صحيفة المثقف

عقيل العبود: عدسة اللون

عقيل العبودرحتُ أنظر إلى صورة معلقة عند حافة مشاعر تآلفت مع عينين ناعستين، وابتسامة متأملة، وجدت نفسي منهمكاً بسيناريوهات ماض راح يدنو من ذاكرة تمضي طقوسها برفقة مفردات تحتاج إلى تأمل؛ رسم الشاب الأسمر، والذي يبدو عليه الفقر، ملامح زميلته التي تدرس معه في الجامعة؛ كانت تنفخ الشموع، تعبيراً عن عيد ميلادها، يوم قرر أن يسرق من وقت حضوره الدراسي، يختلس النظر إليها بدقة متناهية، يطوف في تفاصيل يصعب تشخيصها، لعله يبلغ حدود ذلك الوشم الذي تعانقَ مثل ضحكتها مع ندبة تشبه أثر جراحي قديم، ليته يجسد محاسنها بطريقة تختزل أغوار روحها التي غدت مثل أنفاسها تعانق كعكة عيد ميلادها الذي تجاوز العشرين.

استحضرتُ عدة دافنشي، ومحيا الموناليزا، حتى غدوت أمام أيقونة تبحث عن صلوات راهب يترنم بعبق عالم أسطوري... استهوتني نكهة الحديث معه عن فن التصوير بعد أن ضيّفني بفنجان قهوة، غادرت بصيرتي استجابة لمشاهد تعود إلى عالم سبعيني.

تجلت تلك الخطوط من البهاء يوم تم الاحتفاء بلوحتها المرسومة في إحدى زوايا نادي الجامعة، متزامنة مع ما يسمى بيوم الطالب، ما يطلق عليه ذكرى تاسيس الاتحاد الوطني الذي يعد منظمة تابعة للحزب الحاكم آنذاك.. أمسيت هائماً أمام عدسة فنان يجيد أداء الفن الصوري بطريقة مدهشة، متواصلا مع منجز فنان غابت ومضته منذ زمن بعيد. 

راودتني فكرة للتأمل، والمقارنة بين لوحة فاتنة اختمرت تفاصيل حكايتها في ذاكرتي، وبين صورة فوتوغرافية جاهزة، استحضرت جميع مشاعري، ليتني أصل إلى مقاربة تجيز لي فن الأحكام.. صارت اللقطة العالقة على الجهة اليمنى من الجدار تجذبني أكثر من غيرها، تحلق بي صوب مدارات تتجاذب فيها لغة الرائي مع المرئي.

وجدت نفسي أغوص في أعماق مشهد أصم عبر لحظة راحت تفيض بأحاسيس لا يمكن تجاوزها، أخذت أنظر إلى أبعاد تلك الملامح، ليتني أستكشف رموز شيء من قبيل مشاعر هذا الجالس الذي بقيت نكهة فنه تغمرني بالحبور مذ لحظة حضوري إلى الاستوديو.

تقدمت شابة تحمل معها آنية من الورد بصحبة حزمة أوراق تحتاج إلى إمضاء، نظر إلى اسم صاحب الهدية، ابتسم بفرح حاول استبطانه لولا مقاطعتي التي جعلت منه أكثر غبطة.

أراد ان يعبر عن امتنانه وفقا لما تتطلبه قواعد السلوك، حتى عرفت من طريقة حديثه أن باقات الورد ،كانت عبارة

عن رسائل عرفان، امتنانًا لقدرته البارعة، والتي أجاد بها تصوير حفلة عروس بطريقة ماهرة.

أدركت أن هنالك عدستين؛ الأولى عدسة الكاميرا، والثانية عدسة الصورة، وبهذا تحقق لي استنطاق تلك الأحاسيس، وفقا لمفردات نظام يفرض علينا هذا النوع من التناغم، ليتنا نرسم للحياة أشعة ضوء جديدة.

 انتابني الفضول لأبحث في خبرته التي صارت حاضرة حيث عرفت أنه التحق بإحدى جامعات العالم المهمة ليدرس فن النحت والتصوير بعد أن ترك أكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد مغادراً في تسعينيات القرن المنصرم. أيقنت أن حزمة ضوء من الروح تسري، تنحني قليلاً لتلتحق بمسارات ألوانها الباهرة.

بقيت رائحة المشاعر حاضرة مع عيد ميلادها الذي تزامن مع الاحتفاء بعيد الطالب، وهي تنحني تعبيرا عن شكرها الجزيل لأنامل فنان استطاع أن يظهر ابتسامتها، أسوة بصاحبة الورد التي عبّرت عن إعجابها بصور عرسها التي أبدع في التقاطها صاحب الاستديو.

 

عقيل العبود

.........................

*مقاربة بين عدسة الفنان وعدسة المصور. عدسة الفنان هي الطريق إلى اللوحة، وعدسة المصور هي الطريق إلى تجسيد المقطع الصوري، ومع العدستين تتناغم لغة المشاعر، والقصة سيناريو حقيقي حصل إبان فترة سبعينية القرن العشرين؛ ليبقى في الذاكرة متناغما مع لحظة حضور لصاحب استوديو استطاع ان يصل من خلال الكاميرا إلى قلوب زبائنه.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم