صحيفة المثقف

علجية عيش: من الفلسطينية عائشة عودة إلى السورية رغدة حسن

علجية عيشمن هو أول سجين في التاريخ؟ من الذي اخترع السجن؟ سؤال طرحته الكاتبة رغدة حسن وهي ناشطة سوريَّة، وتعرضت لعدة اعتقالات من قبل النظام السوري في عهدِ حافظ الأسد وكذا في عهدِ ابنه بشار الأسد وهذا السؤال كما تقول يرد كثيرا في مقالات وروايات وبحوث دون أن يلقى إجابة محددة له، مثله مثل باقي الأسئلة الوجودية، وقد عادت الكاتبة إلى الأسطورة التي تقول أن أول سجين في التاريخ هو بروميثيوس الحكيم، وكما جاء في الأساطير فبروميثيوس واحدا من حكماء التايتن وكان يملك المقدرة على التنبؤ بالمستقبل، ومن هنا جاءت فكرة السجن، وتقارن الكاتبة بين السجون في العهود القديمة وبين السجون في العصر الحديث، كان النفي هو العقوبة لكل من ارتكب جريمة أو خطيئة، وتصف السجون والمعتقلات وما اشتهرت به من سمعة سيئة ، إذ ترافق تاريخها بالأوضاع الصحية والإنسانية الرديئة التي يعيشها السجين، وتلازم تاريخ السجون بأساليب التعذيب، التي يتعرض لها المعتقل، كما تشير إلى الكتّاب والشعراء الذين تعرضوا للإعتقال ممن كتبوا عن تجاربهم الخاصة، أو التي سمعوا عنها في معتقلات بلدانهم، لذلك أخذ أدب السجون حيزًا مهمًا في ساحة الأدب، نال من اهتمام القارئ نصيبًا جيدًا، فكان أن وصلت معاناة السجين للعالم عبر روايات انتشرت، ثم أن بعض الكتّاب عاش تجربة الاعتقال السياسي، ونقل لنا أوجاع ذاكرته، وبعضهم حاول أن يتخيل حالة السجين، وما عاشه من عتمة وقهر، وما تسببه التعذيب من كسر لروحه وجسده، فهل نجحوا؟

طبعا لن نمارس ثقافة "الاجترار" أو "العنعنة "و نعيد ما جاء في مقال الكاتبة الذي نشر في موقع "الانطولوجيا" ولكن يكفي الوقوف عند قولها أن عالمنا الحافل بالمعتقلات السرية، يحتاج لجهود الكثير من الكتّاب والمنظمات المختصة، ليتمكن التاريخ من ترجمة ما كان يحدث للإنسان في عالمنا، يضيء أوكار الظلام، ويجفف مستنقعات الموت. ولندرك نحن أبناء هذا الزمن وهذا الواقع، ما علينا فعله لاحقًا، حتى ينكسر قيد السجين، ويشفى من ذاكرة القهر والرعب، إذ لا أشك للحظة بأن سجينًا قد تحرر من سجنه بعد الخروج إلى الحياة من جديد، فذاكرة السجن تسكنه أينما ذهب، طالما للجلاد عمل وقرار، إلا أنها تنتقد بعض الكتابات عن أدب السجون والمعتقلات وكأنه كاتبها يناقش فكرة الجمال ، وتقول أن مثل هذه الكتابات أصحابها لم يتذوقوا حياة السجون ولم يعانوا خطر المعتقل وإن كان صوت المعتقلين همهم في إيصال صوت المعتقل أو السجين للعالم.

وعلى غرار باقي النساء المقاومات اللاتي ذقنا ويلات الاستعمار والأنظمة الفاسدة الدكتاتورية، سواء في العالم العربي أو في جنوب إفريقيا فقصة رغدة حسن التي توفيت في مارس 2021 بفرنسا عن عمر يناهز 50 سنة وهذا يعني أن ولادتها كانت عام 1971 ، وقد بدأت نشاطها السياسي في سن العشرين ، وعاشت حياة السجن والمعتقل يوم تم اعتقالها عام 1992 ضمن حملة شنها حافظ الأسد على أحزاب المعارضة وتزوجت بعد خروجها من السجن من الفلسطيني عامر داود الذي كان معتقلا في السجن نفسه وتعرفت عليه في ظروف صعبة بالمعتقل، ثم اعتقلت في سنة 2010 أثناء سفرها إلى لبنان على خلفية روايتها "الأنبياء الجدد" التي تروي قصة السجون السورية وتعرضت للاعتداء الجسدي، لتعلن موقفها الداعم لحراك الشعب السوري المعارض لنظام الأسد، فعبرت عن ذلك في كتاباتها وفي مواقفها، حيث اعتقلها النظام السوري في بداية الثورة.

