صحيفة المثقف

حيدر عبد الرضا: قراءة في رواية (ساق البامبو) للكاتب سعود السنعوسي

حيدر عبدالرضاالماثول السردي بين جمالية الموضوعة والمغالات في التفاصيل

توطئة: لا يمكن للمتلقي من أن يدرك طبيعة الأحداث في النص الروائي، إلا من خلال أعطاء للزمن الخطابي بعدا متميزا وخاصا.باعتبار أن الزمن في الخطاب هو ذلك الجزء الملموس من النص، فهو بمثابة الجزء المعاين من الظاهر في وقائع (الماقبل ـ المابعد) وهنالك بالمقابل ثمة أزمنة خارجية تبدو بعيدة العلاقة بالمعمار الزمني الداخلي للنص، أي أننا بإمكاننا اعتبارها أزمنة خارج زمن النص.من خلال قراءتنا إلى رواية (ساق البامبو) للكاتب سعود السنعوسي، وجدنا تلك القرابة ما بين (زمن الخارج / زمن الداخل) فمن خلال العتبات المناصية للرواية تعرفنا على جملة تصديرات خطاطية ما من متوازيات البنية الزمنية التي تتم بموجبها إنتاج المقصود الدلالي من عين الراوئي نفسه. أي بمعنى ما واجهتنا سببيات وأوليات مصاحبة في تشكيل هذا النص كحال ما غدا يبرهنه السنعوسي في عتبات روايته ككلمة للمترجم ومراجعة وتدقيق من قبل شخوص هم من يشغل بالضرورة زمن الحكاية في المدار الروائي.في الواقع لدينا ونحن نقرأ هذا العمل الروائي عدة مآخذ، وذلك ما سوف نشير إليه إجمالا في فروع مباحث قراءتنا هذه.

ـ إشكالية المسميات وضديات الأرحام وغلو الهوية

بين ما لم يفترض وما لا يمكن افتراضه، تنقاد متعلقات كينونة الفعل الرحمي بما لا يشتهى له من التقارب في التخصيب ومبادرة التكون في غفلة من التقريظ القسري، الذي استطاب فيه ذلك الاحتواء من الوجه العرقي المحمول في تفاصيل دخيلة خاصة من مصداق اللامتوقع واللامقول في الخطوط العريضة من النص.وفي ضوء معطى هذا المخاض في متواليات الماثول التجنيسي في النقش الرحمي، صار لتلك الأرهاصات وجودا ذات علاقة نواتية متكونة من علاقة مفارقة ما بين طرفين متفاوتين.وفي الحالة التشريحية اللاموقعية تتوالى عينة ذلك الكائن المتصاعد سيرا حثيثا نحو بداية نهايته وصولا إلى اثبات حالة وجوده المفترض في زمن تراجعت فيه وسائط تعالق الأرحام ونفي نقاوة النطق وسادت فيه ضديات رقيبة على مشهد مفارقة الهوية وغلوها.

1ـ العربي المهجن وأختلافية الاستجابة في زمن الحكي:

تتصل بمواقع السرد في رواية (ساق البامبو) ثمة متحكمات ترتيبية خاصة في جعل ترسيمة الأحداث، تركا لحاضر السرد في مختلف توجهاته في المتتابعة ضمن الاواصر الخطية الأحداثية، لذا نعاين إلى ذلك التسلسل في مجرى صيغ زمن الحكاية، يبرهن لنا على أن الرجوع من ناحية النقطة التي وصلة من خلالها الشخصية عيسى أو خوسيه: (عندما كنت هناك، كان الجيران وأبناء الحي، ممن يعرفون حكايتي لا ينادونني بأسمائي التي أعرف، ولأنهم لم يسمعوا ببلد أسمه الكويت كانوا ينادونني Araboأي العربي رغم أنني لا أشبه العرب في شيء إلا في نمو شاربي وشعر ذقني بشكل سريع . / ص17 الرواية ) في هذا النوع من خصوصية العلاقة ما بين الحقيقة وإهمالها من قبل ضديات العرق الآخر، تتوالى وقائع محكيات السارد المشارك عيسى الذي عاش في بلد والدته الفلبين، بعد أن تم انفصالها عن والده راشد ذلك الأب الكويتي الذي ارتضى لمصير ولده الوحيد أن يكون عربيا مهجنا على أرض حقول البامبو. ومن خلال حكي السارد المشارك في النص، تتبين لنا وقائع حضور الأم جوزافين إلى منزل الجدة غنيمة في الكويت بصفة خادمة في عقد الثمانينيات، وقد نشئت علاقة ودية في ظروف عملها في ذلك المنزل مع راشد في منحى كان سببا في خلق تلك العلاقة العاطفية الخاصة ما بين جوزافين وراشد الطاروف: (لم أتخيل قط بأنني سأعمل خادمة في يوم ما/كانت فتاة حالمة.. تطمح لأن تنهي دراستها لتعمل في وظيفة محترمة .. لم تكن تشبه أفراد عائلتها في شيء .. في حين كانت أختها تحلم بشراء حذاء أو فستان جديد كانت أمي لا تحلم بأكثر من أن تقتني كتابا بين وقت وآخر. / ص19 الرواية) هكذا تعرفنا وحدات الحكي في النص على حيثيات الانموذج الانطباعي المتعلق في حياة الأم جوزافين وكيفية رضوخها على أن تعمل كخادمة في منزل عائلة الطاروف . في حين كثفت أسباب الرواية كل مبررات انقياد جوزافين إلى السفر لأجل العمل، بعد ما كانت شقيقتها آيدا قد سبقتها في ممارسة أعمال مختلفة، كنادلة في حانة ثم في مرقص ليلي، مرورا بممارسة مهنة الرقص: (قدمت آيدا الصغيرة أنذاك جسدها لكل من يسألها ذلك مقابل أن يدفع مبلغا يحدده سمسارها.هناك ثمن خاص للرجل الأجنبي يفوق الثمن المخفض الذي يتمتع به الرجل المحلي الفقير. / ص20الرواية) وعلى هذا النحو تتبين لنا من خلال الأحداث بأن الشخصية آيدا أصبحت تتعاطى العهر بأمتيازية لا نظير لها، بخاصة بما يتعلق بذلك المردود المالي الذي كانت العائلة تعده بمثابة المصدر المعيشي الذي يتكفل بكافة مصاريف أمها المريضة ونوازع ذلك الأب الخمار المقامر الذي لا ينفك في عادته من ممارسة هوايته المثلى في جني الديكة ومصارعتها في حلقات القمار: (تتأخر أحيانا عن موعد وصولها، تقلق والدتي بقضائها ليلة كاملة مع أحدهم في فندق ما، وهذا له ثمن مجز/ لا ينظر الأبوان إلى وجه أبنتهما، فنظرهما لا يتجاوز خاصرتها حيث حقيبتها . / ص21 الرواية) .

2ـ دكتاتورية الأب وسطوته الأفيونية:

أن الحضور الذكوري المبني على دعامة القوة البدنية والموقع المهيمن في المنزل، هو ما جعل من ذلك الأب العجوز دكتاتورا مفرطا في جشعه في حب المال والسطوة الكاملة على نهب ما تحصل عليه أبنته آيدا من أثمان امتطاء جسدها طوال ليلة كاملة في فعل البغاء.ويصف لنا السارد المشارك عبر صوته الراوي عن مدى وقاحة ذلك الأب العجوز في أشد اللحظات التي كانت تعيشها آيدا مع معاقرة الخمر والتدخين وقضية جنينها المحشور في رحمها قسرا: (أنغمست آيدا في هذا العالم .أدمنت الشرب وتدخين الماريجوانا.أصبح كل شيء بالنسبة لها مقبولا، وليس ثمة شيء في حياتها له قيمة حملت أكثر من مرة، ولكن حملها لا يستمر، فقد كانت تسقطه فور علمها به . / ص21 الرواية) لاشك أن مسار الرواية يستغرق أشد المراحل انفجارا وضغطا في ناحية الأحوال الحياتية المشرئبة بالعوز والفاقة والبغاء والمخدرات ومهما كان يسعى إليه السارد المشارك في مسروده، تظل لدينا إمكانية خاصة من التحقق في مصداق تلك الظروف التي دفعت جوزافين إلى الهجرة نحو الكويت للعمل.

