صحيفة المثقف

تساؤلات محرجة في الدين (2) .. التطرفان الديني والالحادي وصناعة الموت

 لماذا يركّز دين معين على صفات : القوة، والجبروت، والبطش ... فيما يؤكد دين آخر على صفات : المحبة، والرعاية، والتسامح ... ويوازن دين ثالث بين هذين النوعين من الصفات في "الله"؟.

 

على اية صورة هو "الله" في حقيقته: الاولى؟ الثانية؟ ام الثالثة؟ . أم ان هذه الصفات انعكاس سيكولوجي لشخصية من أتى بالدين ــ النبي؟. وهل أن الذي اضفى على " الله " صفات القوة والجبروت والبطش، هو شخص عدواني يميل الى السيطرة على الناس وحكمهم بالقوة؟ ام ان هذا النبي يمتلك نباهة استثنائية مكّنته من فهم سيكولوجية أهل زمانه، فأضفى على من دعاهم لعبادته صفات تضمن استجابتهم لدعوته؟.

 

 وقل الشيء نفسه عن نبي آخر اضفى على " الله " صفات ايجابية، ونبي ثالث اضفى عليه صفات بشرية تمزج بين الايجابية والسلبية .

 

 هل الصورة التي اوصلها هذا النبي او ذاك عن الله تمثل فعلا" حقيقة الله؟ ام انه ( كوّنها ) هو لتخدم مصالحه ومصالح جماعة محدودة؟.

 

وبمن يؤمن غالبية الناس : هل بـ " اله " قوي، جبّار، متكّبر، يخافون منه ويخشونه ام بـ " اله " رومانسي محب للحب والجمال والموسيقى؟ ام بـ " اله " واقعي لديه من الصفات ما لدى البشر؟.

 

 ولماذا توزع الناس في ايمانهم بـ " الله " على هذه الصور الثلاث المتناقضة، مع انه واحد؟. هل لطبيعتهم السيكولوجية؟ ام لمصالحهم؟ ام لما يتمتع به النبي من كاريزما؟. وهل ان اختلاف منظورات الاديان بخصوص طبيعة الله نجم عنه اختلاف منظوراتها بخصوص الطبيعة البشرية؟ ام العكس .. اي انهم اسقطوا على الله تناقض الصفات في الطبيعة البشرية؟.

 

 واذا كان الدين في جوهره " ايديولوجيا " فهل هذا يعني ان هنالك دينا" بايديولوجيا منفتحة وآخر بايديولوجيا منغلقة مع انهما من مصدر واحد؟.

 

 وهل هذا يعني ان التطرف نشأ من الدين الذي يتبنى ايديولوجيا منغلقة، ترى انها الاسلوب الامثل لحل مشاكل الناس والحياة، وتأمرهم على ان يؤمنوا بها حتى ولو بالقوة؟.

 

 وهل ان تطور الالحاد الى " ايديولوجيا " جاء نتيجة فشل الدين في حل مشاكل الناس والحياة، وانه قدّم نفسه بوصفه الحل الامثل لجعل الحياة امتع والناس اسعد؟ ام ان ايديولوجيته فشلت وانتهى به الامر الى التطرف ايضا"؟ .

 

 انك ان تؤمن بـ " ايديولوجيا " وتتطرف في ايمانك بها،فان نوافذ عقلك تنفتح للخارج فقط لتصدّر افكارا"، ولا تنفتح للداخل لتستقبل افكارا"، وان " جدران غرف " الافكار في عقلك .. اسمنتيه، لا تسمح للقيم بداخلها ان ترشح وتتفاعل فيما بينها، الأمر الذي يضطرك الى ان تتصرف بعنف ضد من يختلف معك في الرأي، وتعطي الحق لنفسك باستباحة الآخر . فهل هذا يعني ان الشخصية الدينية المتطرفة والشخصية العلمانية المتطرفة مريضتان نفسيا"؟ وانهما سايكوباثيتان تحديدا"، مع انهما تختلفان ايديولوجيا" وعقائديا"؟.

 

 ان التطرف في الدين يزّين لصاحبه الزعم انه وحده على حق، وينعت من يخالفه الرأي : بالكفر، والمروق، والزندقه، والفسوق ..، وان التطرف بالعلمانيه يجعل صاحبه يزعم انه وحده على حق، وينعت من يخالفه الرأي : بالرجعيه، والتخلف، والانغلاق، والدوغماتيه، والايمان بوهم . ومع تناقضهما العقائدي، فان كليهما يزدريان الغير، وكليهما عدوانيان حاقدان منتقمان، يبيحان لنفسيهما حق اخضاع الآخر واباحة سفك دمه ان رفض . فاذا كان الدين من الله، فهل يعقل ان يأمر بقتل اناس هو خلقهم ليعيشوا؟ واذا كان العلماني الالحادي رأى ان " الله " وهما"، وان العقل هو الحقيقة، فلماذا يرتكب الخطأ نفسه والجريمة نفسها مع انه يعدّ نفسه الاكثر وعيا" والأرقى نبلا"؟.

 

 واذا كنت ترى ان الدين سفسطه او هلوسه فان التطرف فيه يكون حالة من حالات المرض العقلي، ويكون صاحبه معذورا" اذا ارتكب جريمة قتل، فأي عذرا" تعطيه لمن يؤمن بالعقل ويعمل بمنطقه اذا ارتكب الجريمة نفسها؟.

 

وما علاقة الدين بالثقافة؟ هل هو الذي انتجها أم هي التي انتجته وصنعت التطرف فيه؟. وهل يختلف دين عن دين آخر بنوعية الثقافة التي يشيعها؟ وقل الشيء نفسه بخصوص الالحاد والايديولوجيات العلمانية .

 

 ان النوع يخلق ضده النوعي، فالتفكير الخرافي خلق التفكير العلمي، والدين خلق الالحاد (قبل نشوء الدين لم يكن هنالك الحاد). واذا كان التطرفان الديني والالحادي ضدين نوعيين، فالى مـ سيفضيان؟ هل ستبقى صناعة الموت ازليه، مادام المؤمنون وغير المؤمنين يجدون فيها الوسيلة الوحيدة للبقاء؟.

 

 ............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1070  السبت 06/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم