صحيفة المثقف

منى زيتون: تأملات في الطباع الأربعة (3)

منى زيتوننتابع في مقالنا اليوم الحديث الذي بدأناه في مقالات سابقة عن فلسفة "الطباع الأربعة" عند القدماء؛ حيث افترضوا عناصرَ أربعة أساسية هي النار والتراب والهواء والماء، لكل منها طاقة مختلفة الأثر في الكون وفي طباع البشر.

العناصر والطباع الأربعة

كان لكل عنصر رمز عُرف به عند القدماء؛ فرمز النار الصولجان أو العصا الغليظة (النبوت)، والسيف القاطع هو رمز الهواء، والقلب أو وعاء الماء هو رمز الماء، بينما رمَز الدرهم إلى التراب.

وعلى الأرض نجد كثيرًا من الماء، وكثيرًا من التربة المتماسكة التي يمكن أن نعيش عليها، وكثيرًا من الهواء، ولكن مع قليل من النار ومصادر الحرارة! فالماء والتراب يفرشان سطح الأرض وأعلى منهما الهواء، والقريب منه لسطح الأرض فقط صالح أن نتنفسه، وهذه إشارة إلى محدودية الفكر النافع! وأعلى وأبعد منه النار (الشمس)؛ نستشعر أثرها كالروح ولا نلمسها، كما أن باطن (لب) الأرض نار. وأثر النار في كوكبنا كأثر الروح في الجسد، كمها قليل، ولكن دونها لا تكون حياة.

وهذه الطباع تتفاوت كثيرًا؛ فمن حيث القوة الجسمية يترتبون من الأعلى للأقل: النار، ثم التراب، ثم الماء، ثم الهواء، وكذلك من حيث القوة النفسية، فالناريون كسهام النار لا يعرفون اللف والدوران ولا يخشون أحدًا من الأساس ليكذبوا عليه، وهم أعلى جاذبية وحضورًا وظهورًا؛ فالنار تُرى ولو كانت فوق جبل، أما العنصر الهوائي فهو الأكثر خداعًا والأقل جاذبية؛ فالهواء فأمامك ولا تلحظه! أما من حيث السرعة فالنار والهواء أسرع العناصر، والتراب أبطأها.

ولسيادة طبع ما أثره في شخصية صاحبه؛ ولكل طبع جانبه الإيجابي وجانبه السلبي، والإنسان يمكن أن يكون صالحًا بأن يُسير الطبع الغالب عليه في الاتجاه الإيجابي، ويمكن أن يكون طالحًا بأن يستسلم للجانب السلبي من الطبع.

فلأن الهواء هو العنصر الذي يستحيل امتلاكه، وهو رمز الفكر، قالوا بتوارد الأفكار بين البشر، وأن للأفكار أجنحة! لذا فإن أصحاب الطبع الهوائي هم الأعلى إنسانية والأكثر تشاركية بين باقي البشر، والأكثر تفكيرًا، ولكنهم أيضًا قد يكونون الأكثر ثرثرة ونشرًا للإشاعات! والهوائي قد يكون مفكرًا وحقوقيًا وقد يكون مخادعًا وربما جاسوسًا!

ولأن الأرض هي أكثر ما يتملكه البشر، يظهر الانكباب على الذات والأهل والشئون الخاصة للفرد في أجلى وأوضح حالاته لدى أصحاب الطبع الترابي الأرضي، فهؤلاء الترابيون هم الأكثر استقرارًا وهم أيضًا شديدو البطء في اتخاذ القرارات.

بينما من يسود لديهم الطبع الناري هم الأكثر قوة والأقدر على القيادة والأجدر بها، والأسرع في اتخاذ القرارات، والناري قد يكون مسئولًا وقد يكون مستبدًا. وأصحاب الطبع المائي هم الأكثر حنانًا ولطفًا، وهم أيضًا الأكثر تلاعبًا وتحايلًا! والأكثر قدرة على بث أفكارهم في أدمغة غيرهم حتى يستشعروا أنها أفكارهم الخاصة! وأصحاب كلا الطبعين أقل اهتمامًا بأحوال البشر عامة من هوائيي الطبع، ولكنهم لا يبلغون في ذلك مبلغ الترابيين المنكبين على شئونهم، فيتوسطون بين هؤلاء وأولئك؛ ذلك أن النار (الطاقة) والماء جزء منهما مشترك وعام بين البشر، وجزء آخر منهما قد يكون ملكية خاصة.

امتزاج الطباع

دائمًا ما يكون البرج الذي يتفق طبعه مع الطبع العام للفصل الذي يوجد فيه، هو الأعلى في هذا الطبع من البرجين الآخرين الذين على شاكلته؛ ومن خلال الطبع الرئيسي والطبع الفرعي لكل برج يمكن فهم الكثير عن طاقته، ويمكن وصف طباع الأبراج وفقًا لامتزاج الطاقة الرئيسية لها مع طاقة فصل السنة التي توجد فيها على النحو:

الأسد: ناري، والحمل: ناري ترابي، والقوس: ناري هوائي.

الثور: ترابي، والعذراء: ترابي ناري، والجدي: ترابي مائي.

الحوت: مائي، والسرطان: مائي ناري، والعقرب: مائي هوائي.

الميزان: هوائي، والجوزاء: هوائي ترابي، والدلو: هوائي مائي.

وعليه فالأسد برج ناري الطبع مرتين؛ مرة لأن النارية طبعه الخاص، ومرة لأنها طبع فصل الصيف الذي يحل فيه، ما يجعله أقوى الأبراج ومواليده أكثرهم شجاعة وجسارة، وهو لذلك طالع القادة العسكريين العظام عبر التاريخ كنابليون وخالد بن الوليد، ويليه الحمل في الدرجة الثانية من النارية، حيث يوجد في فصل ترابي، والتراب يلي النار من حيث قوة الطبع، فالحمل ناري ترابي، وهو أكثر الأبراج النارية مادية، وامتزاج طاقة النار التي تمثل القوة مع طاقة التراب التي تمثل الثبات والاستقرار هي أفضل طاقة لتأسيس ‏كيان قوي وثابت، فالخيمة تُقام على أربعة عصي –والعصا هي القوة وهي رمز طاقة النار- وهذه العصي ‏تثبت في التراب، ولذا فالحمل هو طالع الأباطرة الكبار الذين أسسوا دولًا كبرى، كالإسكندر وقورش وغيرهما، وكان أصحاب طالع الحمل من الأباطرة يفتخرون به ويلقبون بذي القرنين، بينما القوس هو أقل أبراج المثلث الناري نارية، حيث هو البرج التاسع في دائرة البروج وهو آخر أبراج فصل الخريف، وتمتزج ناريته بهوائية الخريف، تعبيرًا عن تقدم الإنسان في العمر والعقل، فالقوس هو مزيج من القوة (النار) والعقل والفكر (الهواء)؛ لذا فهو طالع الكتاب والمفكرين الكبار على مستوى العالم.

وكذلك الثور هو الأعلى ترابية من العذراء والجدي، لأنه البرج الترابي الذي يقع في الربيع، وهو الفصل الترابي، وهو لذلك بطئ ثابت يحب جمع المال، والميزان هو الأشد هوائية من الجوزاء والدلو، لذا فهو يفكر ويفكر ويصعب عليه اتخاذ قرار! فلا تتوازن كفتاه بسهولة، والحوت هو الأعلى مائية من السرطان والعقرب، لأنه برج مائي يقع في الشتاء، وهو الفصل المائي، وهو لذلك الأكثر عاطفية، والأبعد نوعًا عن التفكير المنطقي.

والسرطان ماء ساخن مشاعره متدفقة، ويستحيل عليه ضبطها؛ لذا فهو كثير ‏الشكاية. والجوزاء منفصم بين العقل والمادة! وطريقة تفكيره ساذجة نوعًا رغم كونه برج ‏هوائي بالأساس، ربما لأنه البرج الثالث في ترتيب البروج ويعبر عن مرحلة تفكير الأطفال ‏الصغار، ويمكن القول إنه كالأطفال يعتمد على مهارات تواصله العالية في تفاعله الاجتماعي أكثر مما يعتمد على التفكير الناضج. والعذراء تمتزج لديه الطاقتين النارية والترابية كالحمل، ولكن طاقته ترابية في ‏الأساس، وهو لذلك الأكثر مثابرة في العمل والتزامًا بالقوانين والنظم، كما شغالة النحل.‏

والعقرب والدلو هما مزيج من طبعين شديدي التنافر؛ وأعني الماء والهواء، فكيف ‏للعاطفة والعقل أن يجتمعا! فهما في صراع دائم داخليهما، لكن العقل أغلب عند العقرب ‏فهو الأكثر قدرة على التحكم في مشاعره من بين جميع الأبراج، وهذا عجيب بالنسبة لبرج ‏طبعه الأساسي مائي، أما الدلو فهو ثائر بدرجة أعلى وعقله قد يضعف أمام عاطفته، لكن ‏امتزاج الطبعين المائي والهوائي يجعلهما الأعلى قدرة بين سائر الأبراج على التخلي؛ فهما الأكثر ‏قدرة على إحداث تدمير للوضع القائم لبناء غيره، رغم أن كل منهما يقع في منتصف الفصل ‏الذي يوجد به، والمفترض أن تكون طاقته أكثر ثباتًا!‏

وهذا الامتزاج الطاقي يتزايد في مناطق خاصة من السماء، مثل المجموعات النجمية التي تقع بين درجات برجين، وأغلبها تكون منازلًا ممتزجة الطاقة للقمر، ومثل منطقة الامتزاج الطاقي الواسعة بين الجدي والدلو حيث يكون الجدي في الطالع، ولكن تعلوه جزء من المجموعة النجمية للدلو، وتمثل كف الدالي المبسوط، وتعرفها العرب باسم سعد بُلع، ثم تأتي مجموعة نجمية أخرى هي كتف الدالي الأيسر وتُعرف بسعد السعود، والأخيرة تقع بين درجات طالعي الجدي والدلو. وطاقة الدلو هوائية مائية، فهو مفكر ثائر وقادر على التخلي عن أي شيء لا يفيد، والجدي ترابي مائي، فهو قادر على تأسيس كيان مادي وريه حتى يثمر، ومن تكون هذه المنطقة الممتزجة مفعلة في خريطته الفلكية يكون إداريًا عظيمًا بالفطرة.

فمما ينبغي لفت النظر إليه أيضًا أن طاقة أي إنسان لا تتحدد ببرجه الطالع فقط، والذي يُعرف من تواجد المجموعة النجمية للبرج عند الأفق الشرقي في اللحظة التي وُلد فيها، ولا حتى برجه الشمسي فقط، والذي يُحدده تواجد الشمس في درجات هذا البرج يوم ميلاده، ولا برجه القمري فقط، والذي يُحدده تواجد القمر في درجات هذا البرج وقت ميلاده، ولا المنزلة القمرية داخل البرج القمري فقط، ولا غيرها من السمات الفلكية وحدها، فلكل إنسان منا خريطة فلكية شديدة التعقيد، وينبغي فحصها بالكامل، وهي تختلف لكل فرد منا عن الآخر، وحتى بين التوائم، فهي كبصمة الأصابع، كما أنه يستحيل أن يولد إنسان وطاقته كلها متركزة في برج واحد، أو في بروج ذات طاقة واحدة نارية كانت أو ترابية أو مائية أو هوائية. وما شرحته هي طاقة كل برج على حدة، ولكن كل فرد منا تتوزع طاقته بدرجات مختلفة وبأشكال مختلفة ما بين مجموعة من البروج.

كما أن هذه الطباع هي إمكانيات فطرية كخامات الجواهر، وما لم يعمل الإنسان عليها لتطويرها بشكل إيجابي ستبقى دون صقل، وعلى سبيل المثال فإنه ليس كل من تكتلت طاقته في برج الأسد سيكون قائدًا حربيًا كنابليون، ولا كل من تركزت في الحمل سيبلغ مبلغ الإسكندر، ولا قدرة القوس الفائقة على التعلم كل الأقواس يستغلونها ويستثمرونها فيصيرون كتابًا ومفكرين وأساتذة جامعات.

يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ

يقول تعالى عن الريح الصرصر العاتية التي أصابت قوم عاد: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا ‏بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الحاقة:6-7].‏

ولي رؤية فلكية أود عرضها عن توقيت الزمن الذي أصاب قوم عاد فيه ‏العذاب، ووصفه في آية أخرى -غير آيتي الحاقة- بأنه كان يوم نحس مستمر ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا ‏عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ [القمر: 19] رغم أنه استمر ما يزيد على الأسبوع، ‏والذي قيل إنه كان الأسبوع الأخير من الشهر العربي، وأنه بدأ يوم أربعاء وانتهى يوم ‏أربعاء، ويوم الأربعاء هو يوم كارمي لتسديد الديون وتلقي الجزاءات.‏

واللافت لي أن الآية وردت في سورة القمر، وتُذَّكِر في أولها بالآيات والنُذر، وبعدها ورد ذكر عذاب قوم نوح، والذي يحكي الفلكيون العرب القدامى عنه أن كواكبًا عديدة اجتمعت مع القمر في الحوت وهو أعلى الأبراج مائية، فهطلت الأمطار الغزيرة، وأضيف أنه ربما اقترب القمر من الأرض بشدة فجذب الماء من باطنها حتى تفجرت منها العيون؛ بسبب طاقته المائية التي نرى أثرها في ظاهرة المد في البحار.

 أما بالنسبة لقوم عاد، والذين ورد ذكر عقابهم بعدهم في السورة، فلمن لا يعلم فإن القمر في رحلته الشهرية حول الأرض يكون في وضع تربيع لزحل مرتين، إحداهما يكون فيها متزايدًا لم يصل للبدر بعد، والأخرى يكون فيها متناقصًا، وتقول العرب عن كلا اليومين الذين يحدث فيهما التربيع بين القمر وزحل إنهما يوما نحس، وخاصة عندما يكون القمر متناقصًا. أما ما أراه في تفسير "يوم النحس المستمر" فهو أن التربيع بين القمر وزحل قد استمر، فثبت القمر ولم يتنقل في المنازل، رغم أن الأرض بقيت تدور حول الشمس، ومن ثم كانت الشمس تشرق وتغرب، فبحساب الشروق والغروب فقد دارت الأيام والليالي، وبحساب ثبات القمر في وضعه واستمرار تربيعه لزحل كان يوم نحس مستمر.

وبالنسبة لما لقينا في سنتنا الكبيسة النحيسة 2020، فقد كان القدماء لا يحبون السنة الكبيسة وسنوات النسيء لأنها سنة تسوية كسور مستحقة، كما كانوا يتخوفون من السنة التي تبدأ يوم أربعاء، ويقولون إنها سنة كارمية؛ سنة سداد ديون، وسترتد فيها على كل إنسان أي إساءة فعلها في آخر يومًا ما، كما كانوا يقولون إن السنة التي تبدأ والقمر في الحوت هي سنة مرض وموت؛ لأن الحوت هو آخر دائرة البروج. وقد اجتمعت في سنة 2020 كل هذه العلامات!

رحلتنا للتعلم قاربت أن تنتهي

ولأننا قد تحدثنا عن هلاك قوم عاد فقد خطر لي أن أنهي المقال بأسطورة تتعلق بنهاية الكون، لا يكاد يعرفها أحد. تحدثنا عن طاقة التجمعات النجمية التي تُعرف ببروج أو كوكبات السماء، ولكن ما لم أذكره أن البروج الإثني عشر تتوزع على ستة محاور، كل محور منها له طرفان هما البرج والبرج الرقيب له؛ فهناك محور (1، 7) وهو محور الحمل/الميزان، ويمثل الأنا والآخر، ومحور (2، 8) وهو محور الثور/العقرب، ويمثل المال الخاص والمال المشترك، ومحور (3، 9) وهو محور الجوزاء/القوس، ويمثل السفر القريب والتعليم الأولي في الجوزاء والسفر البعيد والتعليم العالي في القوس، وهكذا.

ولمن لا يعلم فإن مدار دوران القمر حول الأرض ومدار دوران الأرض حول الشمس يتقاطعان كأي دائرتين في نقطتين وهميتين، تُعرفان بالرأس والذنب، وعند درجاتهما يحدث الكسوف والخسوف، ويكون هذان الرأس والذنب متقابلين تمامًا على أحد المحاور الستة للبروج. والرأس يمثل البدايات بينما الذنب يمثل النهايات.

وتقول الأسطورة إنه عند لحظة بدء الكون كان الرأس في الجوزاء، والذنب في القوس، وبما أن محور الجوزاء/القوس هو محور السفر والتعلم، فالبشر في هذا الكون في رحلة للتعلم، وأنه عندما تقارب الرحلة على نهايتها وتقترب نهاية العالم فإن اتجاه الرحلة سينعكس، وسيبدأ الكون في التحرك تجاه القوس.

واللافت أن العلماء منذ سبعينات القرن الماضي رصدوا بالفعل أن مجرتنا بالكامل وكذلك باقي المجرات التي تنتمي إليها مجرتنا تتحرك في اتجاه مركز المجرة التي تقع خلف المجموعة النجمية لبرج القوس، وقدروا هذه الحركة بسرعة 600 كم في الثانية، ولا يعلمون يقينًا مصدر هذا الجذب، فهو مجهول الهوية، وإن كانوا يسمونه بالجاذب العظيم!

وإلى تأملات أخرى إن شاء الله تعالى.

 

د. منى زيتون

........................

* مُستل من كتابي "نحو مجتمع عربي متحضر"

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم