صحيفة المثقف

بكر السباتين: قطعان المستوطنين تنهش اللحم الفلسطيني فمن يردعها!

بكر السباتينتتوالى الاعتداءات على الفلسطينيين من قبل المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية وعلى رؤوس الأشهاد، وبالرغم من الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الفلسطينيون من جراء هجماتهم المستعرة على بيوتهم وأراضيهم وبساتين الزيتون تنكفئ سلطة أوسلو على نفسها ولا تقدم سوى الشجب والاستنكار كأنها طرف محايد..

يحدث ذلك في ظل المزاعم الإسرائيلية في أن ما يحدث مجرد مناوشات داخلية وأن السلطات الإسرائيلية تنظر في الشكاوى المقدمة إليها من باب المسؤولية والعدالة القائمة على الحياد!، فيما يعلم القاصي والداني بأن مسؤولية الأمن وحماية المستوطنات منوطة بالسلطة الوطنية بموجب اتفاقية التنسيق الأمني. وأن الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون تأتي في سياق مخطط إسرائيلي استراتيجي لطرد الفلسطينيين من أراضيهم المتاخمة للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية.

وفي أتون ذلك استشهدت مُسنَّة فلسطينية صباح الجمعة 24 ديسمبر 2021، بعد أن دهسها مستوطن إسرائيلي على الطريق بين مستوطنتي (عوفرا) و(شيلو) وسط الضفة" قرب رام الله وهي منطقة خاضعة للسلطة الفلسطينية. وتأتي هذه الحادثة في وقت تشهد فيه الضفة الغربية مواجهات دامية بين المستوطنين الإسرائيليين المدعومين من السلطات الإسرائيلية والفلسطينيين العزل الذين يدافعون عن أرضهم، أوقعت عشرات الإصابات فيما اقتحم مئات المستوطنين بلدتي سيلة الظهر وبرقة شمال نابلس دون رادع حيث باتت الضفة الغربية أرضاً مستباحة لهم يعربدون فيها دون أن يجدوا من يردعهم سوى الفلسطينيين بصدورهم العارية.

الرواية الإسرائيلية الكاذبة تدعي بأن ما يقوم به الفلسطينيون ما هو إلا إخلالاً بأمن البلاد وأنها تتلقى الشكاوي من الطرفين وتعالجها بعدالة، وهذه أكذوبة أخذت تلتهم الرواية الفلسطينية بنهم، وتمضغها حتى تستحلب مضمونها وتبصقه في وجه العالم المتملق وتحرج بها الدول العربية المتخلية طوعاً عن الشعب الفلسطيني الذي تُرِكَ في الميدان عاري الظهر مدافعاً عن نفسه، فلا يقف إلى جانبه فعلياً حتى سلطة أوسلو التي لا تفعل شيئاً على الأرض سوى التنديد والتحذير من العواقب. بالمقابل لا يحرك جيش الاحتلال الإسرائيلي ساكناً سوى توفير الحماية للمستوطنين من أجل أن يكملوا مهمتهم في ترويع الفلسطينيين وإرغامهم على ترك أراضيهم. ولكن الفزعة الشبابية ميدانياً وعبر الفضاء الرقمي افتضحت الممارسات التي يقوم بها الصهاينة بالصوت والصورة وأحرجت مواقف المتخاذلين.

هذه استراتيجية إسرائيلية مكشوفة تقوم على تبني المستوطنين دور المواجهة مع الفلسطينيين وترويعهم دون أن تظهر قوات الأمن الإسرائيلية في الواجهة مع أنها تقدم الدعم اللوجستي للمستوطنين وتوفر الحماية لهم ومن ثم المماطلة في التعامل مع شكاوي الفلسطينيين، وهي تعلم بأن ضمان أمن المستوطنات بات مسؤولية فلسطينية، والسلاح الفلسطيني لا يرفع في وجه أي طرف إسرائيلي ودوره مقتصر على مطاردة المطلوبين الفلسطينيين أمنياً بذريعة حفظ الأمن.. وكأن الاعتداءات التي يمارسها المستوطنون بحق الفلسطينيين لا تمثل في نظر سلطة أوسلو اعتداءً آثماً على الفلسطينيين وممتلكاتهم.

ومن الوقائع على الأرض، اقتحم مئات المستوطنين بلدتَي سيلة الظهر وبرقة شمال نابلس بعد تجمعهم بموقع مستوطنة "حومش" المخلاة، وانطلاق مجموعات كبيرة من المستوطنين من أمام مستوطنة "شافي شمرون" المقامة على أراضي المواطنين شمال غرب نابلس.

ويأتي هذا في وقت تشهد فيه عدة قرى فلسطينية توترات واعتداءات من طرف الإسرائيليين، حيث كشفت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، الخميس، ارتفاع عدد الإصابات بين الفلسطينيين إلى 127، جراء مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، بالضفة الغربية المحتلة.

إذْ وصلت اعتداءات المستوطنين حسب المصادر الإسرائيلية إلى 363 اعتداءً في غضون العام 2019، و507 في العام 2020، وقد بلغت 416 اعتداءً خلال النصف الأول من العام الجاري.

هذه الاعتداءات وحشية الطابع وكارثية النتائج مادياً ومعنوياً إذْ تنوعت بين تخريب الممتلكات والسيارات وحرق المنازل وقلع الأشجار وخاصة الزيتون، والاعتداءات الجسدية بالهراوات والحجارة والدعس واستخدام السلاح .. وما خفي في أتون المواجهات أعظم.

يريدون ترويع الشعب الفلسطيني الذي قلب السحر على الساحر بصموده الأسطوري.

مؤسسة "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" الفلسطينية الرسمية من جهتها أكدت بأن جرائم المستوطنين تضاعفت هذا العام عن سابِقِهِ بنسبة 150%، وتركزت في وسط الضفة الغربية وشمالها واتخذت طابعاً شرساً ركزت فيه على استخدام أشد الطرق ترويعاً بحق الفلسطينيين العزل.

وأن هناك "وحدات مدنية" يقدر عددها ب6500 مستوطن قد أدرجت في أطر تنظيمية تتلقى الدعم اللوجستي من سلطات الاحتلال، وتدفع لهم حكومة الاحتلال أجوراً لتنفيذ مخططاتهم التوسعية على الأرض الفلسطينية، وتمدهم بخدمات البنية التحتية لإقامة المشاريع الزراعية والصناعية الاستيطانية.. ما يؤكد ما ذهبنا إليه في أن الهجمات المستعرة التي ينفذها المستوطنون لا تخرج عن إطار الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية.. وقد تلقى المستوطنون في تلك الأطر التنظيمية دعماً مفتوحاً من المؤسسة الدينية التي تبنت الدور التحريضي على الفلسطينيين والزيتونة المباركة الذي يقدسها المسلمون، ويعتبرها الفلسطينيون من إرثهم الكنعاني الذي يرسخ هويتهم التاريخية في فلسطين التاريخية؛ لذلك بادر الحاخام الصهيوني الأكبر عوفاديا يوسيف إلى الحث على سرقة محصول الزيتون الفلسطيني، كجزء من العقيدة اليهودية. مستشهداً بفتوى قديمة تقول:

بأنه "لولانا نحن (اليهود) لما نزل المطر، ولما نبت الزرع، ولا يعقل أن يأتينا المطر، ويأخذ الأشرار (يقصد الفلسطينيين) ثمار الزيتون ويصنعون منه الزيت".

ومن الطبيعي أن يكون لهذه الفرية التلمودية، الفتوى العنصرية المأنوفة إنسانياً، دور تشريعي للهجمات المستعرة على مزارع الزيتون المنتشرة في أرجاء الضفة الغربية وبالتالي حرمان أصحابها الفلسطينيين من حقهم بثمار هذه الشجرة المباركة وزيتها النقي، لأنها تمثل جزءاً أساسياً من اقتصاد الريف الفلسطيني المسلوب.

وإزاء تقاعس المحاكم الإسرائيلية (وهذا طبيعي بالنسبة للمحتل) في التجاوب مع شكاوي الفلسطينيين وتقديم المتهمين الإسرائيليين إلى محاكمات عادلة، وقيامها بمماطلة حقوق الفلسطينيين، حتى تموت في ملفاتها، ونظراً للصمت المطبق الذي تمارسه سلطة أوسلو واكتفائها بالشجب دون أن تتحرك ميدانياً لحماية الفلسطينيين، فإن الشعب الفلسطيني أخذ على عاتقه حماية نفسه بكل انتماءاتهم الحركية، فتم تأسيس لجان المقاومة الشعبية قبل عام التي انبثقت عنها فعاليات "الفزعة"؛ وهي مبادرة فلسطينية لمساندة المزارعين في أراضيهم قرب المستوطنات والمناطق الساخنة.

وتضم هذه الفعاليات شبان فلسطينيين ومتضامنين أجانب (غيبتهم الكورونا مؤقتاً) مسلحين بالهراوات والحجارة وعدسات التصوير لردع اعتداءات المستوطنين وتوثيق جرائمهم توطئة لتقديمهم لمحاكمات دولية متخصصة بالجرائم التي تمارس ضد الإنسانية.. وقد أمنت اللجان الشعبة دوريات راجلة تجوب المناطق التي تتعرض للخطر الداهم، ولديهم خط ساخن يتواصلون من خلاله مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لهجمات المستوطنين التي لا رادع لها سوى إرادة شعب صامد يأنف الخضوع.

وهذا نداء فلسطيني للضمير العالمي وللشعوب العربية بمعزل عن حكوماتها، والشباب الفلسطيني في كل مكان، نريدها فزعة إلكترونية عالمية مؤثرة؛ لتعزيز موقف الفلسطينيين الصمودي في وجه الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.. فالفضاء الرقمي بات مشاعاً لكل مظلوم كي يعري الاحتلال في وضح النهار.. وكنا نتمنى أن تنبري أجهزة الأمن الفلسطينية فتتصدى لقطعان المستوطنين بقوة السلاح فالمصاب جلل والشعب الفلسطيني بات وحيداً في معركة الوجود. عجبي!

 

بقلم: بكر السباتين

26 سبتمبر 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم