صحيفة المثقف

كاظم لفته: الجمال والعفة

كاظم لفتة جبرتكثر الأحاديث عن الجمال والجميل وتعدد وظائفه وغاياته، وتتداخل مفاهيمه وتمثلاته، فالوعي الإنساني منصهر مع كل ما هو جميل وجذاب، لكن يتفاوت فهم الجمال من خلال غايته التي يسعى لها الإنسان، والغاية وليدة الحاجة، الجمال يجب أن يكون ظاهراً للإدراك الحسي حتى يعرف ويتم التفاعل معه، وحسب هذا يجب أن يكون كل شيء ظاهراً، فهل هذا ينطبق على الجسد الإنساني، أن القيمة الجمالية التي يتجلى بها جمال الجسد الإنساني كما هو معروف العفة، وكمصطلح تدل العفة على إخفاء الشيء سواء كان هذا الشيء جميلاً أو يحتوي  نقصاً، أو هي الامتناع عن الملذات والشهوات، فترتبط العفة بالشيء الجميل وهو يكون محسوساً ومدركاً، لأنه مادي، والمادي متجسد وظاهر للعين والحواس الأخرى، فيستدعي تناول العفة كمفهوم جمالي متلصقاً بالجسد وتمظراته، فحتى يعرف الجسد بالجمال يحتاج أن يكون ظاهراً للعين والحواس الأخرى، والعفة كفعل مادي تغلف الجسد باللباس والحجاب، والعفة كفعل روحي تنهي الإنسان عن فعل العيب والحرام، فالعيب مرتبط بالعرف المجتمعي، والحرام مرتبط بالبعد الديني، لذلك يقال جمال الإنسان أو الانثى أو المرأة في عفتها، اي في ستر نفسها، وحجب جمالها عن الآخرين، لكن هذا كمفهوم يتعارض مع الجمال كجمال خالص بعيدا عن الأخلاق والدين، وليس مع الجمال كدين، أو عرف، أو سلوك مباح، وبما إن مفهوم الجمال متعدد ومتفاوت بين الأفراد والمجتمعات،ومن حيث الزمان والمكان، ففلسفة الجسد تنطلق من الفكر والوعي الذي يحمله الفرد فكل ما كان الإنسان ذات وعي تشبث بالمعقولات، وإذا تدنى وعيه ينصهر بالمحسوسات،كما أن هذا يبقى متفاوت بين الأفراد كلاً حسب بيئته ووعيه، فالعفة مفهوم يرتبط بالماديات وهي الاخفاء والحجب، وفي الأفعال والروحيات بالمنع والنهي، فما كان جميلاً ترقى به إلى الجلال، وما كان قبيحاً تجمله وتستره، فمع تطور التكنولوجيا وأصبح الظهور هو الشيء الجميل بالنسبة للمجتمع الرقمي وعصر الالكترونيات، نرى توجه الإنسان نحو الجسد والاهتمام به وإظهار مفاتنه ومزايا، كحاجة عصرية لمتطلبات الجميل لدى الأفراد، مع وجوب ظهور الجسد كإعلان عن الجميل وتسويقه، لكونه أصبح الجمال مادة تجارية تسويقيه، فأصبحنا نرى الجمال المبتذل الذي يستخدم الإثارة للظهور وليس العفة، فالمجتمعات المادية نرى أن الجمال يرتبط مع الاثارة، والمجتمعات الروحية يرتبط الجمال بالعفة، وهذا ليس معيارا، اذ أن هذا التماهي لا يعني هناك مجتمع على صواب واخر على خطأ، بل كل ما في الأمر يعود إلى مرجعية الوعي الجمالي لدى المجتمع، كما ان إظهار الجسد ومفاتنه مرتبط بالفعل .

 

كاظم لفته

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم