صحيفة المثقف

مصطفى علي: خلفَ أسوارِ مملكةِ الشعر

مصطفى عليمُتَهيِّباً لمحَ الغريبُ طلاسِمَ

البَهْــــــوِ المُرَصّعِ بالرُؤى

فَتَحيّرَ المفتونُ قلباً وإرْتَبكْ

 

وَرَأى الهَداهِدَ سُجَّداً بعروشِها

والهائمينَ قـــــــوافِلاً ضِلّيلُها.

عَشِقَ الغوايةَ ثمَّ ضيّعَ ما مَلَكْ

 

مازالَ في وادي الغواةِ منادياً

هيهاتَ يتبعنا سوى

غاوٍ تعمّدَ في بحارِ خيالِهِ

ولظى كوامنِهِ سَفَكْ

 

والهائمينَ مواكبًا بدموعهمْ

وَشَموا على خدِّ السرابِ

كَمَنْجةً وَرَبابَةً

فَسَبى الغرامُ قبائلاً وبها فَتَكْ

 

وعلى رُخامِ كلامِهمْ دُرَرُ الجَوى

رَقَصتْ لِمَنْ سَبَكَ القلائدَ

وإسْتهامَ بما سَبَكْ

 

فَوَراءَ شوْكِ السورِ غيْبُ سَرائرٍ

صَدَفاتُهُ حُبلى بِسرٍّ

أتعبَ الرائي وَلّمّا يَنْهَتِكْ

 

رَكِبَ السَديمَ سفينةً وَسَرى الى

أقصى صحارى الروحِ خلفَ سرابهمْ

لم يتعبِ الساري ولا

رَشَأً بواديهِ مَسَكْ

 

ياغامضَ الكينونة ِ الحُبلى

بِآلاءِ السريرةِ والجوى

حيثُ الطلاسمُ كالعرائسِ ترتدي

ألغازَها من جوهرِكْ

 

قارورةَ الأسرارِ ياصيْدَ المرايا

من غياهِبِ وعْيِنا

صُوَراً و موسيقى شجنْ

وظلالَ أسئلةٍ تداري

حَيْرةً كُبرى وَ شَكْ

 

ماللمزاميرِ التي إن لامستْ

كَبِدَ المُولّهِ بالرُؤى

نَصَبتْ لَهُ في كلِّ قافيةٍ شَرَكْ

 

أبَزغْتَ نجمًا في سماءِ وجودنا

لِتَدُلَّ قافلةَ السُراةِ الى

السَديرِ مقبّلاً أطلاله

وشقائقَ النعمانِ ثمّ خَوَرْنَقكْ ؟

 

أم كُنْتَ ضوءاً من بروقِ الغيْبِ

في لُغةٍ إذا

رَشَفتْ دموعَ اللهِ يشتعلُ المدى

سُرُجاً وأخْيلةً

تشظّى في مرايا حضْرتِكْ

 

أغْرِسْ بذورَ الأبجديّةِ

أيْكَةً بِشِعابِها

كمزارعِ الريحانِ تُسكِرُ خيْمَتَكْ

 

كَهَديلِ ساجِعَةٍ لها

مابينَ زَمْزمَ والحَطيمِ وأضْلُعي

صَلَواتُ عِشْقٍ كالصدى

لِمُحَجّلاتٍ قد شَدوْنَ على

منائرِ كعبتِكْ

 

أمُخضَّباً بالوحْي من

طَعْنِ الخسائرِ بالحَشا

عَلّمْتني صوْغَ الجواهرِ من دمي

فتوهّجتْ

أبهى القوافي في أساوِرِ مِعْصَمِكْ

 

ياسلوتي وهوايتي وزُليْختي

تختالُ في شُرُفاتِ مملكةِ الرُؤى

هَمّتْ وهامَتْ إنّما

غُنْجاً تناءتْ كلّما هَمَّ المَلِكْ

 

وَلَكمْ تَمَنّى حالماً متوهّماً

في هيْتَ لكْ

 

فَشَهيّةٌ بِدَلالِها وَشَحيحةٌ بِمُدامِها

وَلَطالما راودْتُها عن غيْمِها

فَتَمنّعتْ

حتى تعوّدْتُ الضنى

ثُمّ التألّقَ في دهاليزِ الضَنَكْ

 

يامُسْكِري

أودعْتَني عشقَ الغناءِ سَجيّةً

وغرامَ قلبي بالجمالِ جِبِلَّةً

والوزْنَ بالقسطاسِ

مابينَ الخلائقِ نغمةً وَسليقةً

ماأكْرَمكْ !

 

أتَصُدُّني مُتَمنِّعاً

وَتَشُحُّ بالمطرِ المُعتّقِ بالقوافي

في خوابي لوعتي وَهَزائمي

ماأبْخَلكْ !

 

فَإذا بِنُعْماءِ التمنّعِ غيمةٌ ضوئيةٌ

كَفراقدِ الإشراقِ من

قْدْحِ إنْكِسارِ الروحِ

موقِدةً بها

ماهدّمَ الفقدانُ يومًا أو تَرَكْ

 

قتلوكَ نقْداً بينما

عاهدْتُ نفسي أن ألحّنَ مقتلكْ

 

وأصوغَ من عثراتها قصباً وَمِنْ

زفراتها نغماً لتلحينِ الأسى

بمدادِ ضوءٍ من مدامعكَ إنْسفكْ

 

صلّى فؤادُكَ خاشعاً متصدّعاً

في هيكلِ الحَدْسِ المضيء بدمعهِ

مُتوسّداً

أسرارَ كُنْه الروحِ والأبراجِ في

قلبِ الفَلَكْ

 

في كوخِكّ الأبهى بَقايا كُوّةٍ

لِكواكِبٍ دُرّيّةٍ هَبَطتْ على

كنزِ البواطنِ عَلّها

بِسَلالمِ الإيقاعِ أو خَبَبِ القوافي

تطلِقُ المخْفيَّ من قيدِ الشَبَكْ

 

فَتَبُثَّ أقبيةُ الخوافي سِحْرَها

في غيبةِ الناطورِ مُشْعِلةً

ميادينَ الجوى في جبهتِكْ

 

في اللاوعي السحْريِّ خافيةٌ

بدى أبطالها برموزِ أزياءِ

التنكّرِ خِدْعةً وَخديعةً

لِسياطِ أشباحِ الدَرَكْ

 

كُنْ كالدواءِ لِدائِها إنْ أسْرَفتْ

وَتَغوّلتْ

سَرَطانَ روحٍ من يُعانيهِ هَلَكْ

 

وَتَميمةٍ كَمعوذةِ المِرْآةِ مِنْ

أوْهامِ غِرٍّ ذابَ فيها وإنْهَمكْ.

 

أجْهِزْ على داءِ التوهُّمِ

والتَهيّمِ بالأنا

حيثُ البصيرةُ حِنْدِسٌ

وبَراءةُ الأرواحِ حَقٌّ مُنْتَهكْ

 

هل جئتُ مسرورًا بِعُرْسِكَ

أم حزينًا جَاءَ مأسوفًا ويبكي

في سُرادِقِ مأتمِكْ.

 

نضجتْ عناقيدُ التجاربِ

في جنانكَ ويْحها

نَسِيَتْ مواسِمَ جودِها و عطائها

في غفلةٍ

فالذكرياتُ عديمةٌ

بِثقوبِ ذاكرةِ السَمَكْ

 

لا ثَمَّ شيطانٌ بواديكَ العميقِ ولا

هُنالكَ عبقرٌ يسقيكَ خمراً

أو مَلَكْ

 

لا آيةٌ تُتْلى ولا

فجراً تُرَتّلُ سورةً وقصيدةً في مُصْحَفِكْ

 

إلّا إذا وجدانكَ المكلومُ عشقاً

فاضَ كالتنّورِ حتى

أغرقَ الأفلاكَ مُسْتَعِراً وَ دَكْ

 

لا وحْيَ لا إلْهامَ إلّا

من دَمِ الشُعراءِ صوتًا أو صدى

لخسارةٍ حَرّى

وتجربةٍ بنارِ المُعْتَرَكْ

 

ليسَ النُبوءةُ في قوافيكَ سِوى

حَطَبِ الغضا لِرَغيفِ خبزٍ

في تنانيرِ المواجِدِ كُلّما

شَرِبَ المريدُ طريقةً

وعلى الطريقِ الى مراميهِ سَلَكْ

 

إِنْ كُنْتَ لي يومًا ملاذًا

ساحِراً من وحشةٍ

فأنا هُنا رغْمَ المودّةِ والهوى

مابيننا

سأقولها

أنا لسْتُ لكْ أنا لسْتُ لكْ

***

مصطفى علي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم