صحيفة المثقف

مصطفى علي: تراتيل في حضرة (ديوان العرب)

مصطفى عليياجُلّنارَ الحرفِ في لُغَةِ الصحارى والقوافلِ والسماءْ

وشذى القوافي في خيامِ القَحْطِ

رَيحاناً يُزكّي قَلْبَ محرومٍ أصيلْ

 

وصدى خيولِ الروحِ

راقصةً على

طَرَبِ الأوائلِ بالجزالةِ كوْثراً

بجنائنِ النعمانِ والخَدِّ الأسيلْ

 

وعلى مصارعِ من قَضَوْا

بِنِبالِ أقواسِ الأهلّةِ

حارساتِ الهُدْبِ والطَرْفِ الكَحيلْ

 

سَكِروا معاً فَطِلا الفصاحةِ طازجٌ

ومزاجُها المعسولُ

بالفصحى يسيلْ

 

ياكِسْتناءَ القلْبِ

يا شَغَفَ الفوارِسِ بالكواعبِ

والشِفاهِ اللامعاتِ نَيازِكاً

بَرَقتْ على نَصْلِ اليمانِيِّ الصَقيلْ

 

ياتوقَ شاعرِها المُنَخِّلِ حالِماً

بِجِنانِ سيّدةِ الخَوَرنقِ

إذ تَجَرّدَ خَصْرُها

فَرَمى المُتيّمَ بالرُديْنيِّ النَحيلْ

 

ياكركراتِ الريحِ للكُثْبانِ سوْسَنةً

تُغنّي خوفَ واديها مواقيتَ

السوافي او غضا الرملِ البخيلْ

 

ياوهمَ قافلةِ الحُداةِ يسوقُها

هَوَسٌ بتأويلِ السَرابِ

سُلافَةً جذلى كطعمِ الزنجبيلْ

 

فَحَنينهم أبَداً الى صَوَرِ الينابيعِ

القصيَّةِ

عِنْدَ أوّلِ جَنّةٍ او واحةٍ

سكرى بأصْداءِ القصائدِ والهديلْ

 

وَكَما العطاشى الحالمونَ بِرشْفةٍ

من ماءِ موسيقى الكلامِ وخمرها

وبِرنّةِ الغريّدِ في وادٍ ظليلْ

 

ياشِعْرُ

يا حُلُمَ الدوالي في دمي

والمَنِّ والسلوى وأعذاقِ النخيلْ

 

كُنْ طَيِّباً

وأَرِحْ غُواتَكَ من ضجيجِ

الشاشةِ السوداءِ

والْهَذَيانِ في ضَخَبِ

العواجلِ والعويلْ

 

ياقوتَةَ الأسلافِ

يا عِشْقَ البوادي لِلْحَيا

وظِلالِ قافيةِ النوى

وَرَويِّها الريّانِ والريحِ البليلْ

 

يشدو بها

كَرَوانُ واحاتِ القرائحِ

والصعاليكُ القدامى

سادةُ الأشعارِ والمجدِ الأثيلْ

 

ياشِعْرُ

ياترياقَ روحِ المُبْتلى

بسماعِ أنّاتِ الثكالى دُلّني

وأَنِرْ طريقي كُلّما

تاهتْ براهينُ النُهى

وَذَوى بها ضوءُ الدليلْ

 

يامُفْرِداً في الماوراءَ جَناحَهُ

كَفَراشةٍ وَخَطَ الغرامُ فؤادَها

توقاً لخيطِ النارِ في شمسِ الأصيلْ

 

أشْعِلْ فَوانيسَ القبيلةِ كي نرى

في الليلةِ الليلاءِ سيماءَ الدَخيلْ

 

ياشِعْرُ قد

ضيّعتُ آلاءَ المودّةِ في دمي

هلْ ثَمَّ عَوْدٌ للبراءةِ والندى

والى ينابيعِ الطفولةِ والصِبا

هل من سبيلْ ؟

 

فَلَرُبّما

تتعمّدُ الأرواحُ فجراً

في مياه الجنّةِ الأولى

وتصفو الفِطْرَةُ الأولى

كَدَمْعِ السَلْسَبيلْ

 

خُذْني إذنْ

بخيالِكَ المحْمومِ طيراً سادِراً

يجتازُ دائرةَ النواهي والنُهى

حتى تُخومِ المُسْتحيلْ

 

فَوَساوسي

ترنو لِعُشٍّ دافئٍ في سِدْرَةٍ

أغصانُها بخيالهِ قد أشرقتْ

فَتَلألَأَ الفرْدوسُ والعرْشُ الجليلْ

 

وأَدِرْ رحيقَ الحُزْنِ زيتاً رائقاً

في قلبِ مشكاةِ البصيرةِ

إن ذَوَتْ

فيها الحَشاشةُ والفتيلْ

 

يابَصْمةً في الروحِ

ياأَثَرَ التَغرُّبِ والتنائي

في مَواويلِ الرحيلْ

 

الخيلُ فيكَ مَعَ الخيالِ

تنادَمتْ وتسابقتْ

أمّا الرياحُ فصفّقتْ مخمورةً

نَخْبَ القوافي العادياتِ

مَعَ الصهيلْ

 

ياخيْبةَ المسعى إذا

تاهتْ سفائنُ مُهْجتي

ليلاً ولم تعثرْ على المرسى البديلْ

 

ياصاحبي

أبهى الخيولِ عن الديارِ تَهَجّرتْ

أو هاجرتْ مكلومةً

بِسياطٍ طاغيةٍ هزيلْ

 

عُذْراً ملاذَ الحالمينَ بِسُؤدَدٍ

وَسَفينةٍ ترسو على جُزُرِ المنافي

في ضفافِ الأرخبيلْ

 

فالناسُ غرقى في بطونِ التيهِ

معلولاً يواسيهِ عليلْ

 

ياشِعْرُ

قد ذَبُلتْ قناديلُ الضمائرِ بغتةً

إذ لم تَعُدْ تَدْري الفوارقَ

بينَ قاتِلِ شعبِهِ في الليلِ

والشعبِ القتيلْ

 

والشاعرُ العربيُّ ويْحكَ لم يَزَلْ

في بُرْجهِ العاجيِّ

مُرْتَبِكَ الخُطى

وبِألفِ مِكْيالٍ إذا

ما قالَ أشعارًا يَكيلْ

 

قلبي سرى خلفَ القوافلِ باكِياً

فَدَليلُهُ نجمٌ تَدَثّرَ وإنْزوى

بِسوادِ هذا الليلِ والهمِّ الثَقيلْ

***

مصطفى علي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم