شهادات ومذكرات

محمد مجتهد شبستري: العلامة محمد حسين الطباطبائي

3367 محمد مجتهد شبستريبقلم: الشيخ محمد مجتهد شبستري

ترجمة: ولاء الخاقاني


 تعلمت منه أن "الإيمان" يجب أن يروى "بالتفكير والتعقل" وإلا سيؤدي إلى العنف.

كيف يمكنني أن أغض بصري عنه / فأنا برؤيته أصبحت بصيرًا (سعدي الشيرازي)

عندما تطلبون مني أن أكتب عن تلك الروح الجميلة، العارف، الفيلسوف، ومعلم الكل، العلامة الطباطبائي، كيف لا أقبل هذا الطلب ولا أكتب عنه، ولا أستمتع بذكراه. فأنا لازلت متأثرًا بشدة بشخصيته وسلوكه وإفاضاته. محمد حسين الطباطبائي أستاذ الفلسفة والتفسير في حوزة قم العلمية لسنوات طويلة من دون منازع. وجوده مليء بالبركة. من خلال تدريس الفلسفة في الحوزة غيّر بشكل كبير المناخ الفقهي المتجمد لصالح التعقل الفلسفي. من خلال تدريس التفسير التحليلي والمنهجي للقرآن، أوضح لطلاب الحوزة  ان أساس المعرفة الإسلامية هو "القرآن" وليس النصوص الفقهية والاصول أو الأحاديث. بتقديم دروس حول أصول الفلسفة في ليالي الخميس تحدى المادية للدكتور تقي أراني وأمثاله، ووضع الأساس لعلم الكلام الجديد في الحوزة، الذي للأسف لم تتم متابعته.

هو كفيلسوف مسلم مهّد طريق الحوار مع الفلسفة الغربية في إيران. ليس من المبالغة القول ان من حرّك الفكر الديني في الحوزات الشيعية في القرن المتأخر، وأدخله إلى حد ما إلى العصر الحديث، هو الطباطبائي وليس غيره. الطباطبائي هو الراعي الأول للعديد من البذور الفكرية الجديدة التي تنمو وتزدهر في هذه الحوزات اليوم، وإن كانت الاسباب والعوامل عديدة، ولكن دون شك له دور مهم.

بالإضافة إلى كل ما قدمه من إضافات عقلانية، كان الطباطبائي مرآة مضيئة للعرفان الإسلامي الإيجابي، الحضور في مقامه ارتقاء للروح البشرية. عندما تستمع إلى كلماته العرفانية تدرك أنه أخرجك من المكان والزمان الكمي. كانت شخصيته مميزة للغاية، وكان مؤثرًا جدًا وقدوة يحتذى بها. أظهرت حياته أن عرفانه لم يأت من الكتب، يتمنى الإنسان أن يعيش كما هو.

 أنجز الطباطبائي كل أعماله العظيمة بتواضع، بدون تكسب بمادة أو طلب لشهرة. يعرف تلامذته أنه لسنوات عديدة كان يكسب رزقه من حقوق التأليف والنشر الضئيلة التي يحصل عليها من نشر تفسير الميزان. قبل ثورة   1979 تعرض لضغوط للتوقيع على بيان، قال ليس لدي أي شيء من هذه المؤسسة غير هذه الثياب وسأخلعها جانباً إذا لزم الأمر.

أظهر من خلال طريقة حياته أن الحديث عن الإيمان لا ينبغي أن يتحول الى مهنة، وإذا كان كذلك، فسوف ينهار الإيمان. أوضح أن الإيمان يجب أن يتغذى "بالتفكير" و "التعقل" وإلا سيتحول إلى عنف. كما بيّن أنه يجب التخلي عن اللغة المبتذلة، الغير منضبطة، من دون تأمل وتعمق في التعليم أو تدريس علوم الدين.

كاتب هذه السطور الذي كان يحضر دروس تفسيره للقرآن، بحماس كبير، لفترة من الزمن وينتفع بها كثيرًا، وأحيانا يستمتع برشفة من مرافقته الشخصية، عندما يتامل مسيرة حياته الفكرية يرى تأثير  الطباطبائي أكثر من أي شخص آخر. خلال الثمانية عشر عامًا التي درستها في حوزة قم، من بين جميع الشخصيات المختلفة كان الطباطبائي بتعاليمه وشخصيته وسلوكه هو الوحيد الذي يدعو الشباب من عمري إلى التفكير، والتخلص من جمود المظاهر والنهي عن الوقوع في فخ الألقاب وحب التصدر والزعامة.

 لي ذكرى لطيفة معه، أتذكر قبل أن أصل إلى سن العشرين وقعت في قلق نفسي كان يزعجني كثيرًا. ذات يوم بادرت لموقف أخرق غير مدروس لحل هذه المشكلة. ذهبت إلى منزل الطباطبائي في المساء دون أي مقدمة. طرقت الباب، هو بنفسه فتح الباب، وبعد أن استقبلني، استفهم قائلًا ماذا تريد؟ قلت: سيدي كنت أتساءل لبعض الوقت كيف يمكن للمرء أن يؤمن بإله مختلف عن العالم ومنفصل عن العالم، لا أستطيع أن أقبل مثل هذا الإله. ابتسم الطباطبائي، وقال: نعم، هذا صحيح، الله المنفصل عن العالم لا معنى له، الله ليس منفصلاً عن العالم. وقدم توضيحًا لذلك. لقد أراحتنى هذه الإجابة فودعته وغادرت. في وقت لاحق شعرت بالخجل من نفسي، لكوني كنت متهورًا لدرجة أنني ذهبت إلى منزله دون مقدمة وازعجته. في السنوات التالية، عندما درست الفلسفة الإسلامية، وأكملت ما قرأته من خلال دراستي الشخصية، فهمت بشكل أفضل التفسيرات الموجزة التي قدمها لي.

 

 ..........................

** مقتبس من جريدة إيران بتاريخ 14 تشرين الثاني 2015

 

في المثقف اليوم