فقصة الناشطة السورية رغدة حسن تشبه إلى حد كبير كثير من النساء إلا أن هناك من سبقتها للكتابة في هذا المجال ونذكر على سبيل المثال لا الحصر المناضلة عائشة عودة وتجربتها الكتابية عن أدب السجون، كونها واحدة من الأسيرات اللاتي ذقن مرارة السجن وعائشة عودة من مواليد 1944 في قرية دير جرير التابعة إدارياً لمحافظة رام الله، انتظمت في صفوف المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني بعد انتهاء حرب1967 مباشرة، وتم اعتقالها في ( مارس) آذار 1969 وحكمت عليها محكمة الاحتلال الصهيوني العسكرية بالسجن المؤبد، وقد عانت عائشة عودة مرارة الإعتقال والتعذيب وظلم السجود الإسرائيلية طيلة عشر سنوات، ثم تحررت في عملية النورس لتبادل الأسرى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في آذار 1979، وقد اشترطت إسرائيل إبعادها خارج فلسطين، فأقامت في الأردن حتى عودتها إلى فلسطين بعد توقيع اتفاقية أوسلو وعودة كوادر منظمة التحرير الفلسطينية وتأسيس السلطة الفلسطينية في عام 1994.

 وبالنظر إلى تجربتها في المعتقلات والسجون الإسرائيلية، قررت المناضلة عائشة عودة الكتابة عن وضع الأسرى الفلسطينيين وبخاصة النساء، وفي كتاباتها نقرأ عن أدب السجون من خلال تجربتها النضالية، وثَّقَتْهَا في كتابين "أحلام بالحرية" و"ثمنا للشمس"، وتأتي كتابة تجربتها في الأسر من باب الالتزام الوطني في توثيق معاناة الأسرى وما يتعرضون له، والمتتبع لأراء النقاد، نرى أن عائشة عودة في كتاباتها رسمت حروفها بقلم أحمر، وبلغة دامية كتبت تجارب شعب كامل عانى وما يزال يعاني القسوة والظلم، فقد نقلت عائشة عودة مشاهد كثيرة عاشتها في السجون الإسرائيلية، عن محاولة الاغتصاب التي تعرضت إليها في السجن وكيف قاومتها وانتصرت فيها، وقليل طبعا من اللاتي لهن الجرأة في الكشف عن تعرضهم للاغتصاب أو محاولة الاغتصاب، حيث فضحت ممارساتهم وعنصريتهم ووحشيتهم.

ويكفي أن نقف على تفاصيل التحقيق معها وتعذيبها بالعصا، من خلال هذا السرد المؤلم، يمكن لمن لم يجرب حياة السجون أن يعيش ولو افتراضيا هذه التجربة ويطلق العنان لمخيلته ليرى مشهدا من مشاهد التعذيب على يد جندي صهيوني، إلا أنها تعارض مصطلح أدب السجون وترى مصطلح أدب المقاومة هو البديل، وبالعودة إلى الكتابات في هذا المجال نرى أن كثير من الباحثين يرون أن أَدب السجون والمعتقلات في فلسطين جزء لا يتجزأ من الأدب العربى، الذي يتطلع للحرية، حيث ذهب البعض لتسميته بأدب الحرية، أو الأدب ألاعتقالي، وحرص آخرون على صبغه بمفاهيم إيديولوجية، فأطلقوا عليه " الأدب الأسير"، وذهب آخرون إلى تسميته بأَدب السجون، ولكن الجميع مجمعون على أنه يندرج تحت عنوان أدب المقاومة، فيما يرى بعض النقاد أن الكتابة عن أدب المقاومة بعيد المنال، لأن الكتابة عن المقاومة لا يكون إلا بعد الانتقال بها إلى حيز الفعل والتطبيق، ويجري التأسيس لها ذهنيا ووعيا ويقينيا في ثقافة تقوم بتنظيم الذاكرة الجماعية وتعزيزها والحفاظ عليها.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم