صحيفة المثقف

قاسم حسين صالح: خفض امتيازات ورواتب اعضاء مجلس النواب العراقي

قاسم حسين صالحمهمة الصدريين والتشرينيين

يعني البرلمان، هيئة تشريعيه تمثل السلطة الأعلى في الدولة، المخول بموجب دستورها باصدار تشريعات وقوانين تعبر عن ارادة الشعب واولياته، وتمثيل الشعب امام حكومة نيابية يراقب أداءها بتأيدها ان اصابت ومحاسبتها ان اخطات. وهو السلطة الأقرب للمواطن واهتماماته، لأن افراده يأتون عن طريق الاقتراع العام باساليب ديمقراطية تضمن سرّيتها ونزاهتها، ويشترط فيهم حسن السيرة والسمعة.

ويحدد النص الدستوري العراقي ان يكون لكل مئة الف مواطن نائب واحد ليكون البرلمان ممثلا للشعب، فيما يشير واقع حال البرلمان العراقي انه لم يحقق هذا النص. ففي انتخابات 2010 حصل 15 نائبا فقط على القاسم الانتخابي والعتبة الانتخابية، ما يعني ان (310) نائبا لم ينتخبهم الشعب بل فازوا بما تصدقت عليهم اصوات كياناتهم، بينهم من حصل على (78) صوتا!. وبموجب هذه الحقائق الواقعية والدستورية التي كشفت عن ان ثقة الناخبين العراقيين استقطبت فقط (15) شخصية من بين اكثر من ستة آلاف مرشحا، وباعتراف مفوضية الانتخابات فان البرلمان العراقي الذي جاء في 2018 بـ(329) عضوا كانت نسبة المشاركة فيه هي الأدنى، ما يعني انه لا يمثل الشعب من الناحية الشرعية. وفي انتخابات 10 تشرين اول/ اكتوبر 2021 تراوحت نسبة المشاركة بين 41 الى 43% وفقا للمفوضية العليا للانتخابات فيما تقدرها القوى التقدمية والوطنية المقاطعة باقل من ذلك بكثير.. ما يعني في كل الاحوال انها ايضا لا تمثل الشعب من الناحية التشريعية.

ومع ذلك فان الرواتب التي يتقضاها اعضاء البرلمان العراقي تفوق رواتب اقرانهم في كثير من بلدان العلم بما فيها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ودول اوربية. فوفقا لجريدة الصباح الرسمية فان مجموع راتب عضو البرلمان هو 32 مليون دينارا بين راتب اسمي ومخصصات الحماية والسكن وغيرها، فضلا عن سلفة تبلغ 90 مليون دينارا لا ترد.

وباعتبار عضو مجلس النواب بدرجة وزير فانه يتقاضى ايضا 600 دولارا في اليوم في حالة السفر، وانها وفقا لخبراء اقتصاديين كلفت الدولة اكثر من ملياري دولارا.

اننا لسنا ضد منح عضو البرلمان امتيازات معقوله تشكل حافزا له لخدمة شعبه ووطنه، ولكننا ضدها حين تكون غير مبررة. فلقد منح قانون مجلس النواب (13 لسنة 2018) حقوقا خارج المنطق القانوني بأن جعل خدمة عضو مجلس النواب خمس عشرة سنة ليمنحه تقاعدا يخالف الدستور بشكل سافر، بنصّه في المادة (14) منه بأن العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز، حيث أن قانون التقاعد الموحد يحدد الحد الأدنى للخدمة بـ (15 سنة)، ولا تضاف خدمة لمن كانت خدمته تقل عن هذه المدة، فيما منح النائب حق التقاعد حتى لو كانت خدمته تقل عن اربع سنوات!

ويتفق قانونيون وبرلمانيون ان ما يتقاضاه عضو مجلس النواب هو مكافأة وليس راتبا، ومن الناحية القانونية فانه لا يستحق تقاعدا، وهي حالة ما حصلت في البرلمانات العالمية ويصفها برلمانيون بانها غير معقولة وخيالية.

وللتاريخ فاننا كنا وقعنا مذكرة حملت تواقيع (2875) شخصية وطنية من داخل العراق وخارجه قدمت الى الرئاسات الثلاث طالبوا بذلك واوضحوا ان الغاء امتيازات اعضاء مجلس النواب سيحقق نتائج ايجابية في جميع مناحي الحياة:

- فعلى الصعيد السياسي، سيسهم الغاؤها في مجيء مرشحين يهدفون الى خدمة الشعب ويحد من مجيء اشخاص طامعين بالثروة والمنصب.

- واقتصاديا، سيحقق الغاؤها اكتفاءا ماديا بتوفيره مليارات الدولارات لتستثمر في الخدمات العامة وبناء الوطن.

- واخلاقيا، سيسهم الغاؤها في اعادة المنظومة القيمية للناس واحياء الضمير الأخلاقي الذي ضعف او تهرأ عند كثيرين.

- واجتماعيا، سيعمل الغاؤها على احياء الطبقة المتوسطة، ويقضي على الغبن الفاحش الذي الحقته بالناس طبقة سياسية استفردت بالثروة.

- وثقافيا، ستسهم في اشاعة الثقافة التي تقول الحقيقة، وتشيع حرية الصحافة التي احتل فيها العراق مرتبة متأخرة عالميا.

- واجرائيا، سيترتب على عضو البرلمان ألكشف عن أرصدته المالية وامواله الثابتة والمنقولة داخل العراق وخارجه، وشهاداته العلمية مصدقة من وزارتي التربية والتعليم العالي في العراق حصرا.

- ومعنويا، سيعيد الغاؤها (رد الأعتبار) للعراق الذي اعتبر واحدا من افسد ثلاث دول في العالم.

وختمناها بالقول:

ان صوت الشعب يقول لكم (كفاكم ثراءا وكفانا فقرا) فهناك اكثر من (13) مليون عراقي دون خط الفقر باعتراف وزارة التخطيط في سابقة ما حدثت في تاريخ بلد يعد واحدا من أغنى عشرة بلدان في العالم. واننا بوصفنا أصحاب رأي من مفكرين وأكاديميين ومثقفين وفنانيين.. نكون بطلبنا هذا قد ادينا واجبنا نحو شعبنا الذي ندعوه الى الضغط على اصحاب الِشأن لأتخاذ القرار بخفض امتيازات اعضاء مجلس النواب العراقي.. ولم يحصل اي اجراء.. وتلك هي مهمة النواب الصدريين والتشرينيين، ان يكون اول اجراء لهم هو عرضها على البرلمان الحالي.. وسينجحون بتحقيق هدفين:فضح من يعارض ذلك امام الشعب، ودعم نواب الكتل التي تحالفوا معها في اغلبية مريحة.. فصدق الشعارات وبناء الدولة لا يبنى بارتداء الأكفان وركوب التك تك.. بل باستعادة وطن يمتلك كل المقومات لان يعيش اهله برفاهية.. فابدؤها بخفض امتيازات ورواتب اعضاء البرلمان ليتحقق اول اجراء يمهد لقيام دولة مؤسسات مدنية يستحقها العراقيون.

*

أ. د. قاسم حسين صالح

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم