كتب ماجد الغرباوي

  رهانات السلطة في العراق مع ماجد الغرباوي

 الكتاب: رهانات السلطة في العراق

حوار في أيديولوجية التوظيف السياسي

 حوار طارق الكناني مع ماجد الغرباوي

عدد الصفحات: 194

الحجم: متوسط

الطبعة: 2017 م

اصدار: مؤسسة المثقف ودار أمل الجديدة

 *** 

رابط تحميل كتاب: رهانات السلطة في العراق

 

رابط بديل لتحميل كتاب: رهانات السلطة في العراق

 مقدمة

يمر العراق في منعطف تاريخي حاد، وتشهد المنطقة تطورات سريعة من الصعب جدا التكهن بمجرياتها، فهناك فعل ورد فعل، متساويان في القوة ومتعاكسان في الإتجاه، حيث لا أحد كان يتوقع أن تنقلب أمريكا على الأنظمة العلمانية وتأتي بأنظمة دينية ثيوقراطية. ومن المستغرب جدا ان تـأتي نتائج العملية السياسية في أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول مساندة لقيام دول دينية تعتمد على نفس الأسس التي تتبناها طالبان والسعودية وإيران .

لقد ساعدت أمريكا بعد احتلالها العراق على بناء نظام إسلامي بعنوان ديموقراطي زائف وتركت الأحزاب السياسية تتصارع لتغليب أحد النموذجين، السعودي أو الإيراني. وخلال أربعة عشر عاما من الصراع انتصر النموذج الإيراني في التحكّم بإدارة الدولة في العراق، وهو كما هو معروف نظام ثيوقراطي بعيدا عن الديموقراطية .

كان لهذه التجربة العراقية الجديدة تأثير كبير على الساحة الثقافية في العراق وخصوصا أن من تسنم الهرم في السلطة حزب عراقي إسلامي عريق له تاريخ نضالي، وله جمهور كبير، فهو معروف على الساحة العراقية، حيث حاولت السلطة في العراق اجتثاث هذا الحزب على مدى عقود، وكانت تتهم كل مناوئيها بتهمة الانتساب إلى هذا الحزب حتى تتمكن من تصفيتهم بموجب تشريعات البلد باعتبار أن الانتماء لهذا الحزب هو خيانة عظمى لكونه حزبا يتسم بالعمالة لإيران حسب رأي السلطة .

هذا هو حزب الدعوة الإسلامية والذي أضاف إليه النظام السابق صفة العمالة حيث لايذكر اسم هذا الحزب الا وتذكر صفة العميل بعده، حيث أصبحنا نرددها وبدون شعور حتى بعد قيادته للسلطة في العراق. فكثيرا ماكنت أمزح مع اصدقائي من هذا الحزب بذكر هذه الصفة .

ان ما أفضت إليه الاوضاع في العراق بسبب سياسة أعضاء هذا الحزب جعلتنا نعيد النظر في موقفنا تجاهه. هذا الحزب الذي كنّا نشعر بمظلوميته ونُكبر مواقف رجالاته، وخصوصا الأشخاص الذين قامت بإعدامهم سلطات البعث، لم يكن موقف أعضاء حزب الدعوة الإسلامية بنفس الصورة التي تخيلها الشارع العراقي وكما كان يتمنى، كما أنه لم يجد من بين مفكريه من هو داخل الهرم القيادي للحزب بل وجد سقط المتاع من القيادات المغمورة والتي لم نسمع لهم رأيا من قبل. وأما مفكرو الحزب وقياداتهم فقد اختفوا عن الساحة لسبب وآخر. فقط كان من بين هذه الوجوه (عز الدين سليم) رحمه الله وسمه (عبد الزهرة عثمان) وقد تم تدبير اغتياله بشكل واضح ومفضوح عندما كان رئيسا لمجلس الحكم في العراق .صار لزاما علينا أن نجد من يكمل لنا الصورة التي صارت مجتزأة بفعل عوامل التعرية السلطوية التي داهمت أفراد هذا الحزب على حين غرة، وصار لزاما علينا أن نستوضح ممن هو أكثر كفاءة وقدرة على تمييز الأحداث والمواقف التي يتبناها اعضاؤه .

لماذا ماجد الغرباوي

حدثني صديقي القاص حمودي الكناني عن حوار مفتوح مع المفكر الإسلامي ماجد الغرباوي، مؤسس ورئيس مؤسسة المثقف، من قبل مجموعة من كتّاب صحيفة المثقف التي يترأس تحريرها. وكنت قد قرأت العديد من مقالات هذا المفكر واستوعبت ما كان يطرحه بشكل جيد، فوجدت فيه مفكراً بارعا متحرراً من قيود الحزبية والتخندق الطائفي، بعيدا عن كل عقد الفوبيا أو عقدة الشعور بالاضطهاد . قررت المشاركة في الحوار معه، في محاولة لمعرفة الموقف الحقيقي لهذا المفكر، باعتبار أن الأسئلة ستكون مباشرة وحادة وتتطلب بعض الاجابات موقفا واضحا وصريحا لا يقبل اللّبس. حين بدأنا الحوار كنت متخوفا من أسئلتي، وكنت أخشى أن تكون منفّرة، لهذا كنت أُداري أجواء الحوار، ولكن حينما قرأت الأجوبة رأيت شيئا مختلفا عن توقعاتي. لقد كان الغرباوي يجيب بسلاسة عن كل المحاور في الأسئلة الثلاثة التي طرحتها، حيث كان المحور الأول مقارنة بين الفكر الأممي والقومي، والمحور الثاني حول الاضطهاد السياسي، وأما المحور الثالث (الذي تأجل نشره في هذا الكتاب) فهو محور عقائدي متشعب يمس جوهر العقيدة الاسلامية ويمثل منطقة حظر وخطا أحمر.

لقد تبددت كل الغيوم التي كانت تحجب رؤيتي عن فكر الغرباوي ووضحت المعالم الفكرية لهذا الهرم الثقافي، فهو بحق كان كما وصفه أخي حمودي الكناني، وكانت النتيجة أن بقى الحوار مستمرا معه حول المحور الثالث، الذي لم يتضمنه هذا الكتاب. كانت إجابات الغرباوي تفتح أفاقاً جديدة أمامي، وترفد حوارنا بأفكار وطروحات جديرة بالاهتمام. فطروحات الغرباوي كانت تتفوق بشكل كبير على مارسمته في مخيلتي له، واعتقد انه قد تحرر وبشكل مطلق من الحزبية وقيودها وانطلق في فضاءات الفكر الخلاق متجاوزا لكل الخطوط الحمراء التي رسمها له الفكر الحزبي خلال فترة نضاله، فهو لم يعد ملكاً وحكراًعلى حزب معين أو أيديولوجيا محددة، بل أصبح مفكرا، حدود فكره الانسان وساحته الانسانية بعيداً عن العقائد الدينية والمذهبية الضيقة .

ماجد الغرباوي ذلك المناضل الذي انتمى في بداية حياته السياسية إلى حزب الدعوة الإسلامية لم يكن يومها إلاّ شاباً عاش في بيئة اسلامية ومحيط مليء بالعلماء والمفكرين أمثال محمد باقر الصدر الذي كانت طروحاته الفكرية تجذب الكثير من المفكرين الكبار في الوطن العربي، فكيف بشاب مثل ماجد الغرباوي الذي فتح عينه على إسلام تقليدي وفجأة أكتشف فكرا أكثر ديناميكية وقربا للواقع وبعيدا عن الفكر التقليدي الذي كانت تمتاز به الطروحات الدينية التقليدية آنذاك، حيث كانت مدرسة الصدر تفتح آفاقاً كبيرة للفكر الإسلامي المتحرر من قيود التبعية الدينية، فهو يناقش شتى مجالات الحياة والسلطة والاقتصاد ويرسم طريقا أكثر ثورية في بناء الدولة الإسلامية التي كانت حلم الكثيرين من الشباب أمثال الغرباوي الذين كانوا يتطلعون لهكذا نموذج، وهكذا فكر، فهم قد تشبعوا بنظريات الحلال والحرام والحيض والنفاس التي لم تعد تجدي نفعا ولاتغذي فكرا متطلعا لحياة عصرية وسط هذه الثورات العلمية التي تجتاح العالم وبنمط متسارع يحتاج معه الفكر الإسلامي إلى ثورة موازية لتكييف حياة الفرد مع ما يحدث حوله من مستجدات، فكرا يبحث عن مكان له وسط هذا اللامكان الذي جعل الفرد المسلم يبدو وكأنه من كوكب آخر بعيدا عن التطور العلمي والتكنلوجي، يبدو تائها لا مكان له وسط هذا الزحام الفكري في النظريات الاقتصادية والفلسفية والعلمية، فكان هناك خياران للشباب الاسلامي لا ثالث لهما، إما التمسك بعرى الدين الحنيف متبعا لخطى السلف في طريقة الحياة التقليدية وحسب ما يطرحه الفقهاء عن هذه الحياة والالتزام بها وفق تعاليمهم التي استمدوها من خلال دراستهم للفقه الاسلامي، وإما أن يتجه إلى الفكر الغربي المستورد حديثا والذي يبني الدولة وفق معايير علمية جديدة بعيدا عن الدين والتزمت الذي يفرضه رجال الدين على أنظمة الحكم والتشريعات التي تصدر من قبل الأجهزة التشريعية للسلطات .

كانت مدرسة الشهيد الصدر تمثل الحل الوسط بين هاتين المدرستين فهي تطرح الحاكمية وأساليب إدارة الإقتصاد بشكل يتلائم مع الحياة العصرية، خصوصا بعد أن نجحت نظرية البنك اللاربوي في التطبيق عندما تبناها رجال المصارف في الكويت، ويومها واجه هذا البنك عداء كبيرا بعد أن حقق نجاحا مذهلا في انجازاته وبالتالي تم غلقه .

لقد التحق الغرباوي بهذه المدرسة بعد أن وجدها البديل الأمثل لكل ما يطمح له. التحق بها وهو في مقتبل العمر حيث كلفه هذا الموقف أغلب سنوات عمره التي قضاها بين السجن والمنفى الذي ما زال فيه.

إذاً، فالغرباوي مفكر وباحث، يسعى من خلال مشروعه الى: ترشيد الوعي بعد تحرير الخطاب الديني من سطوة التراث وتداعيات العقل التقليدي، عبر قراءة متجددة للنص الديني تقوم على النقد والمراجعة المستمرة، كشرط أساس لنهوض حضاري، يساهم في ترسيخ قيم الحرية والتسامح والعدالة، في اطار مجتمع مدني خالٍ من العنف والتنابذ والاحتراب.

وطالما أكد الغرباوي في تشخيصه لأسباب التخلف والسبل الكفيلة بالنهوض الحضاري: أن المشكلة الأساس وبالدرجة الأولى ثقافية، تتعلق ببنية العقل، والنظام المعرفي لشعوب المنطقة، لأنها القاعدة التي ترتكز اليها النهضة، أية نهضة كانت .

يختلف ماجد الغرباوي في تشخيصه لأسباب التخلف وعوامل النهضة الحضارية، حيث راح يتوغل في العقل والثقافة باحثا عن كيفية تكون البنى المعرفية وما هي المفاهيم والمقولات المؤسسة لها، فكان وما زال يؤكد على نقد جميع الثوابت والقناعات واعادة تفكيك العقل وبنائه وفق قيم ومقولات حضارية، لهذا أكد كثيرا على فهم الدين كمكون أساس لشعوبنا، فاعتبر الفهم الخاطئ للدين أحد الأسباب الرئيسية وراء تخلّف المسلمين حضاريا. وبهذا امتاز عن غيره من رواد النهضة بقدرته على التشخيص والنقد الذي يغور في أعماق الثقافة والفكر، فما عادت الأسباب المطروحة من قبل الرواد الآخرين كافية لوجود نهضة حقيقية بل ما زال الوضع ذاته اذا لم يكن أسوء مع ظهور حركات التكفير الديني .

لماذا هذا الكتاب

قد يعتبر البعض الحوارات، التي تجرى مع أعضاء حزب الدعوة أو الدعاة الأوائل في هذه الفترة، من الهذر السياسي الذي يتردد وسط أجواء تفتقر إلى الصراحة ونكوص في تطبيق النظريات الاسلامية التي كانت تدعو لها الاحزاب الاسلامية، فالمواطن قد اصطدم بحقائق يصعب معها تفسير نظرية الحاكمية في الفكر الإسلامي، ومن الصعب عليه أن يصدق أن ما يجري هو تجسيد للفكر الإسلامي الذي ارتكز عليه مفكرو الأحزاب الإسلامية. غير أن ماجد الغرباوي مفكر وباحث جدير قبل أن يكون داعية إسلاميا أو منتميا لحزب الدعوة الذي غادره مبكرا جدا قبل 30 عاما، ليتحرر والى الأبد من سطوة الأيديولوجيا مطلقا، وأيديولوجيا الأحزاب الإسلامية خاصة، لذا تجده ينتقد، يجادل، يتكلم بموضوعية ومصداقية عالية، بعيدا عن منطق التبرير، ويحاسب حزب الدعوة وقياداته كما يحاسب الأحزاب والحركات السياسية الأخرى. فمنذ أكثر من 33 عاما يواصل ماجد الغرباوي عمله الفكري والثقافي من أجل مشروع آخر يباين مشاريع الحركات الإسلامية، لذا يؤكد دائما على دور الثقافة والوعي، وتحرير الدين من سطوة الفقهاء والتفسيرات الطائفية المتحيزة، والفصل بينه وبين السياسة والتوظيفات الآيديولوجية المخلة بهدف الدين ووظيفته الأساسية في الحياة، وبالتالي فهو يقدّم فهما آخر للدين، يتقاطع مع فهم الإحزاب والحركات الإسلامية التي تجد في الدين وسيلة ناجحة لبلوغ أهدافها السياسية.

قبل الشروع بهذا الحوار لفتت انتباهي محاضرة ألقاها المفكر غالب الشابندر في كربلاء حول هذه المواضيع، لقد كنت استمع وأنا وسط ذهول وحيرة مما طرحه هذا المفكر، وقد كان خلاف ماتوقعته تماما، حيث بدا لي متحررا من كل التبعيات الحزبية والعقائدية والتي قامت على أساسها الأيديولوجية الفكرية لحزب الدعوة، وعندما بدأت حواري مع المفكر الغرباوي وجدت شيئا مشابها إلى حد كبير مع ما طرحه الشابندر، حيث بدا لي أن هذين المفكرين قد شربا من منبع واحد مختلف عن بقية الجوقة السياسية التي تتسيد المشهد السياسي في العراق .

إن ما طرحه الغرباوي في هذا الحوار من أفكار يعتبر محطة اضاءة كبرى للفكر الإنساني المتحرر من التبعية الدينية والمذهبية والايديولوجية وسط هذا الضجيج الفكري الذي يكرّس الطائفية والاحتراب، رأيت من واجبي كإنسان يحترم الفكر الإنساني ويدعو لمشروع الانسان الكوني التعاون مع هذا المفكر لنشر هذه الأفكار في كتاب يمكن أن يوثق للأجيال القادمة الكثير من الحقائق التي سيحاول تغييبها ممن هم في السلطة عن الفكر الجمعي للمجتمع العراقي محاولين اسدال الستار عن حقبة مفصلية وتجربة حقيقية لطريقة بناء الدولة في فكر الأحزاب الإسلامية بكل انتماءاتها وفشلها في صياغة شكل الدولة الذي تم طرحه وفق النموذج الاسلامي والذي تم التنظير له عبر حقبة زمنية طويلة، حيث انتج لنا هذا الحراك الفكري الإسلامي نظاما مشوها نسخة طبق الأصل عن نظام الحكم في الدولة الأموية بل اشد تخلفا ودموية وفساداً .

في النهاية أشكر الأستاذ ماجد الغرباوي على صبره وسعة حلمه، وهو يرد على أسئلتي بتفاعل وروية، يسجّل شهادته التاريخية عن مسيرة المعارضة العراقية بثقة عالية، فكانت أجوبته المفعمة بالثقافة والوعي تنير فضاء الحوار، فتفتح أمامي آفاقا جديدة ساهمت في تطوّر الحوار وتشعّب أسئلته. خاصة ما أدلى به حول حقبة مهمة من نضال الشعب العراقي. فشكراً له باحثا ومفكراً، صارع الحياة وما يزال طلبا للحقيقة.

كما أوجه شكري لكل من ساهم في صدور هذا الكتاب، وينبغي التنبيه أن الكتاب أشتمل على أجوبة أسئلة المحورين الأول والثاني وما زال الحوار مستمرا حول أسئلة المحور الثالث الخاص بالعقيدة والفكر، نأمل في صدوره هو الآخر مستقبلا في كتاب، كي يستفيد منه القارئ الكريم.

ولقد قمت بتقسيم الكتاب الى محاور، وأضفت له عناوين رئيسية وفرعية تساعد على متابعته. أملي أن يفتح الكتاب آفاقا جديدة تساعد على فهم الأزمات السياسية والثقافية في البلاد، وما هدفي من إجراء هذا الحوار سوى الوصول الى الحقيقة، فأنا سعيد بانجاز هذا الكتاب، وأتمنى صدور الكتاب الثاني ضمن هذا الحوار لاحقا بإذنه تعالى.

 

 

طارق الكناني – كربلاء / العراق

10- 11 – 2016        

في المثقف اليوم