صحيفة المثقف

صلاح حزام: سبعة ملايين ليست كأربعين مليوناً

صلاح حزاميتذكر بعض الناس بحسرة، تلك الايام الخالية عندما كانت الشوارع فسيحة ولاتوجد زحمة  ومساحات البيوت كبيرة وفيها حدائق والخدمات جيدة.

يتذكرون موزع الصحف والحليب والصمون والمشروبات الغازية التي تصل الى البيوت .

 يتذكرون المواصلات العامة المتاحة وذات المواعيد الدقيقة والرخيصة.

ويتذكرون تدني مستوى الجريمة وشيوع الأمان والعلاقات الاجتماعية الطيبة الخ......

كانت هناك عشوائيات في شرق بغداد وفي غربها يقطنها النازحون من الريف لاسيما ارياف الجنوب، لكن الحكومة كانت توزع بعض البيوت الجاهزة والأراضي على منتسبيها وتمنحهم قرضاً عقارياً مجزياً.

كانت حياة العشوائيات في تلك الفترة اكثر بؤساً من عشوائيات عصر الديمقراطية والتحرر والانفتاح !!

احتلت العشوائيات حواشي المدن ومقترباتها لكنها لم تتجرأ على اقتحام المدينة !! كانت مخزناً كبيراً لعمال البناء والتنظيف واحياناً افراد الشرطة والجيش البسطاء ذوي الرواتب المتدنية.

يضيف هؤلاء الناس القول: ان كمية صادرات النفط العراقي كانت أقل واسعار النفط كانت اقل بكثير، ولكن الخير كان كثيراً.

ينسى هؤلاء الناس ان عدد نفوس العراق عندما تعرض عبد الكريم قاسم لمحاولة اغتيال عام ١٩٥٩ كان سبعة ملايين نسمة فقط ( غنّت مائدة نزهت للزعيم قاسم اغنية وطنية بعنوان سبع ملايين جنودك) وكان وعدُ مائدة نزهت كاذباً طبعاً، حيث لم يقف معه أحد عندما قُتل بعد اربع سنوات!!

الآن، نفوس العراق اكثر من اربعين مليوناً، اي حوالي ستة أضعاف.

ما الذي زاد لمواجهة حاجات هؤلاء السكان؟

هل تم بناء مدن جديدة؟

هل تم تنظيم الهجرة من الريف وتطوير الحياة الريفية لتشجيع سكان الريف على الاستقرار؟

هل تم تطوير الجهاز التعليمي كماً ونوعاً لمواجهة حاجات السكان المتزايدة؟

هل نما الاقتصاد العراقي وتنوّع بما يكفل حياة كريمة لهذا العدد من السكان وتوفير فرص عمل للأجيال الجديدة؟

زاد انتاج النفط وارتفعت الاسعار، هذا صحيح ولكن كم تدهورت قيمة الدولار عالمياً؟؟

نحن بلد مستورد لكل شيء باستخدام دولارات النفط طبعاً، ولكن اسعار استيراد السلع والخدمات في ارتفاع مستمر، وبالتالي ليست زيادات اسعار النفط حقيقية تماماُ !!

من يرغب في التأكد من تلك الحقائق عليه مراجعة ارتفاع الرقم القياسي لاسعار الاستيرادات وسوف يلاحظ كيف ترتفع اسعار السلع والخدمات المستوردة عبر الزمن.

مقابل ذلك الاهمال لتزايد اعداد السكان، شجعت السلطات في بداية الثمانينيات على زيادة الولادات من خلال منح حوافز لصاحب عدد الاطفال الاكثر  (كان لدينا فرّاش في الدائرة يأخذ راتب اجمالي اكثر من الدكاترة لان لديه عدد كبير من الاطفال)!!

قالت السلطات في تبرير تلك السياسة، ان العراق لديه معارك قومية ولديه استحقاقات ولديه ثروات تثير طمع الآخرين، ويحتاج الى امكانيات بشرية للنهوض بذلك!!

اي انهم كانوا يريدون جنوداً دون حدود يأتون بهم من عوائل فقيرة ومن حياة بائسة ليس امامهم سوى الجيش للحصول على وظيفة تؤمن لهم فرص العيش ..

والغريب، ان الناس في العراق وبالرغم من اوضاعهم المعروفة وبالرغم من نوعية الحياة التي يعيشونها، لازالوا يتكاثرون بكل ما أوتوا من قوة!!!

الاكتظاظ طبيعي مع زيادة عدد السكان، ولكن السياسات العلمية المخلصة يمكن أن تخفف من وطأة تلك الزيادات.

ولدينا امثلة على دول بلغ سكانها المليار واكثر، لكن الحياة والتقدم مستمرَين.

لماذا لايقلق الناس على مستقبل اولادهم قبل انجابهم؟

هل حياتهم ممتعة وواعدة وتشجّع على هذا التكاثر المفرط؟

 

صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم