صحيفة المثقف

بكر السباتين: الشائعات المتدحرجة "حصاد الألسن" خطورتها ومقاومتها

بكر السباتينمن منا لم يعاني من أثر الشائعات على صعيد شخصي أو جمعي في إطار الأسرة والمجتمع والدولة والعالم، وقد استفحلت بيننا وفينا مع توالي الأزمات الاقتصادية وارتباط جزء منها بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والصراعات الدولية التي تؤثر على العالم، والخطر البيئي الذي يتهدد الأرض ومن عليها، ومخرجات تفشي مرض كورونا والتغيرات التي طرأت على الأمزجة والعادات والتقاليد بمساعدة التقنيات الحديثة المرتبطة بالفضاء الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي ومصادر المعلومات المقروءة والمسموعة والبصرية التي أتخمت بها الشبكة العنكبوتية التي تخطت كل القوانين الوضعية والدينية دون قيود .

فما فما هو تعريف الشائعة: أشكالها.. عوامل انتشارها.. سبل محاصرتها والقضاء عليها أو التقليل من أثرها إذا تعذر ذلك؟

أولاً- مفهوم الشائعة:

الإشاعة في اللغة: الأخبار المنتشرة. أما اصطلاحاً فإنها تجتمع على مفهوم واحد يتضمنه التعريف القائل بأن الشائعة هي: "الأحاديث والأقوال والأخبار التي يتناقلها الناس، والقصص التي يروونها؛ دون التثبت من صحتها، أو التحقق من صدقها".

والملاحظ إن هناك رابطاً و عاملاً مشتركاً يجمع بين المعنى اللغوي، والمعنى الاصطلاحي والسيكولوجي، هو "الانتشار والتزايد".

إلا أن العالم ليون فستنجر في نظرية التنافر المعرفي يضيف إلى ذلك ما فحواه بأن "استقبال الأفراد أو الجماعة لمعلومات غامضة أو غير كافية أو غير مناسبة أو متناقضة تخلق لديهم حالة من مظاهر سوء الإدراك والفهم لمجريات الأحداث مسببة حالة من الارتباك والفوضى"

والشرارة الأولى للشائعة تبدأ بخبر ذو أهمية خاصة لدى جماعة من الناس في ظل ظروف من الغموض والالتباس وفي حالة من التوجس والخوف والترقب لحدوث شيء ما؛ فتأتي الشائعة لتفرغ الضغوطات المتفاقمة في أعماق من يعانون منها، فتريحهم إلى أن تنجلي الحقيقة.. صادمة كانت أو متوافقةً مع التطلعات

أي أن "الشائعة تنتج عن الامتزاج الأقصى بين الحيرة والقلق" وهي تعيش إما لتحقيق الحاجات والتوقعات التي أثارتها حتى ينخفض مستوى القلق.

وفق ما ذهب إليه العالمان روسنو وغاري ألانفي في كتابهما المشترك:

" الشائعة والقيل والقال، وعلم النفس الاجتماعي والشائعة"

ثانياً- سبب انتشار الشائعات:

- يرجع البعض أيضاً أسباب ترديد الشائعات إلى ما يلي:

- المجتمع الجاهل يكون بيئة خصبة ومناسبة لترويج الشائعات ذات المصادر المبهمة مع أنها تمتلك جزءاً من الحقيقة ما سيتيح للمتلقي ترويجها مع إضافات ترضي غروره أو مآربه.. فتتحول إلى كرة ثلج تتدحرج على ألسنة الناس وتنمو بإفراط إلى أن تذيبها شمس الحقيقة..

- عدم وجود الطرف المخول بالرد على شائعة مُعينة يزيد لهيبها ويبعد عنها الشكوك والأقاويل.

- انتشار وسائل الاتصالات الحديثة التي يجملها الفضاء الرقمي. سواء كانت الشبكة المعلوماتية التي تتضمن ما هو مكتوب أو مسموع أو مرئي وبصري، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

 وكل ذلك يُعَدُّ السبب الأهم في انتشار الشائعات ومصدر المعلومات المتاح للجميع بسهولة ويسر.

- قانون الشائعات الذي في رصد حركة الشائعة وقوتها ويوفر معطيات السيطرة عليها من خلال تحليل مدخلاتها.

ويقوم هذا القانون على عنصري الأهمية، والغموض. والمقصود هنا؛ أهمية الموضوع بالنسبة للأفراد المعنيين وغموض الأدلة الخاصة بموضوع الشائعة.

لقد حاول كل من ألبورت وبوستمان أن يضعا قانوناً أساسياً للشائعة في شكل معادلة جبرية، ووصلا إلى أنه من الممكن وضع معادلة عن شدة الشائعة على النحو التالي:

"شدة الشائعة= الأهمية * الغموض"

بحيث أن العلاقة بين طرفي المعادلة أو المدخلات طردية، فإذا ازدادت نسبة الغموض أو الأهمية ازدادت شدة الشائعة.

وترتكز المعادلة على أن الشخص لا يهتم أساساً بنشر الشائعة طالما لا تعنيه، أي "أهميتها" بالنسبة إليه. وهذا لا يكفي بل لا بد من اكتناف "الغموض" للخبر حتى تنفتح شهية ترويجه من قبل المتلقين.

ثالثاً- دوافع نشر الشائعة لدى الأفراد:

هناك دوافع متعددة تكمن وراء نشر الأفراد للشائعة وفيها بعد نفسي ذاتي أو جمعي، وقابلة للتدحرج والنمو والتأثير ويمكن توظيفها لمآرب تخريبية أو تسويقية، ومن هذه الدوافع:

-  الدافع النفسي الذاتي؛ لجذب الانتباه وتعويض النقص وحب الظهور على نحو شخصية "أبو العريف" الذي يسعى لجذب الانتباه إلى نفسه فيقوم بإلقاء الشائعة من أجل رفع مكانته في عيون الآخرين لشعوره بالنقص.

- الإسقاط المعنوي وإثارة الفوضى :حيث يشعر الفرد عندما يقوم بنقل الشائعة أنها تبعده عن المخاوف و نجده يسيطر عليها وتتسم هذه الشائعة بالطابع العدائي وتتسم بالغموض وعدم الوضوح ومثال على ذلك الشائعات التي تروج ضد الفلسطينيين لتسويق صفقة القرن وتقبل الصهاينة نفسياً ومعنوياً وقد ساهم الذباب الإلكتروني في نشرها عبر الفضاء الرقمي.

- العــدوان "قتل الشخصية": فيقوم الشخص في موقف من المواقف ونتيجة لعلاقات معينة بينه وبين شخص أخر بنشر شائعة ضد هذا الشخص وذلك قصد إيقاع الأذى بسمعة الشخص الأخر.

- بعث الثقـة و الاطمئنان في النفس: وفي ذلك يقوم ناشر الشائعة بترديدها بهدف إشراك غيره في مقاسمته حمل العبء في اكتساب عطف الآخرين بغية تهوين إيقاع الخبر الحقيقي الصادم على المقربين، وهذا النوع من الشائعات تمارسه الحكومات على شعوبها بصيغة أخرى؛ لتمرير الصفقات المرفوضة شعبياً.. ويمكن إدراج ما يعرف ب"بالونات الاختبار" في هذا السياق.

- العرفان والجميل وتحسين الأجواء: كذلك قد تنقل الشائعة من شخص إلى آخر بهدف تقديم المجاملة الودية من باب رد الجميل والمبالغة في المديح بغية إيصال الصورة للطرف الآخر من باب تمرير الرسائل المريحة التي تشيع في نفسه مشاعر الاطمئنان.

- الميل إلى التوقـع أو الاستباق: إذ تبلغ الشائعة ذروتها عندما يكون المرء متوقعا شيئا خطيرا بعد طول انتظار.. وهذا نهج يقوم به أصحاب القنوات المنتشرة في الفضاء الرقمي "التيوبر"

- الشائعات الاستراتيجية: وهي الشائعات المنظمة مثل الجيوش السيبرانية خدمة لأجندات الدول المتصارعة، كما يحدث في فضائنا العربي، أو ما يتعلق بالمنظمات العالمية التي يكتنفها الغموض مثل الماسونية، ومحاولة زعزعة الثوابت وإشاعة القلق والخوف على صعيد عالمي من خلال التشكيك بالأديان، والثوابت العلمية كشائعة أن الأرض مسطحة والأرض المجوفة، وأن الحرب العالمية الثالثة وشيكة، وأن هناك من يتربص بالبشرية من خلال انتاج الفيروسات في المختبرات العالمية للسيطرة على النمو السكان من خلال الإبادة البشرية، ناهيك عن شائعة حقن البشر بالشرائح الدقيقة عن طريق الحقن للتحكم بهم.

رابعاً- تصنيف الشائعات وأهدافها:

لقد حاول العالم بيساو أن يستخدم معيار الوقت في تصنيفه للشائعات وقسمها إلى ثلاثة أنواع:

1- الشائعة الزاحفة والمراوغة:

وهي التي تروج ببطء عن طريق الإعلام السيبراني الموجه عبر الفضاء الرقمي، ويتناقلها الناس همساً وبطريقة سرية - لحساسيتها- تنتهي في آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع. وذلك على نحو تمرير المشاريع السياسية والاقتصادية المبهمة من خلال تحليلات ترتكز على مدخلات تلك المشاريع وإظهار محاسنها من خلال مقارنتها بالمصير المخيف الذي يبالغ المحللون في تهويله في حال رفضها.. وترتكز تلك الأراجيف على مبدأ المصالح العليا ولو جاءت على حساب المبادئ.

2- شائعات العنف:

وهي تتصف بالعنف، وتنتشر انتشار النار في الهشيم، وهذا النوع من الشائعات يغطي جماعة كبيرة جداً في وقت بالغ القصر. ومن نمط هذا النوع تلك التي تروج عن الحوادث والكوارث أو عن الانتصارات الباهرة أو الهزيمة في زمن الحرب.. كما حدث في حرب 1967 ما يعرف بنكسة حزيران.. حيث أطلق المذيع أحمد سعيد عبر إذاعة صوت العرب في القاهرة شائعات حول انتصارات الجيش المصري وكيف أن الدفاعات الجوية أسقطت مئات الطائرات الإسرائيلية، لتفاجأ الأمة العربي بهزيمة العرب التي برمجت الإنسان العربي في تلك المرحلة على الخوف.

وكذلك فعل بسمارك عام 1870 حينما ادعى بأن فرنسا تريد احتلال "الاتحاد الألماني الشمالي" فجيشت هذه الشائعة الشعب الألماني فنجم عن ذلك الاحتلال احتلال فرنسا.

وهو ما حدث في معركة بلاط الشهداء التي خسر فيها المسلمون بقيادة عبد الرحمن الغافقي الحرب عام 732م حينما انطلقت أخبار بولغ فيها (شائعات) حول تسلل الجيش الفرنسي إلى معسكرات تخييم المسلمين خلف الجبهة، ونهب الغنائم والاعتداء على عائلاتهم فتفرق جمع المسلمين ما أدى إلى هزيمتهم.

3- الشائعات الغائصة:

وهي التي تروج في أول الأمر ثم تغوص تحت السطح لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها الظروف بالظهور، ويكثر هذا النوع من الشائعات في القصص المماثلة التي تعاود الظهور في كل حرب و التي تصف وحشية العدو وقسوته مع الأطفال والنساء.. وأقرب مثالاً على ذلك ما تمارسه سياسة المشروع الصهيوني الإعلامية بدءاً من أكذوبة شعب الله المختار التي على أساسها يحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه.. ورجم المقاومة في غزة بتهمة الإرهاب وخاصة "حماس".. صحيح أن الفلسطينيين يردون على هذه الشائعات المضللة بما أتيح لديهم من تقنيات مستشهدين بما في حوزتهم من وثائق؛ ولكن آلة الدعاية الإسرائيلية تنتشر بفاعلية في القارات الخمس وخاصة في وطننا العربي، وهذا يصعب من مهمة الفلسطينيين.

رابعاً:- الشائعات التسويقية (الدعاية والإعلان) ذات الهدف الربحي من خلال الترويج لمحاسن السلع التجارية، عبر الإعلانات بأنواعها.

أو خداع المستهلكين من خلال أكاذيب مكشوفة لتسويق البضائع شبه التالفة كما حصل في عام 2009 عندما تفجرت إشاعة مدوية في السعودية باحتواء مكائن الخياطة سنجر على مادة الزئبق الأحمر، مما أدى إلى وصول أسعار هذه الخُرد إلى مئات الآلاف من الريالات !.

ويمكن إدراج تسويق المشاهير في هذا السياق نظراً لأن سرعة الانتشار تعود عليهم بالربح الكبير،، والشائعات التي تقوم على هذا المبدأ عادةً ما تحوم حول المشاهير كوفاة لاعب أو حدوث حادث لفنانة وغيره من الشائعات.

من الشائعات من يصنعها المجتمع بنفسه خصوصاً للأمور المزمع أو المترقب حدوثها وذلك بكثرة ترديدها و السؤال عنها تنخلق شيئاً فشيئاً هذه الشائعات.

خامساً- خطر الشائعات على المجتمعات:

للشائعات آثار نفسية وحسية بالغة فبمقدورها القضاء على مجتمعات كاملة في حين أنها لم تُواجه من قِبل الأطراف الواعية، وتزداد خطورتها إذا كانت هُناك جهة ما تُزيد إسعار نار الشائعة طلباً لمُبتغياتها، لأنها تشيع الخوف والارتباك وتؤدي إلى تفشي القلق بين الناس وتزرع الشك في قلوبهم وعقولهم وهذه تربة صالحة للأزمات بكل أشكالها.

سادساً- كيف نواجه الشائعات:

للحكومة والأفراد دور تكاملي في التصدي للشائعات:

- التعامل بشفافية مع المواطنين ونشر الأخبار الصحيحة مهما كانت طبيعتها، حتى لا يستسلموا طوعاً وبغير إرادتهم للدعايات السامة التي يبثها العدو عبر جيشه السيبراني وشركائه في الفضاء الرقمي، القادر على التأثير سلبياً على الوعي العربي والذي يسعى لإعادة برمجة العقل العربي وفق رؤيته الصهيونية.

- الرد على الشائعات فور انتشارها لمحاصرتها بالأخبار الصحيحة.

- نشر الوعي بين الناس وكيفية التبين من صحة الخبر والتحقق من مصدره والتمييز بين الغث والسمين؛ لأن الشائعة والجهل صَنْوان.

- مراقبة ما يتابع الأبناء من أخبار يختلط فيها الحابل بالنابل والغث بالسمين.

- إشغال الوقت بالعمل المجدي أو ما يفيد لأن الفراغ من مقومات تلقي الشائعة ونشرها.

وأخيراً فمواجهة الشائعات المتدحرجة قبل استفحالها والوقوع في مستنقع النتائج وحصاد الألسنأ لا بد من تضافر كافة الجهود الرسمية والشعبية لرد خطرها عنا وبناء الثقة بين الناس في المجتمع، وبين المواطن والحكومة ما دامت الشفافية قائمة والانتماء للوطن وقضايانا العادلة متين.

 

بقلم بكر السباتين

11 يناير 2022

................

* محاضرة للباحث بكر السباتين في نادي صاحبات الكتاب - عمان- الأردن

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم