شهادات ومذكرات

محمد جواد فارس: الزعيم حسن عبود عسكريا لامعا ومناضلا شجاعا

(عليك أن تفهم أن في وطني تمتلئ صدور الابطال

بالرصاص .... وتمتلئ بطون الخونة بالأموال ....

ويموت من لا يستحق الموت على يدي من لا يستحق الحياة)

محمد الماغوط

إن تاريخ العراق الحديث مليء بصفحات مجيدة سطرها رجال، رحلوا ولكنهم تركوا للأجيال صفحات مطوية لما قاموا به من اعمال خالدة، كل في مجاله،العسكري والطبيب والمهندس والحقوقي وغيرهم من أصحاب الاختصاصات التي بنت دولة العراق منذ 1921 بعد حصولها على الاستقلال الشكلي، واليوم اتذكر أحد أبرزالشخصيات العسكرية العقيد حسن عبود الجبوري وهو من عائلة سكنت مدينة الحلة، عرفت بتاريخها النضالي ابان الاحتلال العثماني للعراق، وما قام به الاتراك من الاستهتار بشعب وادي الرافدين والعمل من أجل أذلالهم، ولكن شعبنا لم يرضخ لهذا الاحتلال القمعي والهيمنة، وماحدث في مدينة الحلة أيام دخول القائد العسكري عاكف الا دليل على مقاومة الشعب له، عاكف كان قائد عسكريا كبيرا في الجيش العثماني واراد ان يثبت سلطته القمعية بالنار والحديد والقمع والأغتصاب تصدى له فتية من شباب الحلة بمقاومة مسلحة بطولية كبدت المحتل خسائر جسيمة، وكان من ابرز القيادين لهذه المقاومة هو احد ابناء عم حسن عبود وكذلك عبود والد حسن من من عائلة ملا ابراهيم الجبوري، مما أعدموا بعد القبض عليهم على مرئى ومسمع من أهالي الحلة لغرض تخويف المناضلين من الشباب المقاومين للمحتلين الغزاة،وحدثت مجزرة قام بها عاكف وجيشه المحتل، حتى ان اهالي الحلة ولبشاعة المجازر والاغتصاب الذي حدث راحوا يرددون لاحقا (أحي يدكة عاكف للموت ما ننساكي). وفي دكة عاكف وانتفاضة اهالي الحلة ضده فقد أقدم عاكف وجندرمته على الحكم شنقا حتى الموت على نشطاء الانتفاضة وكان عددهم (127) رجلا ومن ضمنهم ملا ابراهيم الجبوري وولده عبود وهو والد حسن عبود . وهذه العائلة انجبت حسن عبود والذي شارك في ثورة الربع عشر من تموز المجيدة عام 1958، كان قائد عسكريا فذا يعتمد عليه في الشأن العسكري وأدارة الاعمال الحربية، مما ارسله الزعيم عبد الكريم قاسم الى الموصل الحدباء، للقضاء على تمرد العقيد عبد الوهاب الشواف في معسكر الغزلاني عام 1959، بعد مهرجان انصار السلام في الموصل والاحداث المئساوية التي اقدم عليها القومين والبعثين،وهنا لا بد من الاشارة الى الدور الذي قام به عبد الناصر في التامر على ثورة تموز 1958 وذلك لان الشعب العراقي ومنهم الشيوعيين والديمقراطيين كان قد رفعوا شعار الاتحاد الفدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة بينما رفع القوميين والبعثيين شعار الوحدة الفورية، مما جعل عبد الناصر الذي كان راغب في الوحدة لمعرفته في ثروات العراق النفطية والزراعية ومنها التمور،وعبد الناصر كان قد ارسل برسالة شفهية عن طريق محمد حسنين هيكل الى الولايات المتحدة عن طريق سفيرهم في القاهرة مفادها (ان الوحدة مع سوريا لن تستهدفكم وانما تستهدف الشيوعين) ومن هنا بدء التامر على العراق وفي الموصل حيث تم قتل الشخصية الوطنية المعروفة كامل قزانجي المحامي ونصير حركة السلم في العراق، وكامل قزانجي ابعده النظام الملكي مع مجموعة من الوطنيين ومنهم توفيق منير واخرين، وعندما جاء الى محكمة الشعب ليشهد على المتهم بهجت عطية، كان يحمل منديل سأله المهداوي عما كان يحمل بيده،قال له سيادة الرئيس عندما ابعدت عن الوطن أخذت معي حفنة من تراب وطني، لي أشم رائحة الوطن من خلال تربته، هكذا كانوا الشيوعييون وطنييون.

وأستشهد العسكري المقدم عبدالله الشاوي وقتل أكثر من ستون شيوعيا وديمقراطيا من قبل القومين والبعثين لا لذنب وانما كانوا مخلصين للجمهورية الفتية، وحدث الاحتراب السياسي بين القوى التي كانت متحالفة في جبهة الاتحاد الوطني، وكانت المهمة هو بسط الامن من قبل امر موقع الموصل العقيد حسن عبود وابلى بلاء حسن في توفير أجواء الامن والاستقرار بعد ذلك، وبعد أنقلاب شباط الدموي عام 1963 اعتقل الزعيم حسن عبود في قصر النهاية وعذب واستخدمت معه شتى الاساليب الا أنسانية كما كانت تجري قي قصر النهاية من قبل الحرس القومي وباشراف من قيادة حزب البعث وامين عامها علي صالح السعدي صاحب مقولة (جئنا بقطار أمريكي) والتي أستشهد الكثير من قادة الحزب الشيوعي العراقي وفي المقدمة السكرتير الاول للجنة المركزية سلام عادل ورفاقه وأستشهد وسحن الف من الشيوعين والديمقراطين على مستوى العراق من شماله حتى جنوبه . وشاء القدر ان التقي بالزعيم حسن عبود في معتقل الموقف العام قرب سجن بغداد المركزي وذلك في الفترة 1965 – 1966 في القلعة الرابعة، وكنت انذاك أعد الشاي للرفاق في القلعة، ولكوني ابن لصاحب مقهى الوالد جبار فارس، كنت ازوره ومعه في الغرفة الدكتور صلاح ناهي الخزرجي والرائد قاسم جرادة امركتيبة الدبابات قبل انقلاب شباط،وكان معنا في القلعة الرابعة معتقلي احداث الموصل : يوسف الصائغ، مصطفى نجيب العمر، ومال الله حياوي واخرين وكان معنا مدالله مليك الراوي الذي أضرب عن الطعام أكثر من شهر من اجل أطلاق سراحه، كان يحدثنا حسن عبود عن احداث الموصل وما جرى فيها من قتل واغتيالات حتى شملت أطفال عوائل الشيوعيين والديمقراطيين، وكذلك لماجرى له في قصر النهاية، وروى لنا حادثة قال أثناء التحقيق معي واذا باحدهم حرس قومي يطلب مني ان أفتح فمي واذا به يدخل (جلابتين) وهي اداة لقلع البسامير، وحول قلع احد اسناني قائلا : لدي نذر ان أذهب به الى الموصل، هكذا كانوا يتعاملون بقساوة مع البشر، وفي احدى المرات حدث نقاش حول سياسة الشهيد سلام عادل انتقد قاسم جرادة سلام عادل ,رد عليه حسن عبود قائلا له هو من اساء الى حزب سلام عادل انسيت اسلوبك بالتحقيق مع الشخصية الحقوقية المعروفة عبد الرحمن البزاز، هكذا كان ابو سمير حسن عبود مخلصا لمبادئ الحزب . أما قضية اخرى أسردها وهي فقد قررت المنظمة في القلعة الرابعة أجراء ندوة موضوعها عن سياسة الحزب يحاضر فيها حسن عبود، بدء الحديث عن ثورة الرابع عشر من تموز ودور جبهة الاتحاد الوطني في نجاحها مستطردا عن تامر الدول الغربية ومصر العربية عليها، كل منهم يريد شيئ ما من أجل اسقاط النظام القائم فالغرب يفكر بشركات نفطه وكيفية الحصول على الامتيازات الكبيرة من أجل المال، ومصر المطالبة بالوحدة مع العراق االغني بثرواته نفطه وبلحه، وتحدث عن حركة الشواف الدوافع، وما جرى في الموصل الحدباء، وتطرق الى السؤال الأهم في هذه الندوة، هو لماذا لم يستلم الحزب الشيوعي العراقي السلطة من يد عبد الكريم قاسم علما بأنه كان مؤهلا جماهيريا من خلال التظاهرة المليونية في الاول من أيار عيد العمال العالمي ؤ كذلك وجود قادة عسكرين في تنظيمات الحزب والتي كان يقودها المناضل عطشان ضيؤول، طرح السؤال على الحضور، هو اختار كاتب السطور للجواب أولا لاني كنت أصغر المعتقلين سنا وكان عمري في حينها ثمانية عشر سنة، أجبته بما يلي: رفيق كان الحزب ومن خلال جماهيريته في الشارع وتوسع تنظيمه يفكر بأن عبد الكريم قاسم سوف يمنح الحريات الديمقراطية للاحزاب والصحافة والتنظيمات الفلاحية والطلابية والشبيبية والعمالية والمنظمات المهنية وغيرها لفسح المجال للتنافس الديمقراطي الحر على مقاعد مجلس لنواب الشعب خلال فترة قصيرة يتم فيه صياغة دستور دائم للجمهورية وكذلك أعداد الخطط الخمسية للبناء العراق وفق سياسة منهجية، ومن هنا كانت فكرته هو استلام السلطة عن طريق التوجه البرلماني وليس الانقلابي، ولكن الذي جرى من انتكاسة في تسلط ودكتاتورية الزعيم واعتماده على العساكر من القومين والبعثين، وزج خيرة المناضلين في السجون والمعتقلات وابعاد الكوادر العسكرية الوطنية المحسوبة على الشيوعيين والديمقراطيين واحالة قسم كبير منهم على التقاعد او تنسيبهم الى اماكن مدنية اوعسكرية غير فعالة انت يارفيق من ضمنهم ولذلك حدث انقلاب شبا ط الدموي في عام 1963، ضحك الرفيق وقال لي هكذا كان يثقفوكم في الحلقات الحزبية اجبته بنعم، وشرح كثيرا موقف العسكر في اقناع التنظيم في استلام السلطة ولكن للاسف لم يكن هناك استجابة من بعض القيادين في الحزب . حسن عبود كان يتمتع بعلاقات حميمية لدماثة أخلاقيه مع كل المعتقلين في القلعة، وكان يزوره اخيه الدكتور الاستاذ الجامعي أعتقد كان أٍستاذ في مادة الكمياء الدكتور يوسف عبود (ابو فارس)، وكذلك عادل جلال كان وزيرا سابقا، أضافة لعائلته، وأصدقائه من معارفه، كان حسن عبود (ابو سمير) علاقات رفاقية مع الكثير من الشيوعيين العسكرين الذين شاركوا في ثورة الرابع عشر من تموز من هم العقيد غضبان السعد ووصفي طاهر والمهداوي وعطشان ضيول وجلال جعفر الاوقاتي وخزعل السعدي وداود الجنابي وابراهيم كاظم ومنعم حسن الشنون وخالد سارة وأخرين مع حفظ الرتب العسكرية لهم . كان حسن عبود يشاركنا في كل النشاطات الثقافية والفنية وكذلك الرياضية، عندما كنا نتسابق مع رفاقنا في القلعة الثانية  تجري المسابقة في كرة السلة برعايته، ويقوم بدوره بتوزيع الجوائز على الاعبين من كلا الفريقين، والجائزة باكيت بسكيت لكل لاعب . وكنا نستعين به في كثير من الامور الخاصة والعامة لتاريخه ولتجاربه في الحياة والسبب في كتابتي عن شخصية الزعيم حسن عبود الجبوري لوطنيته واخلاصه للوطن والشعب، ولتذكير الاجيال بتاريخ الوطنيين الشيوعيين الذين بذلوا الغالي والنفيس من اجل الوطن والشعب، قدموا قوافل من الشهداء، من أجل وطن حر وشعب سعيد. وانا أهيب بكتاب مثقفي جيلي الخمسينات والستسينات ممن هم لازالوا على قيد الحياة للكتابة عن شخصيات لعبت دورا مهما في تاريخ العراق السياسي الحديث وتركت بصمات مؤثرة في هذا التاريخ .

 

محمد جواد فارس - طبيب وكاتب

 

في المثقف اليوم