صحيفة المثقف

صادق السامرائي: إبن مسرة وإبن رشد!!

صادق السامرائيإبن مسرة هو أبو عبدالله محمد بن مسرّة الجبلي، (883 - 931) ميلادية، مفكر ومتصوف  أندلسي، وأول فلاسفة الأندلس ومفكر أصيل فيها.

وكان لمنطلقاته دورها في مسيرة الفكر والفلسفة في بلاد الأندلس فيما بعد، وكأنه كان القادح الذي أذكى جذوة الإدراك المعرفي العميق.

وفي سنة (953) ميلادية، أي بعد (22) سنة من وفاته، أحرق الخليفة (عبد الرحمن الناصر لدين الله)  كتبه ولاحق أتباعه ، لأسباب طائفية وسياسية.

 إبن رشد العربي القرطبي (1126-1198) ميلادية، ثائر عقلي وفيلسوف لبيب، عمل جاهدا لإحياء العلوم العقلية، ورفع رايات يعقلون ويتفكرون ويتدبرون، فحاول التوفيق ما بين الشريعة والحكمة، وتحرير العقل من أصفاد التبعية، والإذعانية والخنوع والجمود، ودافع عن العقل ووقف ضد الساعين لتدميره وإلغاء دوره، وذاد عن الفلاسفة فرد على كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي  (1058 - 1111) ميلادية،  بكتاب تهافت التهافت، وتواصل بنشاطاته الفكرية لإستنهاض العقل العربي من غفوته وغفلته، وإطلاق جوهر ما فيه من المكنونات الحضارية.

ويُعدّ إبن مسرة من رواد الفلسفة والعلوم العقلية في بلاد الأندلس، وكان يحاول التوفيق بين الشريعة والفلسفة، وله منهجه في التأويل الذي كان يحسبه بحاجة لذوي عقول فاعلة، ترى باطن النص، وأتاح للعامة النظر في ظاهر النص وحسب، لكي لا يُساء فهم التأويل.

وكان معتزليا ومعتزلا في صومعته في جبل قرطبة، وعندما تم تكفيره غادر إلى مكة، وبعد مدة عاد إلى تلك الصومعة حتى وفاته، وبقي أتباعه يتداولون أفكاره وكتبه، التي أحْرِقَ معظمها بعد وفاته بما يقرب من ربع قرن.

ويبدو أن إبن رشد الذي ولد عقب وفاته بنحو (195) سنة،  قد تأثر بمنطلقاته، وعبَّر عنها في طروحاته وكتبه، فموضوع التأويل وإعمال العقل في النص القرآني والتوفيق بين الفلسفة والدين لم تكن من إبداعات إبن رشد لوحده، وإنما من أفكار إبن مسرة، وأبن رشد أحياها وجاهد في سبيلها، ولاقى ذات الإتهام وأحْرِقَت كتبه أيضا.

فلربما يمكن القول أن إبن رشد خريج مدرسة إبن مسرة، والحامل لراية أفكاره وتصوراته ومحاولاته في التقريب بين الفلسفة الدين، وهذا قد يكشف عن منبع التوجهات الرشدية، التي تنسب إليه مقطوعة عن جذورها الأصلية.

وهكذا تتفاعل العقول وتتلاقح لتصنع مسارا منيرا ينفع الأجيال ويزودها بمناعة ضد الظلام والضلال.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم