شهادات ومذكرات

نبيل احمد الأمير: تجربتي في جمهورية رواندا..

نبيل احمد الامير3 شهور في حياة دولة مسيحية كانت كافية لقلب ديانة الدولة من مسيحية إلى دولة إسلامية.

من خلال تجربتي الخاصة في أحد الدول الأفريقية كممثل للأمين العام للأمم المتحدة ومسؤول برامج الإغاثة للنازحين والمهجرين فيها، قررت كتابة هذه القصة القصيرة عسى أن تكون درساً لأمة أقرأ التي أصبحت للأسف لا تقرأ لتعرف عظمة الإسلام وتاريخهم.

ففي جمهورية رواندا (المسيحية) في قارة افريقيا هاجمت قبيلة مسيحية إسمها (الهوتو) وهي الأغلبية المسيحية الحاكمة في رواندا على أقلية قبيلة مسيحية أخرى إسمها (التوتسي) ودارت أكبر مجزرة بشرية عرفها التاريخ الحديث بل وربما هي اكبر مذبحة شهدتها البشرية.

المسيحيين الهوتو لم يتركوا مسيحياً توتسياً إلا وقطعوه او ذبحوه اوأشعلوا فيه النار، في ذلك الوقت كان المسلمون قلة في هذا البلد، ولم يكن الاسلام طرفاً في هذا النزاع الدائر بين القبيلتين المسيحيتين، وما حدث أن الألاف والألاف من المسيحيين المستضعفين من التوتسي إنطلقوا مسرعين صوب أبواب الكنائس طلباً للحماية ففتح لهم قس (الهوتو) باب كنيسته للدخول، ثم أخبر مليشيات الهوتو لتأتي وتقتلهم، ووصفهم القس حينها بالصراصير، بل أفتى قس الهوتو بقتل التوتسي، فشهدت ساحات الكنائس عمليات إبادة موثقة دولياً حتى في الفاتيكان، ووصفت هذه المجازر بدقة على ألسنة الضحايا فيما بعد عندما وُضعت الدولة تحت الوصاية الأممية الدولية، ولك ان تتخيل أن خلال 3 شهور فقط كانت حصيلة القتلى فيها قد بلغ 800 ألف مسيحي على يد مسيحي آخر بواقع 6666 قتيل كل يوم.

فقد قتل الجيران جيرانهم لانهم توتسي، كما قتل الأزواج زوجاتهم المنتميات للتوتسي، واحتُجزت الآلاف من نساء التوتسي لإغتصابهن.

وفي ظل هذا النزاع الدموي كان للإسلام في رواندا كلمة اخرى ورأي أخر، حيث علت مكبرات الصوت في مساجد المسلمين الأقلية لتقول إن الدم حرام وأفتى مشايخ المسلمين بحرمة الدماء. وبحُرمة مساندة المسلمين على قتل المسيحيين التوتسي، ووجب على كل مسلم من الهوتو حماية أي توتسي يستنجد به سواء كان مسلماً او مسيحياً.

صرخ مشايخ المسلمين (العصبية للقبيلة جاهلية وأن المسلم أخ للإنسانية).

فرفض أئمة مساجد المسلمين تسليم أي توتسي مسيحي يستنجد بهم، ومنع أي مسلم تسليم أي مسيحي توتسي يستنجد به.

بعد إنتهاء الحرب الاهلية أصبحت دولة رواندا مدمرة، وتحولت البنية التحتية للبلد إلى أنقاض، وخلفت مئات الآلاف من الناجين الذين يعانون من الصدمات النفسية، والشكوك العقائدية والرغبة في معرفة هذا الدين (الإسلام) الذي حرم الدماء وكان ملاذاً أمناً للبعض منهم..

ملايين المسيحيين مصدومون من إجرام القساوسة، ومصدمون في عقيدتهم نفسها، فتحولوا بالملايين إلى دين الإسلام بشكل يصعب وصفه مما دفع كل وسائل إعلام في العالم لتغطية هذا الإنتشار الكبير للإسلام في رواندا.

الشيخ "صالح هابيمانا" ـ مفتي المسلمين في رواندا يقول ـ إن الإسلام اليوم أصبح منتشرا في كل مكان في رواندا.

وصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقول إن مقتل نحو 800 ألف رواندي في عمليات الإبادة الجماعية لم يؤدي فقط لفقدان ثقة المواطنين في حكومتهم، بل في ديانتهم أيضا، إذ تهيمن المسيحية الكاثوليكية في هذا البلد الذي بات الإسلام فيه هو أسرع الأديان انتشارا.

البي بي سي البريطانية تقول : قد كان للملاذ الآمن الذي وفره المسلمون للتوتسي وحمايتهم من الهوتو أبلغ الأثر في تحول الكثيرين للإسلام في ذلك البلد.

هذه هي القصة الإسلام الذي عبر عن نفسه وجسده واقعاً لملايين المسيحيين حرفياً في دولة رواندا التي تحولت من المسيحية إلى الإسلام.

لقد كان عدد المسلمين قبل الإبادة الجماعية 650 ألف مسلم، واليوم أصبح المسلمون في رواندا 5 مليون في دولة عدد سكانها 11مليون.

سجلنا في الأمم المتحدة ان جمهورية رواند هي أكثر دولة في العالم ينتشر فيها الإسلام، وهذا ثابت وموثق ومعلوم ومنشور، لكن المشكلة فقط أن أمة إقرأ لا تقرأ لتعرف حكاية رواندا مع الاسلام، وهي أعظم حكاية يمكن ان تُنشر، وهي ليست قديمة ولا غارقة في سنوات التاريخ بل حدثت في عصرنا وفي حياتنا وفي وجود الإنترنت والعولمة والقرية الصغيرة الواحدة.

فتح الله رواندا بالاسلام ثم صالحهم ثم هداهم ثم اكرمهم ثم أغناهم، فأصبحت رواندا الدولة الافريقية النموذج الاقتصادي الانجح في إفريقيا على الإطلاق، وتحولت من دولة مجاعات وحروب إلى دولة صناعات ونهوض.

وأخيراً اُعانت مدينة كيجالي عاصمة رواندا عام 2020، كأفضل وأكثر 10 عواصم بالعالم أمناً وجاذبية.

أيها العراقيون مسؤولون وعامة، ياأصحاب الحضارة والتاريخ.. لتكن رواندا لكم نموذجاً لتبنوا فيه وطننا العراق، ولتتصالحوا بنية وحب السلام والإسلام العظيم.

 

بقلم: د. نبيل احمد الأمير

 

في المثقف اليوم