 

 

ـ تمظهرات المفترض الزمني وهوية الزمن الأدراكي

أن مفهوم الهوية الزمنية في سياق رواية (ساق البامبو) يكتنفها العديد من حالات التجربة المحسوسة والمنقولة على لسان السارد، أو ما كان منقولا من خلال روي والدة الشخصية عيسى، لذا وجدنا بدورنا أن أغلب آليات السرد في الرواية، تصطبغ بالشواهد المنقولة، فيما يبقى زمن الأحداث لا يتعدى احاسيس وانفعالات وإيقاعات استرجاعية وارتدادية في حياة الشخصية عيسى.هذا في ما يتعلق بالقسم الأول من حكاية الرواية، التي بدت لنا من جهات أخرى عبارة عن متتاليات من الأفعال النفسية الصادمة التي تواجه أشد الواقف حرجا وإلتباسا بالنسبة الحياة الشخوص الذاتية في الرواية، لذا قد يتوضح لنا الخطاب السردي الخاص بالقسم الأول، على أنه جملة أحداث ووقائع غدا يستغرقها ذلك الحس الأدراكي المستوعب من جهة فراسات السارد المشارك.وهذا ما يعني بدوره أن حالة التوازي بين حياة الشخصية في بلاد أمه تقع كحالة وسائطية مخصوصة إلى ترهين جل التفاصيل الممهدة لأوليات الشخصية جوزافين وكيفية إعادة ممارسة دورها كخادمة في منزل السيدة غنيمة، بعد ما كانت تحيا تحت ضغط الحاجة في موطنها الأصل.

1ـ الاغتراب المصيري في بنية الصراع السردي:

يقدم السارد المشارك ملامح وشخصية والدته أمام خيارات عسيرة من ناحية بقاءها في موطنها الأصل بصيغة البغاء: (في الوقت الذي كانت فيه والدتي على وشك أن تكون نسخة عن خالتي آيدا بمصيرها البائس. / ص23 الرواية) أو أن تجد لها فرصة نادرة في إطار من الهجرة للعمل في أيا من بلدان الخليج، وقد شاءت الفرص جوزافين حول عثورها على ذلك الاعلان الذي كان يحمله أحد جيرانهم، وقد يتلخص ذلك الأعلان باستقبال الراغبين في العمل في دول الخليج عن طريق الوكيل في مانيلا: (التقطت والدتي القصاصة من يده وكأنها تحمل صك الإفراج من سجن محتمل قضبانه أجساد الرجال الجائعة. / ص23 الرواية) يطرح لنا السارد المشارك خيوط واهنة من استعدادات لحظة ضاغطة على جملة خيارات مصير والدته، بيد أنها أي ـ جوزافين ـ جعلت تتلمس من كل ضغوطات واقعها المرير خرجا لوجودها في زمن يقع بها خارج حدود موطنها الذي غدا لا يوفر لحياتها سوى المزيد من التفاصيل المخلة بصحة عفتها وكرامة أنوثتها المساومة بمقابل حفنة بخسة من المال تمنحها بأعصاب مشدودة بالنتيجة إلى ذلك العجوز المقامر في حلبة عراك الديكة الفائزة والخاسرة.

2ـ غبار اللاهوية في خطاب ملامح الخذلان العاطفي:

أن مسار الأحداث الروائية في مرحلة انتقال جوزافين من الفلبين إلى ذلك المنزل الذي تحكمه الجدة غنيمة تعد بالمساحة الظلية من دائرة الإفراغ من هموم ومشاعر الفاقة وشحيح العيش بالنسبة لجوزافين، خصوصا أن ما تحمله الفقرات الأخيرة من حياة أهلها في مانيلا، لا تنبض إلا بالمزيد من البؤس والتقهقر في زاوية عمرية مظلمة.فهي تركت خلفها شقيقتها آيدا وهي تحمل بين يديها أبنتها اللاشرعية من رجل أوربي: (جاءت ميرلا بشكل جديد..كانت فلبينية الملامح لولا بشرتها البيضاء المائلة للحمرة . / ص22 الرواية) في الوقت الذي كانت فيه العجوز والدتها تلفظ آخر أنفاسها على سرير النزع الأخير.وعلى هذا النحو من تلك المقدمات الأليمة راحت جوزافين تدخل حاكمية عائلة الطاروف، وكلها أملا في تأمين حياة هانئة لأسرتها في موطنها البعيد وبشكل يخلصها شخصيا من جنحة ممارسة البغاء قسرا هناك. لكن الأمور والمواقف جاءت تنسج تفاصيل مأزومة جديدة من علاقة عاطفية بالمعنى الدقيق بين جوزافين والأبن البكر راشد: (عملت والدتي في بيت كبير، تسكنه أرملة في منتصف الخمسينات مع ولدها البكر وبناتها الثلاثة.هذه الأرملة أصبحت جدتي في ما بعد.. كانت جدتي غنيمة أو السيدة الكبيرة كما تناديها والدتي، حازمة، عصبية المزاج في أغلب الأحيان. / ص29 الرواية) وتشتمل هذه الفقرات على ما يحيط ويخص جغرافيا البيئة التي قدر للشخصية أن تحيا فيها بذات الجملة من الخشونة والقسوة والتمايزية التي مازالت آثارها عالقة فيها من خلال ما تلقته فيما سبق من تصرفات ونوازع والدها المخمور وشقيقتها التي تعد علامة سلبية في ذلك المحيط من العائلة .وقد لا ينفصل صوت السارد المشارك بأية حال من الأحوال عن بث لغته المشخصة نحو تلك اللحظات الواصفة إلى وقائع أحوال الشخوص وأطوارهم ذات النزعة التمييزية البغيضة، ارتباطا له بما لا يفوت لنفسه فرصة الاستباق داخل ذلك الوجود من العائلة سرديا (هذه الرملة أصبحت جدتي فيما بعد) .

ـ الفضاء الحلمي بين الذاكرة الشحيحة والألفة المفقودة

تكشف لنا جملة الأحداث الروائية في النص عن الظروف والكيفيات التي تم من خلالها ذلك الاعتراف بجاذبية العاطفة بين راشد الكاتب الروائي المدلل من قبل والدته غنيمة وبين الفتاة الفلبينية جوزافين بما يرجح لدينا الاحتمال المتعاطف من قبل راشد بادىء ذي بدء نحو هذه الفتاة العاملة، ولكننا عند متابعة صعود الاحداث الروائية نستفهم باليقين الراسخ بأن الأثنان كانا على آهلية محققة من حسن تبادل قناعة الحب والعاطفة الأكيدة المتمظهرة من الشخصية راشد نبذا منه لكل مقادير وأحكام الأعراف والتقاليد والتمييزية السائدة في سلطة والدته غنيمة: (ـ:أبهذا فقط نصبح زوجين ؟ / لم أكن مقتنعة بأننا أصبحنا زوجين بالفعل، ولكنني وبسبب الشعور الذي أحمله اتجاه أبيك، سلمت بالأمر / تقدمت والدتي بخطوات مترددة إلى حيث المركب.. تركت نعليها على رمال الشاطىء .خاضت قدميها في الماء الذي أحذ يرتفع كلما خطت خاصرتها بذراعه ..حملها إلى سطح المركب .. شرع بإبعاد المركب عن الشاطىء بواسطة قصبة خشبية طويلة.. ثم أدار المحرك ما أن وصل إلى منطقة يصعب فيها سماع هديره.. جلست أمي إلى جواره ضامة ركبتيها إلى صدرها، مخفية تفاصيل جسدها الذي شفت عنه ثيابها المبتلة . / ص41 الرواية) .

1ـ الخطاب المباشر واللامباشر من أوجه السرد:

تكاد أن تكون الشخصية الروائية في محامل النص تناوبا مباشرا أو غير مباشر في صيغة الخطاب المسرود، أي بمعنى ما، كأن يورد جزءا منه نحو الآخر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة رغم أن الأثنان يحملان ذات الدلالة من التوصيف والتشخيص والإيصال النقلي، كحال هذه الوحدات: (بعد يومين من مولدك سافر الأثنان غسان ووليد، وليتهما لم يفعلا! / فوبيا الطيران وجدت لها حليفا يساعدها على قتل وليد . / ص50 الرواية) لينظر القارىء نحو الكيفية التي ورد الخطاب فيها بطريقة مصحوبة بأسلوب مباشر والآخر غير مباشرن وكأنها صياغة إحالية بترتيب واقعة تحمل في ذاتها الدلالة ذاتها. وهناك بالمقابل ثمة ما يكون أداة تناوب عن صوت السارد المشارك وكأنه الشخصية بذاته، ولكن الفرق يبقى في حدود إجرائية خاصة في وسيلة توصيف النقل والمنقول بحال الواقعة: (بعد مرور وقت، خرجت خالتي آيدا من غرفتها، تسند ميرلا منفرجة الساقين على خاصرتها، وتحمل في يدها مظروفا / تقول والدتي: كان والدي قد بدأ بالشخير . / 23 الرواية) على هذه العلاقة المتناوبة يظل الهاجس الخطابي يحمل في ذاته طريقان من الخطاب الأول، يتم عن طريق الخطاب المباشر من لسان السارد، الثان، يتم عن وسيط لسان حال المنقول عن جهة الفاعل، وبهذا الأمر يلجأ الاستباق النوعي على مستوى خطابا مباشرا وغير مباشر، متخذا من مواقع التناوب علاقات نقلية متعاضدة في المستوى الضمائري.

ـ العلاقة الزمنية:

ـ السرعة.. الإبطاء: بين المواقع المحكية.

أن آليات الزمن السردي في محكيات رواية (ساق البامبو) يحتفظ بذاته بعدة أوجه من الأزمنة السردية (السرعة ـ الإبطاء ـ التتابع ـ المابعد ـ الماقبل) وتعد هذه المجموعة من الحوافز الزمنية بمثابة زمن ماضوي أو زمن حاضري سريع أو زمن ابطائي أو زمن ارتباطي أو زمن تعالقي أو داخلي أو خارجي أو نفسي أو عاطفي أو عدائي أو أليف، كما أن حالات هذه الأزمنة جميعا ذات جملة أسباب علائقية محركة فعل النواة الدلالي في النسيج الروائي، ولا يمكن للقارىء من ملاحظتها، دون التمعن الفاحص منه في خاصيات كل نوع على حد ما من الوظيفة.

1ـ زمن السرعة والإبطاء في فواعل السرد:

قد يتداخل الزمنان، فتتزامن واقعة الحكي إلى جانب زمن الخطاب، ولكننا عندما نتعامل مع بعض الوحدات الواقعة في بؤرة نواة الحكي، نجدها حائزة على درجة ما من القفز الحدثي أو السرعة الزمنية، وهذا الأمر ما صادفنا عند حال بعض وحدات النص هنا قاب قوسين: (كم كنت أعشق الأرض التي نشأت بها .. كم من الوقت كنت أختلي فيه بنفسي متأملا الأشياء من حولي، حتى خلتني أحدى أشجار أرض جدي . / ص93 الرواية ) من مثال هذا القبيل واجهتنا عشرات الأزمنة الإبطائية في واصلات التصوير السردي، ومن شأن هذه الوحدات، كونها تظل تشخيصا في انسراحة جارية على لسان السارد المشارك دون أن نفقد من هذه الإبطائية مساحة ما من تمثيلات الوحدة الوظيفية المتكونة في السياق النصي، بل يمكننا القول إجمالا أن الزمن الإبطائي في محاور رواية السنعوسي هي أكثر إيغالا في أفعال النص من مساحة القفزات الزمنية للأحداث. أما من ناحية العلاقة الواقعة ما بين (زمن السرعة / زمن الإبطاء) جعلت تتوالد أزمنة أخرى كشاكلة وحدة الزمن التتابعي أو المتعالق أو النفسي أو المغلق أو المفتوح.وبمجموع هذه الأزمنة ذات الوظائف الملحوظة في وحدات الرواية بأقسامها الظاهرة والمضمرة، إذ لا يمكننا تناولها إجمالا في محل دراستنا هذه، لأننا نحرص على مجال فكرة وصياغة مباحثنا في شكلها المستقل في المعاينة المخصصة لها .

ـ تعليق القراءة:

في الحقيقة أود أن أشير في نهاية قراءة مباحثنا النقدية إلى مثل هذا القول الذي يقر لذاته إقرارا جماليا بكون موضوعة الرواية ذات مواصفات جديرة بالاهتمام والعناية النقدية من كل النقاد، كما وتستحق ما وصلت إليه من الترحيب والتقويم من ناحية الفكرة الروائية. ولكننا لدينا كما قلنا في بداية القراءة بعض المآخذ على جوانب كثيرة من النص والتي قد لا يسعنا المكان إلى وضعها في قائمة خاصة من المناقشة والتداول، سوى ما أقتصرنا عليه من رصد حجم تفاصيل الإسراف والغلو في توظيف بعض من التفاصيل السردية الفائضة عن حاجة الموضوعة الروائية والتي لا يمكننا عدها بالمحاور العضوية في بناء الرواية إلزاما.فهناك تفاصيل حقا أسرف السنعوسي في سبكها وإيراد مواردها في غير حقيقة محلها تماما، كما وبالمناسبة أود الاشارة إلى كيفية تحول عيسى الشخصية الروائية في النص على حين غفلة إلى تجربة روائية فجأة ودون حتى مقدمات فنية مقنعة من السنعوسي نفسه إلى إقناع القارىء حول هذه الصدفة الغريبة التي تحول فيها عيسى إلى روائيا تترجم فصول روايته المكملة لرواية والده، في حين نحن نعلم بأن عيسى لم يقرأ مخطوطة رواية والده اطلاقا، بل كان الأولى بصفة الروائي هي الشخصية خولة بحكم كونها من كان يتابع مراحل وصول رواية والدها راشد، فما يخبرنا السنعوسي على هذه الإشكالية الكبرى في روايته، في حين تبقى من جهة هامة النهاية الروائية لروايته (ساق البامبو) وكأنها وحدة إنشائية باردة ولا تعبر بدورها عن هذا الكم الهائل من بناءات الرواية على امتداد أقسامها السردية.لذا أقول للقارىء العربي والكويتي تحديدا، جاءتنا الخاتمة الروائية وكأنها مفصولة تماما عن الطابع الذروي الجاد الذي كان ينبغي أن تكون عليه الخاتمة الروائية، وليس مجرد مؤثثات مشهدية تصور لنا حب عيسى لوطنه الكويت وهو يساند مباراة كرة القدم.

 

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم