صحيفة المثقف

بكر السباتين: على ضوء زيارة عباس لمنزل غانتس وقراءة متبصرة!

بكر السباتينأثبت الرئيس الفلسطيني محمود عباس ما كان يردده دائماً في كل المناسبات بأن اتفاقية التنسيق الأمني مقدسة، من خلال زيارته المفاجئة أو لنقل استدعائه من قبل طرف الاتفاقية أعلاه في 27 ديسمبر الجاري، إلى منزل وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس لإجراء محادثات بشأن قضايا اقتصادية وأمنية، في الوقت الذي يحاصر جيش الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة ويسعى جاهداً إلى تهويد القدس وقضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والتنكيل بالفلسطينيين وإفلات قطعان المستوطنين المستعرة لعقرهم في الشوارع وإعدامهم في وضح النهار في نطاق سلطة التنسيق الأمني المكاني والأمني.

فبدا وكأن هذه السلطة وُجِدَتْ لحماية المستوطنات فقط على اعتبار أن جرائم المستوطنين مشفوعة فيما تندرج مقاومة الفلسطينيين العزل لهذه الأفعال الشنيعة تخريباً وإرهاباً اقتضى من سلطات الاحتلال مواجهتها أو الضغط على الأجهزة الأمنية الفلسطينية لإلجامها والتعامل معها بشدة وفق اتفاقية التنسيق، ما استرعى استدعاء عباس من قبل غانيتس لوضع النقاط على الحروف، وهذا ما حصل وفق غالبية المحللين.

هذا ذنب كبير اقترفه رئيس سلطة خالفت مبادئ النضال واستجابت لاتفاقية وجدت لحماية الجاني من الضحية التي حشرت في الزاوية.. سلوك لم يشهد له التاريخ مثيلاً، بأن يقوم عباس بزيارة مجرم الحرب بني غانيتس الذي أعطى أوامره لإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين الفلسطينيين الذين تركتهم السلطة الفلسطينية دون حماية مكتفية بالشجب والاستنكار.

إذ تتوالى الاعتداءات المبرمجة من قبل قطعان المستوطنين المدعومة بجيش الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة الغربية وعلى رؤوس الأشهاد، وبالرغم من الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الفلسطينيون من جراء هجماتهم المستعرة على بيوتهم وأراضيهم وبساتين الزيتون تنكفئ سلطة أوسلو على نفسها دون تقديم سوى الشجب والاستنكار كأنها طرف محايد في موقف لم يشهد له التاريخ مثيلاً .

فكيف بقيادة فلسطينية وجدت لقيادة "النضال الفلسطيني!" واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة؛ تتحول خلافاً للأعراف، إلى رأس حربة في يد العدو .. ليباغت- رغم كل هذا- رئيس السلطة الفلسطينية عباس، الشعبَ الفلسطيني بهذه الزيارة التي وصفتها السلطة بأنها تهدف إلى خلق أفق سياسي يؤدي إلى حل وفق قرارات الشرعية الدولية..

وكأن "نكبة" اتفاقية أوسلو "الانتهازية" التي أبرمت عام 1993، منحت للفلسطينيين مستحقات السلام تحت عنوان "الخيار السلمي" بينما هي في حقيقة الأمر أدت إلى استنزاف حقوق الشعب الفلسطيني وتجاوزت كل الخطوط الحمر وتركت القضية الفلسطينية في مهب الريح لولا ظهور المقاومة في غزة التي نفضت الغبار عن هذا الملف وأبعدته عن أيادي العابثين بالمصير الفلسطيني والذين يراهنون على اتفاقيات خرقاء مع المحتل الإسرائيلي الغاشم الذي ينكل بالفلسطينيين ويسطو على المزيد من الأراضي الفلسطينية المستباحة دون رادع؛ بغية تحويل الضفة الغربية إلى جزر أمنية كما شاءت لها صفقة القرن التي ظن كثيرون بأنها انتهت بينما يتم تنفيذها وعلى مراحل تحت طاولة القمار التي أقحم عباس في أتونها في زيارته الأخيرة المريبة لمنزل بني غانتس والمرفوضة جماهيرياً!! ناهيك عن أن أوسلو نفسها فتحت أبواب التطبيع المهين أمام دولة الاحتلال على صعيد عربي.

وكان على مستشاري عباس أن ينبهوه إلى أن خيار السلام مع الفلسطينيين بالنسبة للقيادة الإسرائيلية ليس استراتيجياً بحيث سيفضي إلى حل دائم؛ بل تكتيكياً مراوغاً بغية الوصول من خلاله إلى فرض سياسة الأمر الواقع على الضفة الغربية وتحويلها إلى جزر أمنية محاصرة بالمستعمرات ويتم التحكم بها كما هو حال غزة فيما لو جردت من سلاح المقاومة الذي حقق الردع مع أعتى الجيوش في العالم.

إن المفاوضات القائمة على وعود إسرائيلية كاذبة، إنما تندرج في سياق التكتيك الأمني بحيث يتم اللجوء إليها كلما تعرض كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى ضغوطات ميدانية على الأرض بفعل المقاومة المسلحة في غزة أو تلك التي أنيطت بالفلسطينيين وفزعاتهم الفاعلة ضد قطعان المستوطنين التي لا تبقي ولا تذر.

وفي المحصلة فإن ما تسعى إليه القيادة الإسرائيلية هو كبح جماح أية مقاومة تطل برأسها على المشهد الفلسطيني، ومحاولة دعم الاقتصاد الفلسطيني وفق الرؤية الصهيونية في أن يظل تحت سيطرة القرار الإسرائيلي حتى يظل الفلسطيني يلهث وراء مصالحه " العصا والجزرة" دون أن يظفر بها.

ولأن شجرة الزيتون ومنتجاتها من الزيت تمثل أهم ركن في اقتصاد الريف الفلسطيني، فقد تم استهدافها واقتلاعها في مجازر تعرضت لها هذه الشجرة الكنعانية المباركة العريقة والتي تمثل هوية الشعب الفلسطيني، ما استرعى من غانيتس إهداء الرئيس الفلسطيني زجاجة زيت من معاصر الزيتون في مستعمرات الضفة الغربية التي أقيمت على أراضي محتلة، في إطار رسالة إسرائيلية فحواها بأن شجرة الزيتون ومنابتها ما هي إلا موروثاً إسرائيلياً.

وكان الأولى بعباس رفض قبول الهدية حتى لا تعتبر اعترافاً ضمنياً منه بما يضمر قادة الاحتلال الإسرائيلي في قلوبهم وعقولهم القائمة عل احتلال الأرض والموروث الفلسطيني بأنواعه، رغم أن الرئيس الفلسطيني تجاوز كل القوانين في تقلده لرئاسة السلطة بحيث يعتبر لدى كثيرين من الفلسطينيين رئيساً غير شرعي، أي أن ما يقرره غير قانوني.

فالمصادر الإسرائيلية من جهتها تؤكد ما ذهبنا إليه من خلال حديثها عن مخرجات لقاء عباس و غانتس، في أن هناك تسهيلات اقتصادية ستمنحها الحكومة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، صنفتها في خانة إجراءات بناء الثقة.. مع أن كل اختبارات الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فشلت وكان آخرها صفقة الإفراج عن الأسرى وربط توريد الغاز إلى القطاع وفتح الأبواب للعمالة الفلسطينية بالهدنة الطويلة المنشودة دون فك الحصار.. أي ممارسة لعبة العصا والجزرة في الضفة الغربية والقطاع المحاصر وإبقاء الأمر على حاله وصولاً إلى فرض سياسة الأمر الواقع.

وفي هذا الصدد، تواترت بيانات الإدانة عن الفصائل الفلسطينية. وقالت حركة حماس: إن اللقاء لا يخدم إلا الإسرائيليين. فيما عدته حركة الجهاد الإسلامي تنسيقًا أمنيًا في لحظة فلسطينية حرجة، وأن الانتفاضة انفجرت من أصله وأن لقاء عباس تم مع من أعطى أوامره لإخماد المواجهات مع الفلسطينيين بالقوة لذلك سمح بإطلاق الرصاص الحي على الفلسطينيين .

وجاء اللقاء في رأي الجبهة الشعبية "رهاناً خاسرا".

أما شرفاء فتح وخلافاً لسياسة سلطة أوسلو فإن انخراطهم في الفزعات الميدانية على الأرض تعبر عن رفضهم لتقاعس السلطة إزاء ما يتعرضون له من انتهاكات على يد المستوطنين الصهاينة..

وفي الحقيقة أن الكلمة الفصل تعود إلى الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه وعرضه ومقاومته المظفرة، ويعلم قادة الاحتلال الإسرائيلي بأن حصادهم الخيبة ولا رهان على من يتاجر بوطنه ويتنازل عن ثوابته الوطنية.

 

بقلم بكر السباتين

1 يناير 2022

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم