شهادات ومذكرات

محمد بوفلاقة: ذكرى رحيل الناقد رابح العُـوبـي

محمد بوفلاقةالباحث العصامي والأستاذ المتميز بكلية الآداب في جامعة عنابة

كان الأستاذ الدكتور/ رابح العُوبي - رحمه الله-أستاذاً متميزاً، وأديباً، وعالماً، ومتخصصاً في عدة مجالات في الأدب العباسي، والنقد، والثقافة الشعبية، والدراسات الإسلامية، وقد وافته المنية يوم: 30آذار-مارس2019م، بعد أن ألف عشرات الكتب العلمية، والأكاديمية الثمينة، وقد كان يعمل بقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة عنابة؛ أمضى أغلب مراحل عمره في تكوين الباحثين، وخدمة العلم والمعرفة، وهو رابح بن محمد العُوبي؛ ولد سنة: (1366هـ/1947م) في منطقة (بني خطاب) بأعالي (تاكسنة) الواقعة جنوب غرب ولاية (جيجل) شرق الجزائر؛ ولم يلتحق في صباه بكتّاب القرية لحفظ القرآن الكريم كعادة أبناء الجزائر في ذلك الزمن؛وذلك بسبب ظروف القرية التي نشأ فيها، وانطلق في الدراسة الابتدائية وعمره خمس عشرة (15) سنة؛حيث درس بمدرسة مسجد (أبي مروان الشريف) بمدينة (عنابة) في الشرق الجزائري؛ وذلك خلال الفترة الممتدة من: (1962-1964م)، ونال الشهادة الابتدائية سنة: (1382هـ/1963م) بعنابة، والتحق بعدها بمدرسة ترشيح المعلمين سنة: 1964م، وأنهى دراسته بها سنة: (1968م)، بعد نيله شهادة إنهاء الدروس بعنابة، وفي الآن ذاته كان يدرس بالمدارس الحرة؛ فحصل على الشهادة الأهلية في أفريل سنة: (1967م) بعنابة، وانضم إلى أسرة التربية والتعليم؛فمارس التعليم الابتدائي، ونال الجزء الأول من شهادة الكفاءة العليا للتعليم سنة: (1969م)، وحصل على الجزء الثاني منها، سنة: (1970م) بمدينة عنابة، كما أحرز على شهادة إنهاء الدروس بالمعهد التكنولوجي للتربية لتكوين أساتذة التعليم المتوسط بقسنطينة سنة: (1971م)، ونال شهادة البكالوريا في السنة نفسها؛ كما أحرز في ذلك العام شهادة الكفاءة لأساتذة التعليم المتوسط بمتوسطة خليج المرجان بعنابة؛ ثم حصل على شهادة الكفاءة للتعليم الثانوي، والتحق بعدها بجامعة(قسنطينة)، وحصل فيها على شهادة الإجازة عام: (1973م)، ونال شهادة المنهجية من الجامعة نفسها، عام: (1974م)، كما درس الحقوق بجامعة (قسنطينة)، ثم تابع الدراسة بجامعة (عنابة)، واكتفى بالسنة الثالثة خلال الموسم الجامعي: (1977-1978م)، وأحرز على ديبلوم الدراسات المعمقة من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة (قسنطينة)، عام: (1979م)، ونال درجة الماجستير في الأدب العربي القديم من جامعة(قسنطينة)، سنة: (1981م)، بعد أن أنجز رسالة موسومة ب: «فن السخرية في أدب الجاحظ»، وتحصل على دكتوراه الدولة من جامعة منوبة بتونس سنة: (1996م)، بعد أن أنجز دراسة موسعة في ثلاثة أجزاء عن النقد العربي القديم، عنوانها: «المدونة النقدية في القرنيين الثاني والثالث ـ جمع ودراسة . الجزء الأول في النقد النظري، والجزء الثاني في النقد العملي، والجزء الثالث في المعايير النقدية» . وقد شارك الباحث الدكتور (رابح بن محمد العوبي) في عشرات الملتقيات العلمية، والندوات الوطنية والدولية في مختلف الجامعات الجزائرية، والعربية، ولاسيما منها الجامعات الأردنية، ونشر عشرات المقالات الأكاديمية، معظمها في مجلات مُحكمة، وعمل أستاذاً جامعياً خلال مرحلة تزيد عن أربعة عقود؛ حيث كانت أول سنة يُدرس فيها بالجامعة سنة: (1974م)، وقد تُوفي سنة: (1440هـ/2019م).

ومن أهم مؤلفاته: (فن السخرية في أدب الجاحظ)، و(فلسفة الصيام-بحث في حقيقة الصيام التاريخية والدينية والعلمية)؛وهذا الكتاب بمنزلة موسوعة فقهية، وعلمية شاملة عن الصيام وفلسفته، ويقع في ثلاثة أجزاء، صدرت طبعته الأولى عن ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر، سنة: (1409هـ/1989م)، وطبع عدة طبعات أخرى داخل الجزائر وخارجها؛ نظراً لأهميته؛ وقررته عدة معاهد إسلامية على الطلاب في الجزائر وشتى أقطار الوطن العربي؛ وقد ذكر في مقدمة هذا الكتاب أن موضوع هذا البحث هو: «دراسة الصيام من ثلاثة جوانب، وهي المتعلقة بالتاريخ، والأحكام، والأسرار، وقد سميته(فلسفة الصيام)، لأنه يُعالج حقيقته، لا بسرد المعارف المعروفة عنه فحسب، وإنما بالاستمرار في البحث والتحليل والتعليل والاستنتاج الذي يُقربنا من الحقيقة بكل خطوة نخطوها نحو الهدف، ويفتح أمامنا آفاقاً نُطلّ منها على أهمية الصّيام وقيمته في حقيقته الدينية والطبية؛وهذا من شأنه أن يزيد معرفتنا عنه عُمقاً، ويُوسع إدراكنا لمنطوياته، ويطرح لنا قضايا جديرة بالبحث والتساؤل، مما يضطرنا إلى البحث العميق في بقية العبادات، على غرار بحثنا في الصيام، فتقوى عقيدتنا، وتتناسق حياتنا؛ لترقى إلى مستوى المثالية الفاضلة.وطبيعة الصيام-بما فيه من التزام وسلوك ونظام وتأثير-تستدعي الغوص في البحث والتنقيب، للكشف عن كنوزه الثمينة، واطلاع العقول على ما فيه من جواهر ولآلئ وضيئة، ترشدُ وتسعد، وتعدُّ وتعز، وتبني وتصقل، وتقي وتثبت، وتعطينا صورة زاهرة عن حكمة هذه الشعيرة العظيمة، والفريضة الكريمة، التي تصون النفس عن المدنسات، والجسم عن المنغصات، والحياة عن المُوبقات، فتسمو الروح، ويصفى البدن، وتغدو الحياة حياة عز وسلم.ومن هنا تبدو لنا أهمية هذا الموضوع في محراب الدين.فهو يزيدنا تفقهاً، ومن ازداد تفقهاً ازداد خيراً، وقوة رهيبة؛مادية ومعنوية، تجعل الإنسان يعبد الخالق على علم وبصيرة بشؤون دينه، تاريخه وأحكامه وأسراره المتصلة بحياته...».

ومن مؤلفات الدكتور(رابح العوبي) المتميزة كذلك، كتاب: (أنواع النثر الشعبي)، والذي صدر عن منشورات جامعة الشهيد باجي مختار بعنابة، سنة: 2000م، وقد استهله بالتمهيد إلى هذا الموضوع الشائق، والإشارة إلى الأسباب التي دعته إلى تأليف هذا السفر؛ فذكر أن الأمم تُعبر عن خلجاتها النفسية من خلال أدبها الشعبي، وثقافتها الشعبية؛ حيث تعكس تلك الثقافة اهتماماتها الروحية، ومداركها الوجدانية العقلية، بأسلوب غير خاضع لقانون الإيقاع المتناسق، إلا ما جاء عفو الخاطر، ولا يُغالي في استعمال الصور، والأخيلة، وهو(الأدب والنثر الشعبي) المتميز بمرونته، وسهولته؛ مما يسمح بالتفاهم، والتعبير عن حقيقة الأشياء، والإبانة عن الأغراض النفسية، والخواطر الفكرية، بلا كلفة، ولا صنعة، إلا ما يكون من وضع الكلام في مواضعه، وإيثار ما يألفه السمح، وما ينسجم مع الطبع، وهو بذلك يُعبر عن مظاهر الوعي، والشعور الجمعي الذي تصدر عنه الأفعال، والتعابير الواعية، ذات المغزى، والجذور النفسية التي ينبع منها، وهي في جلها، ومجملها تشكل الاهتمامات الروحية التي دفعها إلى الظهور، ومن ثم فهو يتلون، ويصطبغ بطابع أدبي شعبي، يتسم بثراء رموزه، وغنى معانيه، ودلالاته، التي تختزن فيها اهتمامات الفرد الشعبي، وتكمن فيها هواجسه، وتجاربه مع نفسه من جانب، ومع الطبيعة من جهة أخرى، حتى لكأن الحياة الشعبية تحدث من خلال الكلمات المعبرة التي تلقى هوى بين أفراد الشعب، الذي يُلفي فيها روحه، وتجاربه، ومشكلاته، وما يعتمل في نفوسه، ولذلك فإن هذا الشكل الأدبي الشعبي يعكس ما يمر في الأذهان من الخواطر، والأخيلة، والمشاعر، والأحلام؛ ومن ثم فهو يُحقق المتعة المرتبطة بمصيره، وقضاياه الاجتماعية الكبرى التي يؤثر فيها، ويُثريها بعناصره الفنية، والجمالية، وبذلك يغدو أداة مطواعة في صقل الشخصية البشرية، وتكوينها تكويناً أدبياً يتسم بالإمتاع، والمؤانسة، والفكاهة، فصفة الشعبية تميز هذا الشكل من الأدب الشعبي، وهي ذات ظهور فردي؛ لأن هذا الفرد يعيش حياة شعبية محضة، وخالصة، بيد أن ما يميزها هو ذلك النشاط الإبداعي، الذي يُحلق بجناحي الفكر، مُتخطياً الزمان، والمكان، ويتمثل هذا الإنتاج في النصوص المتوارثة عبر الأجيال، والمنتقلة مع تقاليد الشعب الذي فسرها، وأخضعها لإرادته، وأداء اهتماماته الروحية. ويُنبه الدكتور(رابح العوبي) إلى أن في كتابه: (أنواع النثر الشعبي)، ما «يقطع الشك باليقين، وهو يكشف لنا السجف لنطلع على أنواع أدبية شعبية نثرية موجودة في الأدب الشعبي العالمي كلّه.ولعل القارئ الكريم يجدُ في كل ذلك بغيته، وكل ما أرجوه، أن أكون قد ألممت بما يعرفه بأشكال هذا النثر الشعبي».

ومن بين كتبه التي تكتسي أهمية بالغة، كتاب: (مضامين الرسائل الاخوانية في القرنين الثاني والثالث للهجرة)؛والذي صدر في طبعته الأولى عن منشورات مطبعة سيبوس بعنابة، سنة: 2005م، وكتاب: (في الفصاحة العربية)، و(المدونة النقدية في القرن الثاني والثالث)، و(المقامة البغدادية ـ تقديم وشرح وتحليل)، و(المثل واللغز العاميان)، و(القراءة : مفاهيم ومظاهر وشروط وقواعد وأنواع)، و(اتجاهات في الشعر التونسي من خلال ديوان رحلة في العبير لنور الدين صمود)، و(البلاغة: مفاهيم ومظاهر من العصر الجاهلي حتى العباسي)، و(حد الشعر لدى رواد التفكير النقدي الأدبي الحديث)، و(الكتاب في ...)، و(مضامين الرسائل السياسية في القرن الثاني والثالث للهجرة)، و(الطبابة: تاريخ وقواعد وأخلاق).

 

بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفـلاقة

كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

 

في المثقف اليوم