صحيفة المثقف

صادق السامرائي: خطيئة المعتصم بالله!!

صادق السامرائيأبو إسحاق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن المهدي بن جعفر المنصور ثامن الخلفاء العباسيين (179-227) هجرية، ولد في بغداد وتوفي في سامراء، يوم الخميس (18) ربيع الأول، ودفن فيها.

وهو الذي بنى مدينة سامراء (سر من رأى)، (220 - 222) هجرية، وأمضى فيها خمسة سنوات من خلافته، حتى وفاته، ومنها إنطلق لفتح عمورية (223) هجرية.

وقد عهد هارون الرشيد لأولاده الأمين والمأمون والقاسم بالخلافة من بعده وإستثنى المعتصم، وعندما توفى المأمون في طرسوس بويع له بالخلافة، التي عهد له بها لبأسه وحاجة الدولة لحزمه.

كان المعتصم يمتلك قوة بدنية وشجاعة متميزة، ويُقال أنه ضعيف الثقافة والكتابة، وهو أبيض أصهب اللحية طويلها، مربوعا مشربا بحمرة، ذو همة عالية، وقوة مفرطة، فصيحا مهابا، وقيل أنه أهيب الخلفاء العباسيين، وقد أدام محنة خلق القرآن، وفي زمنه عانى الفقهاء، ومنهم أحمد بن حنبل الذي نال ما ناله من القهر.

وقد تمكن من التواصل مع ما أراد إنجازه أخوه المأمون، فقضى على الثورات المضادة (ثورة بابك الخرمي، وثورة محمد بن القاسم وغيرها).

وإستمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده كما إفتتحها المأمون، ومضى على نهج المعتزلة.

فالمأمون لم يعهد بالخلافة لأحد، وعندما مرض إستدعى المعتصم ليوليه، مع أن إبنه العباس كان معه في طرسوس.

يبدو أن المأمون قد عاش يعاني من عقدة الذنب بعد مقتل أخيه الأمين، فقد تربيا كالتوأم، وأخطأ هارون الرشيد ببيعته لأولاده الثلاثة على التعاقب الأمين والمأمون والقاسم، وما خطر على باله أن يكون المعتصم خليفة فلم يهتم بتأهيله وتثقيفه، وتركه مدلالا يأنس بما لديه من أسباب اللهو واللعب، وكان يحب أمه كثيرا وصار إبنه القائق الدلال.

وأمه تركية، وأظنه يعرف التركية، وتعاظم ميله لشراء الصبية الأتراك، فيربيهم ويدربهم على القتال حتى صار ولاءهم له مطلقا.

ويقال أن العباس بن المأمون قد تآمر على عمه المعتصم، وهو في ذروة معاركه لفتح عمورية، فسجنه حتى مات .

فالمعتصم قوي، حاد المزاج، صارم العزيمة، إرادته شديدة، وإقدامه عنيد، ويتميز بنرجسية عالية، وقدرة على الفتك بالآخر بلا هوادة، ولا تأخذه لائمة فيما يقدم عليه، ويبدو أنه كان في شك وتحسب من الذين حوله، فلا يرحم مَن يخونه أو يتوجس فيه عدم الطاعة، خصوصا من الأتراك الذين إشتراهم وأهّلهم وجعل منهم قادة ومتنفذين في الدولة، فإن تحسس أو ظن في أحدهم بعض سوء أو هوى فأنه يفنية بلا تردد، كما حصل للأفشين القائد الذي أحرقه وأذاقه شر العقاب وجعله عبرة لغيره.

ومن دراسة سلوكه المدوّن في الكتب، يتأكد أثر الشعور بالعظمة ودوره في تفاعله مع الآخرين، فهو الذي أعدم في سامراء قادة أعدائه الذين تم القبض عليهم ، ففعل ما فعله بالخرمي، وبطش بكل مناوئ حتى أقرب الأشخاص إليه كإبن أخيه المأمون.

وكان مستبدا وحاكما مطلقا، ومعبرا عن هيبة وقوة الدولة، ويتصرف وكأنه ملك الملوك والقادر على  صناعة التأريح وإدارة دفة الأحداث، فكان مرهوب الجانب، يتحرك بكبرياء وهيبة مطلقة، وسط جنده الذين إشتراهم ورباهم ليكونوا عبيده المطيعين المذعنين، فهو كل شيئ في حياتهم، ولا يعرفون ربا سواه.

وقد إرتكب خطيئة لا تغتفر بهذا السلوك، الذي يدل على الأنانية وحب الذات، وعدم الإكتراث لغير ما يتصل بذاته وشخصه.

وكأنه أدرك من الصراع بين أخويه العربي الأمين، والمأمون الذي أمه فارسية، أن لا بد من إزاحة العرب من السلطة والقوة، وإدارة الدولة العباسية بغير العرب، وربما يمكن تفسير إحلال الأتراك في الدولة وتهميش العرب لهذا السبب، أو إستعان بهم للحد من المنافسة الشديدة بين العرب والفرس في الجيش والحكومة.

ففي زمنه لم يكن للعرب دور بارز إلا فيما قل وندر، وكان القادة في الجيش والدولة من الذين إشتراهم ورباهم ليصدقوا الولاء له، وربما كان يرى لأن أمه تركية فأن العرب لا يؤازرونه ويشكون بعروبته.

والعجيب في أمر الرشيد أنه قد أنجب خلفاء من عربية وفارسية وتركية، وتوهم بأنهم سيتواصلون بقيادة الدولة من بعده بسلام، وما فطن لما أقدم عليه من فعل خطير، فكانت كبوته التي كررها من بعده المتوكل.

فإبن الفارسية قتل إبن العربية، وإبن التركية هو الذي إستلم الأمر ومن بعده ذريته، وما نالها إبن عربية أصيل.

ويبدو أن الدولة العباسية قد تحقق إدارتها من قبل الأجانب في عهده، وتحول الخلفاء العباسيون بعد مقتل المتوكل إلى رموز وحسب، وإن شئت إلى دمى تعبث بها إرادة الآخرين.

 

د. صادق السامرائي

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم