صحيفة المثقف

توماس لوف بيكوك: تدمر

محمد عبد الكريم يوسف(الطبعة الأولى)

بقلم: توماس لوف بيكوك

نقل معانيها إلى العربية محمد عبد الكريم يوسف


 مدخل: زنوبيا هي ملكة مملكة تدمر خلال الفترة (267-273م)، تُعرف في المصادر الرومانية باسم يوليا أوريليا زنوبيا (Julia Aurelia Zenobia) وأيضاً سبتيما زنوبيا، وفي المصادر العربية باسم زينب والزباء، وأمّا أصل اسمها فهو آرامي وهو بات زباي أي (بنت زباي)، وتزوجت زنوبيا من الأمير العربي أذينة بن حيران.

استغل الزوجان حالة الحرب الدائرة بين الامبراطورية الرومانيّة والفارسيّة، فاستقل أذينة بمملكة تدمر، لكنّه ما لبث أن قُتل غيلةً، فآل الحكم لزنوبيا من بعده، فوسّعت المملكة لتشمل مصر وأجزاء من الأناضول بالإضافة لولاية سوريا الرومانيّة كاملة.

استشعر الامبراطور الروماني أوريليان الخطر القادم من الشرق، فسيّر جيشه نحو الأناضول، وهزم الجيش التدمري هناك، ثُمّ ما لبث أن حاصر تدمر نفسَها ودخلها عنوةً فقضى على المملكة التدمرية وأسر زنوبيا وأخذها إلى روما مُكبّلة بأغلال ذهبيّة، حيث عاشت فيها بضع سنوات قبل أن تموت في ظروف غامضة.

لم تلبث تدمر أن ثارت مُجدداً بعد فترة قصيرة، وخرجت عن الطاعة الرومانيّة في نفس العام، فسيّر أوريليان جيشه ودمّر المدينة تدميراً شديداً، ففقدت أهميتها وتحولت بعد ذلك إلى مركز إداري صغير ملحق بولاية سوريّة الرومانيّة ولم تقم قائمة لها بعد ذلك، ولاعلاقة لذلك باسم المدينة الحالي المأخوذ من الأصل الآرامي (ܬܕܡܪܬܐ، تدمرتو) ومعناه المعجزة.

I

كما تحتدم السيول الجبلية ،

بصوت عالٍ ، ومندفع ، وسريع ، وقوي،

هكذا تتدفق جداول الأعمار السريعة

وتتدحرج مع المد المستمر طويلا.

ويوم الإنسان القصير سرعان ما تتلبد فوقه الغيوم

ويمر يومه الطويل سريعا

يهزم الموت الجميع ويطويهم في تاريخ محتوم

يأتي مثل انفجار صحراوي حارق،

ويكنسه من الحياة الدنيا

وتقاوم أنبلُ أعمال القوة البشرية

عبثا ساعة القدر،

القاعةُ الرخامية ، والبرجُ المشيد من الصخور

كلها تستسلمُ للقدر

وتعصف بها رياح النسيان المخيفة

وتسقط الأعمدة الضخمة في الجوار

وتهوي الحمالات القماشية على الأرض

ويحجبها ظلام النسيان عن الذاكرة

 

II

عالم من الرمال القاحلة في وسط سورية ،

حيث تتمدد بقايا تدمر الرخامية

حيث الخراب وسط السهل المنبسط المنفجر،

لقد أصلح عرشه القوي

أضع علامة فارقة في صمت وحدي

على عهد حزين.

 

هذا الحطام الصامت أكثر بلاغة من الكلام

وينقل لنا العديد من الحكايات المريعة

حقائق أسمى مما يمكن أن يعلمه شاعر أو حكيم،

إن أبهة هذا الخراب تعتصر القلب

من أين جاء ذلك الصوت الغامض الخافت

الذي نطق بوشوشات جوفاء؟

 

كما تجتاح العاصفة الأمكنة

على طول الوادي

وحيث تنتشر العديد من القبور الظاهرة ،

أسمع بذهول في أذني

أصوات الموتى المشهورين اللامعين

وهم يمرون ببطء ويتنهدون قائلين:

يولد الإنسان وأعماله ليموت فقط.

 

III

 

كما تتبعثرين في الفضاء الكئيب ،

يا أرواح الحكماء والعادلة!

أقتفي أثرها في الفكر المبجل،

وقصور ترابك المبجل

وخيالك الحماسي المتييم بالضوء

يسكب في الهواء أشعته الكثيرة البراقة

ويعافى من ليل النسيان العميق،

انجازات الأيام الخوالي.

 

الجبابرة من الرؤساء القدامى

الذين يعتزون بالفضيلة، ويسمون بالبطولة

أراهم الأن في تألق ضعيف

وأستكشفهم بخفوت عبر ضباب الزمن

وعبر البخار المتصاعد من جدول الجبل

مع انعكاس شاحب يضيء شعاع الشمس المتراجع.

IV

ما تزال مثل عباءة الشفق العتيقة

تنتشر متقدمة في السماء

انظر ،مجدهم مرئي،

يجلسون على عرش قاتم في الأعالي

 

لكن لمن الأشكال ، ٱه أيتها الشهرة ، التي يعلنها ،

هذا الحشد المهيب على الهواء؟

إلهة مشرقة! تعال ، على جناح السرعة ،

لتخبرينا عن أعمال الملوك العظيمة.

أين أنت أيتها الشهرة؟

 

كل اسم مشرف

يُعلن من سجلك الأبدي:

أن أيقظ القيثارة

في أغاني النار

للرؤساء المشهورين في الأيام الخوالي.

 

أعلن عبثا!

سلسلة الترحيبات

والمدائح التي لا تطرب أحدا

وأفعالهم المشرقة

التي يجب أن تنام الليل

حتى يوقف الزمن دورته الغربىة.

وأمجادهم الباهرة في ذلك الزمان

وجدول السنين الذي مسح كل شيء،

وأسماءهم التي كانت تلقي الرعب في قلوب الأعداء

لم تعد ترن في الٱذان الذاوية.

V

وحتى عين المؤمن الفرحة

لا تزال تستطيع التعرف على شكله الذي يشبه الإله

والذي مزق أمجاده الملطخة بالدماء على شاطىء الفرات، من جبين سابور

 

وأرسل راية الرومان غير ملفوفة ،

وعندما يكون العبقري الصنديد للموجات المذهلة

انظر نحو العبيد في بلاد فارس

يقذف الخراب المضطرب

والعلم الوديع والذوق الرفيع

ويرتدي القبر مسحة بعيدة عن الموت

لمن له فضيلة تشغيل العقل،

و كل سحر مبارك للغاية

لمن يتابع الدندنة الغامضة للقيثارة

بعين ناقدة وحماس شاعر.

VI

أين شاعر البارد في هذه الأيام المنحلة

لمن تمنع ٱلهة الإلهام الجوائز؟

لمن ترفع الأغنية جياشة العواطف

وتضرب أوتار القيثارة الذهبية المتجاوبة؟

 

له وحده تقدم الأغاني

له كل المديح في هيئته الخالدة

تلك التي تنبجس عبر حجاب السنين

في جلال لا يتغير

مشرق مثل أشعة الشمس التي تبرز

وسط العاصفة المتناثرة.

 

ما هذا السحر الذي لا يحصى المرافق لنشوئها

ما هذه الروعة المبهرة التي تتألق في عينيها

وعلى جبينها المشع بالضياء

تخلط جمال منيرفا مع سمو جانو

وفضائل لا مثيل لها لعقلها الإلهي

تبرز مطبوعة على وجهها الملائكي.

VII

تحية الظل المقدس للطبيعة العزيزة

رغم أن الحزن أغلق سيرتك الباهرة

رغم أن الغيوم حجبت أيامك الجميلة

فإن شهرتك ومجد لن يذويان أبد الدهر

 

يعمل العقل نظرته التي لا تذوي طويلا

ليتابع تألق قوتك المبهرة

وسط الصحاري العربية البرية الشاسعة

وأرض الكنانة حيث أعمل العقل عينه اليقظة.

وابتسمت في البداية عند ولادة العلم والفن،

وأبعدت ظلال الظلام العقلي،

وملأت سهول سورية المتعددة الشعوب

بالعدالةوالجيوش الفاتحة

وقبلت الأمم المتواضعة سلاسلك الحريرية

أو هربت فزعة من سيف زبداس

رغم عبثية الأمل في التشارك بالرداء الأرجواني

وتنتزعين من الجيش الروماني امبراطورية الكون.

VIII

قاد الملك الروماني جحافله المخضرمة

على طول السهل البري الشاسع اليباب

ودحرج عجلاته المشتعلة فوق أكوام المذبوحين

وسمع صوت الطوفان من بعيد

وصرخة الحرب المدمرة

واندفع بعواء كئيب إلى مأدبة الموتى

IX

وللتخفيف على جدران تدمر

فر رعاياها الخائفون المرتبكون

واستعرت النيران وسط قاعاتها

الملكية الواسعة.

ومنذ ذلك الحين تدفقت الجحافل المعادية

لم يشفع لها الشباب الجميل ولا العمر المسالم

ولا سحر الأنثى، ولم يؤثر في الصدور المتوحشة

أو يخفف من غلواء غضب الرومان البربري

أو حدة سيوفهم المجرمة.

زأرت أصوات المذابح بشراسة وقوة ولمدة طويلة

ثم خيم الليل بظلاله، لقد انهىت ٱلة الموت عملها،

وغربت شمس تدمر ، ولم تشرق مرة أخرى.

X

ما هذا الشكل الغامض الفظ والمريع

بخده الذابل ورأسه الأشيب

السريع مثلما تشق نار الموت السماء

يكنس كل شيء بجناحيه وهو يمر؟

 

إنه الزمن: لقد عرفته، إنه عدو الملوك

بمنجله ورمله وجناحي نسر

يلقي نظرة مشتعلة على الجوار

ويلوح بيده العظيمة وهو عابس،

بعيدا عن طيف النيران الممتدة

في حين تتراجع النيران الضعيفة

وتتلاشى أشباحها المولودة في الهواء

مثل النجوم قبل شروق الشمس.

XI

نعم ! لقد انتهى كل شيء

وأنا أقف وحيدا

في ساعة هدوء وتأمل مسائية

وسط القباب المدمرة

والقبور الناشئة

وحطام الغرور والسلطة.

 

لون واحد غامض يغلف السهل ؛

لا يوجد شكل قريب ، لا أصوات تتطفل ،

لتكسر سيطرة الكآبة

والصمت والعزلة.

 

كم مرة تكرر هذا المشهد منذ بداية الزمان

حيث العين منكوبة والتأمل يخيم

وبعيدا عن الجنون والرزيلة والإنسان،

يعقد شراكة مقدسة مع إلهها

 

كم مرة تكرر هذا المشهد ليحزن الحكيم المتأمل

ويحزن على يد القدر وعدالته القاسية

ومسار الحرب العبثي ، وغضب الموت الذي لا يلين

والنسيان القاتم ، المعفر بالتراب

والذي وضع علامة على هذه القبور، وأعلن خلع الملك من عرشه،

وبكى سقوطه ، وغرق لينضم إليهم هناك ،

XII

في يوم عظيم تحولت العظمة إلى خراب

كم مرة ، من سنوات ، نشأت الترنيمة المتورمة

ورددت ترانيم ااشكر العظيم لرب النهار

أو أقيمت الصلاة للإنتقام من الأعداء المنتصرين.

 

لقد كان هناك قبل أن تأتي يد أورليان

القذرةالتي أضرمت النار بالٱثار المشتعلة

في حين تتحرك الجوقة المقدسة

حول نار المذبح المشتعلة

 

وأمر الكاهن بعينه الجامحة الوقحة المتوهجة

الضحية المقيدة أن تموت

وهي يطعم النار البخور المقدس

مع الكثير من الأسرار المقدسة

وأتى الوحي النبوي

ليعلمه بالمصير الوشيك

ثم نحنح جسده الجليل

ليعلن البشرى العظيمة!

في ملاحظات الألم والعميقة والبطيئة

قال لساعة الويل القادمة.

الشباب والخادمات شاحبون من الخوف

سمعوا الحكاية في عذاب لاهث ،

وخيم الصمت

على كل لسان

بينما رن الصوت المتنبئ:

XIII

من أين أتت صرخة الخوف الجوفاء

وأي نغمة خوف سكبتها في أذني المتقلصة؟

من أين أتت تلك الصرخة المعدلة ،

يبدو أنها تتضخم ، وأسرع من قبل؟

ما هذا الحريق المفاجئ الذي أضاء الليل؟

ها! إنه ضوء النيزك المدمر!

من أين أتت نفس الزوبعة الدوامة؟

ها! إنها انفجار الموت الغاضب.

XIV

انظر! إنه إله المعارك الجبار

ينشر قطاره القرمزي في الخارج

وأصوات الخلاف لا تعد ولا تحصى

في السهول التي هزها الرعب والخوف

ترتفع الرايات ،وتتوهج الخوذات

وتصفر السهام في الهواء

ويتردد صداها في السماء المظلمة

وترتفع همهمات اختلاط الجنود الجامحة

 

ويتقارع الفولاذ البراق

ويرن الترس المجوف

ويجلجل الصنج الفضي

وتسمع أخر أنين عميق من الألم

وهدير الأقدام المتسارعة

للتراجع العشوائي

والأصوات المتطاولة للصراخ بالنصر

XV

فوق سهولنا غريب منتقم

يسكب ٱماله العدوانية بنشوة

من سيتحقق من الخطر القادم ؟

ومن يهرب من القدر القادم؟

 

وأنت! أيها القادم من السماء البعيدة

عندما تتراجع ظلال الليل

تحرك عربتك اللامعة بفخر

وتلتف بنار شبه أبدية

 

انت! بنورك الحميد

تحث شياطين الظلام الغريبة والهاوية

على الطيران إلى كهوف جهنم المركزية

والشمس المعجبة تشهد دعاءنا

أيجب أن يسقط شعبك المفضل؟

أيجب أن نغادر سهولنا الباسمة؟

وأن نئن تحت وطأة سلاسل الغرباء؟

انهضي أيتها القوة السماوية الجبارة

وارم أعداءك بحجارة من سجيل

وبسهام الموت القاتلة

حتى تتشتت جيوشهم وتموت

من خلال انتشار حجافلهم المعاكسة

والأمراض القاتلة والخوف الشديد

ووهج الحمى والاضطراب والقلق الموحش

والرعب والجنون واليأس.

XVI

الويل ثم الويل لهذه الأعداد الشرسة الوقحة،

الويل ثم الويل لهذه الجموع المتدفقة بجنون

كأصوات العواصف التي تهب فوق المحيط

الويل ثم الويل للأمم المتكبرة القوية

باجتياحها الصاخب العنيف

وتدحرجها المتدفق كزبد الامواج العالية

وصدى موجها الذي يتردد طويلا

مثل ضوضاء البحار العظيمة،

مثل النسيم يهمس بصوت عال

انهض يا إله النور واجمع اندفاع الأمم وغطرستها

ومد يدك السريعة كالسهام

وانسف صلفها وغرورها

وأوصل مراتبهم للقدر المحتوم

وأطلق نيران اليأس في طريقهم

وقدهم إلى دمار أزلي لا ينتهي

واقلب عاليهم سافلهم

واخسف جبالهم خسفا

XVII

للأسف! عبثا ننادي عبثا

والغريب ينتصر بسقوطنا

ويأتي القدر عابثا لا يرحم

ليدمر تدمر الرائعة

ويشجع على ذلك النفس الثابت للزمن

وزوابع الصحراء تكتسح العظمة

وتغطي الرمال المتحركة في الجبال

الأعمدة المرتفعة

المحمولة على أجنحة العاصفة

وتبحر في سحابة واحدة

وسط السماء المظلمة

إنها تسقط...تسقط على أسوار تدمر

حيث الدمار الثقيل الغامر

وقذف رعد الانتقام

ليشطب مجدها من خريطة العالم

واسمها لم يعد معلوما في الحكاية التي تقول:

يقف المسافر على أطلالها

ويفتش بين رمال الصحراء

عن تاريخها المجيد!

اندرست قصورها ، وبادت مدنها

وغلفها النسيان بظلاله

XVIII

كم مرة علقت اللوحات الاحتفالية

على هذه الجدران التي مزقها الزمن

كأغان تتنفس نشوة.

أواه على فكر قليل و مجد ثري

عندما كانت السعادة الوردية تضحك بأعلى صوتها

هنا وسط أرضهم العريقة

ويلاحظ المتجول في الايام السحيقة

الغيم الحزين يحدق

في هذه الفلاة الرملية الواسعة.

وهنا لا يلتقي صوت بإذن

خلا صوت عواصف الصحراء التي تكنس كل شيء

بهمساتها الهادئة العميقة

وتحتك بالقبور الدارسة هناك في التل

والذين كانوا يوما هنا

ينشرون الحب والسعادة.

XIX

قصيرة هي الحياة المخصصة للإنسان

في هذا الوادي الدنيوي الذي نسير فيه

يتجول الإنسان وكله خطيئة وضلال وضعف وعمى

ويعيش حياة العواطف المتناقضة

متجاهلا حقيقة أن الحب بلسم للجروح.

وهو أعز نعمة يمكن أن يعرفها الإنسان

والغيرة ،بأنفاسها المسومة،

تقتل براعم العواطف الغضة،

واليأس العنيد الذي يسخر من الموت

والانتقام الأسود الذي يستحم بالدم

والخوف الذي يكفن نفسه بالظلام.

ويرتجف في الهواء الخافت

والأمل الذي يرتسم على الغيوم

برؤى سماوية مزيفة لكنها جميلة

كل حكم بالتناوب

اليوم هو يحترق

بألم شديد وضيق شديد

وسماء الغد

تعد بزوال الحزن والألم

وبأحلام سعيدة موعودة.

XX

منذ خيط الشفق الأول

الذي شهد هذا اليوم ولاد الخلق

وحتى حريق الأمس المتناقص

والذي لايزال متدحرجا محتارا بالمصيبة

مربكا عجلات الحياة الكثيرة.

وسيظل يتدحرج حتى انتهاء صلاحية آخر الزمان

في كل عصر وفي كل حين،

وستختفي السنوات المتوالية

والأعمال المتنوعة التي تميز العصر الحاضر

لن تبقى إلا ظلال الأيام الخالية.

XXI

على طول الشاطىء المهجور

حيث يتدفق نهر الفرات واسعا وغزيرا

لا يمكن لعين المسافر القلقة أن تتبع أكثر

البقعة التي كانت يوما ملكة المدن

حيث نصب بيرسيبولس العجوز برجا رائعا

عاليا من خشب الأرز

لم يبق منه شيء إلا الأطلال المدمرة بقسوة

لا يمكن للقوة والأبهة أن تقف في وجه القدر

والتلوث يطأ بقدميه المراوح العملاقة

يا مدينة الشمس!

وتتهاوى قباب الفرح والثراء المصنوعة في مدينة صور

كما تهاوت بوابات طيبة المئة وأبراج طروادة

بعار وحزن مقدر مسبقا له أن يكون،

وسالم الفخور قابل قدرك المحتوم

وغاصت فنون وأسلحة اليونان

مع أمجاد روما الإمبراطورية العتيدة في الظلام

XXII

عندما رفعت يد الطغاة الحديدية

أكوام جبل ممفيس

بقيت عواصف الغضب تتحدى الزمن

وحدق بخيلاء واعجاب ذاتي

وأمر حشود العمال الهائلة أن تتوقف

حتى تموت الطبيعة.

وجاءت رياح الموت مثل الأحمق المغرور

و مسحت اسمك الذي لا يقدر بثمن

والعصور بتدفق خبيث

ووضعت الأنسجة المشتراة بالدم في الدرك الأسفل

ثم يتوقف الغريب ، ليقال له:

هنا إنتصبت يوما الأهرامات العظيمة القديمة

و ابتسم ،يخالجه الشك،بالحكاية التي سمعها

والتي تروي عجائب السنين الغابرة.

XXIII

رغم أن الليل يغتصب السماء

سرعان ما يشرق نور الصباح

ويعيد النور والحياة

لتطلي الشمس بنورها السهول

ويعود الشباب مرة أخرى

لكن الإنسان لن يعود أبدا

 

على الرغم من عبوس الشتاء الشديد

الذي يشوه السنة الضائعة

يبتسم الربيع مرة أخرى بأزهاره المتجددة

ولكن ياله من ربيع حلو بنفس لطيف

فهل يلاحق الموت الجليدي نومه

في شتاء القبر المظلم والقاسي؟

 

أصخ السمع للصوت المثير

الٱتي من قصور الموتى

والذي بنتشر بعمق شديد!

لقد اختلطت الأصوات بشكل رائع من أصوات العواصف الدائرة مليئة بالهواء الصحراوي

XXIV

وأنت يا من لا تفكر! أتعرف كلفة ما تبكيه

تلك الغيوم لتغمر يومك الصغير؟

تكتسح يد الموت العنيدة

كل أمل دنيوي بسرعة وتكنسه بعيدا.

 

تتدفق الساعات السريعة في الظلام،

ولكن هذه الساعات السريعة تستخدم جيدا

وتقود الإنسان من عوالم الويل والخوف

إلى عوالم الفرح الأبدي.

 

ورغم أن أبيك وإلهك

يلوح فوق بعصاه الطاهرة

الرحيمة القاسية

ورغم أن بركة المستقبل تصلح

بكل عناية وبقوة عشرة أضعاف

ما يشير إلى تقدمك هنا.

XXV

انحني له لأنه رجل صالح

ويحب ما صنعت يديه

في التراب والهواء والنار والماء

سخاء والده يشع في كل مكان

انحني له لأنه رجل عادل

رغم أن البشر الفانين يتفحصون مسالكه في الحياة عبثا،

لا تتململ يا بني من التراب

لأنه برحمته يرسل لك الألم

انحني له لأنه رجل عظيم

وكان قبل الطبيعة والزمن والقدر

لقد بدأوا رحلتهم الغامضة

وسيبقى عند اشتعال اللهب

ويغمر الاطار العالمي

في الليل الأبدي البهيم.

انحني له إذن ، إنه سيد الجميع

وهو من يقرر سقوط ونشوء الإمبراطوريات

والأرض والسماء وأحجار الطبيعة

له فقط ، لا نظير له ، وحده لا شريك له

عرشه واسع في الفضاء الفسيح

خالد لا يتغير أبد الدهر

في حين تبيد العوالم والشموس والأقمار

***

....................................

العنوان الاصلي:

Palmyra -first edition-Thomas Love Peacock

Trans 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم