤسسات الدولة. وبالمناسبة، كان افضلهم هو الراحل الدكتور احمد الجلبي.. وأغربهم هو الدكتور ابراهيم الجعفري.فيوم دخلنا مكتبه الكائن حينها في المنصور قالوا لنا ان الوقت المخصص لكم نصف ساعة.. جلسنا فبدأ الجعفري الحديث عن الحضارة السومرية واستمر يتكلم عن الظواهر الاجتماعية.. ومضى من الوقت ربع ساعة، فأشرت له بساعتي ان يراعي الوقت، ولم يتوقف فقاطعته قائلا:

- دكتور.. حضرتك تتحدث عن تاريخ العراق واستاذ التاريخ الدكتور حسين امين موجود، وتتحدث عن المجتمع العراقي ورئيس الجمعية التاريخية موجود.. ارجوك ادخل بالموضوع الذي جئنا من اجله.

فأجاب بعبارة لطيفة قائلا: يبدو أنني كنت كناقل التمر الى البصرة!

ويوم انتخبت رئيسا لرابطة اساتذة جامعة بغداد(2003)، عملنا بنشاط أدى الى استشهاد استاذين من هيأتها الأدارية. وكنت الأعلامي والأكاديمي الأبرز الذي يظهر عبر(الجزيرة) ا، لفضائية العربية الوحيدة في حينها، ووجهت كلاما حادّا الى بريمر طالبته باطلاق سراح ستة دكاترة اختطفتهم القوات الامريكية، فبعث مكتبه في اليوم الثاني بعضوة مجلس الحكم الأخت التركمانية(السيدة جل) وابلغتني بدعوة مدير مكتبه، وانتهى الحوار بوعد باطلاق سراحهم.. وحصل.

ويشهد رئيس مؤسسة المدى الأستاذ فخري كريم بأنني (أحد اعمدة المدى).. وكنت من كتّابها من اول سنة صدورها.. وجريئا فيما اكتب. فيوم كان الأستاذ فخري مستشارا للراحل الكبير جلال الطالباني وجدت ان بعض فقرات من مقالاتي قد حذفت لأنها تنتقد السلطة، فتوقفت.. ويوم غادر الأخ فخري منصبه مستشارا طلب من الكاتب علي حسين عودتي.. فعدت لتنشر مقالاتي كما هي.

وبسبب نشاطي هذا تعرضت لمحاولة اغتيال في شارع ابي نؤاس صباح احد ايام توجهي لرئاسة جامعة بغداد.. ما اضطرني الى ان اغادر الى اربيل في (2005).

*

وكنت عملت عضو لجنة رأي بوزارة الثقافة عام (2004) شاركت بدور بارز في اقامة اول مؤتمر ثقافي كبير بعد التغيير، يتذكر من حضره ما حصل للراحل جعفر السعدي.

وكان لي الدور المميز في اقامة اول مؤتمر للتعليم العالي في العراق (2004)، حضره اكثر من 600 استاذا من جامعات العراق كافة حدد من ضمن منجزاته اهداف التعليم العالي بعشرة، وضعت انا سبعة منها، و كنت مقرر المؤتمر وعريفه. ويتذكر من حضر ما حصل بيني والأخ الدكتور طاهر البكاء وزير التعليم العالي، نرويها لحضراتكم لنغير المزاج.

يومها كنّا طالبنا بتعديل رواتب اساتذة الجامعات (وكان اعلاها 300 دولارا لمن له خدمة ربع قرن!)، فحصل ان جرى تخفيضها!.

وقبل ان اقدم الأخ الوزير لألقاء كلمته وانا على المنصة، قلت :ان ما جرى من تخفيض يذّكرنا بحكاية طريفة خلاصتها ان شاعرا نجفيا كان يعمل حارس مولدة كهربائية، وحدث ان دخلت (جاموسة) مبنى المولدة فقطّعت اسلاكها.. واحتار الشاعر بالأمر فهو ان ضربها يخشى ان يحدث لها مكروه و(شراح يخلصه من عشيرة آلبو كاطع).. فأنشد قائلا:

( يا جماعه هالسنه فد هوسه

هم نقيصه وهم نطح جاموسه

كنّا نترجى الزيادة والمنح

تالي راتبنه على الأول رجح

يستر الله .. هالسنه معكوسه)

ضجت القاعة بالتصفيق وتقدم البّكاء لألقاء كلمته وهمس قائلا: ما ترتاح الا تكحلها بحسجه.

*

وكنت اسست في (2017) منظمة (تجّمع عقول) تضم نخبة من الأكاديميين والمثقفيين والفنانيين والأعلاميين من داخل العراق وخارجه، عقدنا مؤتمرات واقمنا ندوات في بغداد والمحافظات ركزت على مكافحة الفساد واخطر ثلاث ظواهر اجتماعية (المخدرات والانتحار والطلاق)، واخرى استهدفت كشف حقيقة من يعمدون بخباثة نبش الماضي لخلق الاحقاد واستغفال الاذهان واشغال الناس عن الذين كانوا سبب بؤسهم، وايقاظ العقول التي ادمنت على الخدر للتفكير في البحث عن خلاص.

وتغفلون يا من تشغلكم قضية وطن، انني كنت القي المحاضرات على شباب انتفاضة تشرين في ساحة التحرير، وانني كنت وسيطا بين قيادات تنسيقية فيها وجهة حكومية مؤثرة جدا. ومع جل احترامي لمنجزهم الثقافي والمعرفي، فأنني لم اجد بين الذين رفعتم صورهم من حضر وحاضر وتحدى الخطر في ساحات التحرير والحبوبي وثورة العشرين، وشارك شبابا طالبوا (باستعادة وطن) فتعاملت معهم احزاب السلطة كما لو كانوا اعداة غزاة وقتلوا المئات.

ولم يكن بين الذين رفعتم صورهم من اصدر كتابا عن وثبة تشرين يحلل احداثها بمنظور علم النفس السياسي والاجتماعي بوزن كتابين احدهما موجود حاليا في معرضكم بعنوان (الشخصية العراقية قبل انتفاضة تشرين بنصف قرن وتحولات ما بعدها).. فضلا عن مقالات في (المدى تحديدا) تضمنت ادانات صريحة وجريئة لأحزاب السلطة وفصائل مسلحة تختطف وتقتل من يتعرض لها، ونقدا موضوعيا لمواقف المرجعية، وتحليلا علميا لحكّام العراق بينها مقالة موثقة في غوغل بعنوان (على مسؤوليت.. السياسيون العراقين مرضى نفسيا).

وكنت ترأست وفدا من مفكرين ومتظاهرين لمقابلة رئيس ممثلية الامم المتحدة في الخضراء وتسليمها مذكرة حملت تواقيع 2654 شخصية وطنية تطالب بادانة القتلة وضمان حرية تظاهر سلمي لشباب ينشدون التغيير والتجديد لتسليمها الى الامين العام للامم المتحدة .. وموثقة.

وتنسون، يا اتحاد الأدباء، انني تعرضت الى التهديد بالقتل لأنني حللت الزيارات الملونية سيكولوجيا، وهددوني هاتفيا (وين تروح منّا دكتور قاسم).. وانتصر لي الراحل عزيز الحاج من باريس بمقالة في المدى فيما التزمتم الصمت.

عذرا.. اكثرت من (كنت)، لأنكم ما كنتم منصفين.. ليس بحقي فقط بل بحق كثيرين.. وعليكم مأخذ كبيرآخر هو انكم تنظرون فقط الى مؤلفات الكاتب وتهملون فعله وهو الأهم.. مضافا لمأخذ سيكولجي هو انحيازكم للشاعر والقاص والروائي!.

بوركت جهودكم باستعادة ثقافة الجمال في زمن شاعت فيه ثقافة القبح.

*

أ.د.قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم