شهادات ومذكرات

محمود محمد علي: فاروق جويدة.. الشاعر المتيم بالحب والرومانسية

تحتفي المجتمعاتُ المتحضّرةُ بأعلامها الملهِمين الكبار، فتنشر آثارَهم وتعرّف بها في حياتهم، وتوّفر لهم أفضلَ الفرص، وتقدّم لهم ما يؤمن لهم حياةً حرةً كريمة، لأنها تدرك أن قيمةَ الأوطان تُكتسب من رصيدها الحقيقي بحضورِ هؤلاء الأعلام ومنجزِهم الكبير، لكن أكثرَ الناس في مجتمعنا لا يهمّهم الاحتفاءُ بالملهِمين الكبار في وطنهم، وإن كانوا يحتفون بأعلام ينتمون إلى أوطان أخرى، وتنفق وزاراتُ الثقافة والتربية والتعليم والمؤسّساتُ الأدبية والفكرية الحكومية وغيرُ الحكومية ميزانياتٍ فلكيةً من دون أن تخصّص جوائزَ لتكريم المفكرين والمبدعين من ذوي المنجز المميز.

اليوم أود أن أحتفي بالكتابة عن علم من أعلام الشعر والفكر والثقافة ألا وهو الشاعر المصري المبدع "فاروق جويدة" والذي يعد واحدا من أهم شعراء مصر العصر الحديث، وذلك بما يتميز به من رومانسية، واستخدام المفردات اللغوية الجميلة، ولا أنسي تغنى فاروق جويدة ليس فقط للرومانسية والحب، كما تغنى أيضاً للوطن أجمل الاشعار، وكذلك تغنى للقدس؛ علاوة علي تفوقه في كتابة المسرحيات الشعرية، وإن كان سر تمييز فاروق جويدة من بين الشعراء المصريين هو سلاسة أسلوبه واستخدامه للمفردات الانيقة والعذبة، وكذلك أسلوبه الموسيقي العذب، الذي اعتمد على الاحساس الصادق (1).

علاوة علي تمكنه من امتلاك قلب وفكر الكثير من الناس، وذلك لكونه يعد من الأصوات الشعرية الصادقة والمميزة في حركة الشعر العربي المعاصر، حيث نظم كثيرا من ألوان الشعر ابتداء بالقصيدة العمودية وانتهاء بالمسرح الشعرى، ويجد القارئ لقصائده العديد من المعاني الجميلة التي تفيض بالمشاعر المعبرة والأحاسيس فنجده ينظم قصائد الحب الحالمة الناعمة إلى جانب القصيدة الوطنية الثائرة، وقد برع في كليهما.. ولم يكتف جويدة بعشقه صاحب للشعر، فهو أيضا حس صحفي مميز وله آرائه الجريئة التي نجده، يحمل فيها الهم المصري والعربي معا وله مقالة بصحيفة الأهرام بعنوان "هوامش حرة" يعرض من خلالها آرائه المختلفة (2)؛ وقد تغنى بأشعار فاروق جويدة مجموعة كبيرة من المغنيين الكبار والفرق الغنائية مثل فرقة الجلاد السودانية بقصيدة له بعنوان" عذرًا حبيبي"، وفرقة الخلود اليمنية باسم "اغضب".. غنت له "سمية قيصر" قصيدة بعنوان "في عينيك عنواني"، وغنى له "كاظم الساهر" قصيدة بعنوان "لو أننا لم نفترق

ويعتز الشاعر فاروق جويدة بأنَّه فلاح بسيط نشأ وترعرع ككُلّ الفلاحين الشرفاء من أبناء مصر، وهو لا يدعي ذلك زيفاً، ولكن مواقفه وأفعاله تدل على أنَّه لم يفقد، أبداً، صلابة أهل القرية وقوَّة شكيمتهم وفطرتهم التي جبلوا عليها.. لهذا فهو شاعر ثابت الخطى، لا يلين عن رأي اعتنقه وآمن به، ولا يحيد عن رؤية يراها صائبة، حتى إنَّ حملاته الصحافيَّة جميعها لم يكن الغرض منها دعائياً أو نفعياً، بقدر ما كانت بهدف الدفاع عن المصلحة العامة؛ المصرية والعربية على حدٍّ سواء (3).

ولد الشاعر فاروق جويدة بقرية (أفلاطون)، بمركز (قلين)، محافظة (كفر الشيخ) في العاشر من شهر فبراير عام (1945م). تخرج في كلية الآداب، قسم الصحافة بجامعة القاهرة عام (1968م). عمل مُحرِّراً بالقسم الاقتصادي بجريدة "الأهرام" في نفس عام تخرجه، ومنذ عام (2002م) أصبح شاعرنا رئيساً للقسم الثقافي بجريدة "الأهرام". بعد الجهد والتعب ترقى لمنصب سكرتيرًا لتحرير الأهرام، واستمر هذا التعب لسنوات حتى أصبح رئيس القسم الثقافي لجريدة الأهرام حاليًا. وفي نوفمبر عام 2012 أصبح عضو عام في الفريق الرئاسي ولكنه لم يستمر مع هذا الفريق كثيرًا وتركهم بسبب رفضه واحتجاجه على الدستور المكمل. لكنه لم يتوقف فقط عند كتابة المقالات بل كان له دور هام ورئيسي في الشعر، كان له تأثير كبير في حركة الشعر العربي المعاصر، وعمل على تنظيم ألوان عديدة من الشعر حيث بدأ بتطوير في القصيدة العمودية من ثم المسرح الشعري.

علاوة علي اهتمامه بالقضايا السياسية التي عاصرها، وألّف عددًا من الكتب السياسية التي وضع فيها بعضًا من أرائه، وقد جاء بعض هذه الكتب على شكل مقالات جريئة تمسّ الواقع السياسي في مصر والوطن العربي، بالإضافة لنصٍّ روائي واحدٍ نشر سنة 1997م بعنوان قضايا ساخنة جدا، أمّا كتبه السياسية، فهي: من يكتب تاريخ ثورة يوليو؟ القضية والشهادات: وهو عبارة عن مجموعة من المقالات التي أثارت بعض الجدل في أوساط مناصري ثورة يوليو على حكم الملك فاروق ومعارضيها على حد سواء، وقد أجاب فيه فاروق جويدة عن سؤالين أساسيين هما ماذا حدث؟ ولماذا حدث؟... هوامش حرّة: تناول فيه فاروق جويدة عددًا من القضايا السياسية والاجتماعية التي سببت له بعض المشكلات؛ حيث تحدّث عن هموم الناس، وفضّل أن يقف في صفهم وسط ما يعانونه من سوء الحال وضيق سبل العيش... موقف وقضية، هوامش حرّة 2: ضم الكتاب مجموعة جديدة من المقالات السياسية الجريئة التي اعتادها فاروق جويدة متحدثًا عن ضرورة تناول هذه القضايا وأهميتها رغم ما يمكن أن يتعرض له كاتبها من مضايقات...اغتصاب وطن: تحدث فيه عن قضية التوزيع العشوائي للأراضي في مصر، وعن مجموعة من القوانين والقرارات الخاطئة، مع الحديث عن اختلال القيم التي تحكم المنظومة الأخلاقية في الكثير من البلدان العربية وسط ما يحاك للأمّة من مؤامرات ودسائس... شباب في الزمن الخطأ: مجموعة من قضايا الشباب وما يعانونه في ظل انتشار البطالة، الأمراض المجتمعية المستشرية في جيل الشباب كإدمان المخدرات دون وجود حلول ناجعة تمكّنهم من مواجهتها وسط انعدام تعاطف المجتمع معهم... أموال مصر كيف ضاعت؟: نشره فاروق جويدة سنة 1976م، وهو كتاب في الاقتصاد يتناول بالتحديد الاقتصاد المصري الذي كان يعاني في تلك المرحلة من أزمة اقتصادية خانقة، ويطرح فيه فاروق جويدة الكثير من التساؤلات حول الأموال المهدورة في مصر.

ليس هذا فقط يل رأينا فاروق جويدة يقدَّم للمكتبة العربيَّة أكثر من (32) كتاباً خلال رحلته الإبداعيَّة في الشعر، والمسرح، وأدب الرحلات، فمن بين دواوينه الشعريَّة نذكر: "أوراق من حديقة أكتوبر" (1974م)، "حبيبتي لا ترحلي" (1975م)، "في عينيكِ عنواني" (1979م)، "شيء سيبقى بيننا" (1983م)، "لن أبيع العُمْر" (1989م)، "زمان القهر علَّمني" (1990م)، "كانت لنا أوطان" (1991م)، أمَّا أهم مسرحياته الشعريَّة فنذكر منها: "الوزير العاشق" (1981م)، "الخديوي" (1994م)،وقد أخرج لنا 17 مجموعة شعرية من بينها حبيبتي لا ترحلى- ويبقى احلب، كانت لنا أوطان، أعانق فيك عمري، في عينيك عنواني، زمان القهر علمني، عزف منفرد. وفي أدب الرحلات أصدر كتاباً بعنوان: "بلاد السحر والخيال" (1981م)، وقد فاز شاعرنا بجائزة الدولة التقديريَّة في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام (2001م).

وبسبب إبداعه الذي تجلي من خلال شعره ومقالاته تهافت المترجمون علي ترجمة بعض قصائده ومسرحياته للإنجليزية والفرنسية والصينية واليوغسلافية، كما تناول عدد من الباحثين أعماله الأدبية علي شكل رسائل جماعية في مصر وعدد من الدول العربية، كما اتخذ على عاتقه وصف مشاكل مجتمعه ووطنه وأمته فتراه قارئ جيد لمستقبل تلك الأمة ويعتز بماضيها الشامخ، حيث وجه في قصائده نقدا صارخ للسلبيات التي يعيشها مجتمعه فيقول: كم عشت أسأل: اين وجه بلادي.. أين النخيل.. اين دفء الوادي.. لا شيئ يبدو في السماء أمامنا.. هو لا يغيب عن العيون كأنه قدر.. كيوم البعث والميلاد (4).

ومن يسافر مع شعره يجد أن معظم ما أنتج من شعر كان الحزن والأسي وبرغم ذلك فقد أصر الكثير أن يطلق عليه لقب "ملك الحب" وذلك ألنه رسم لنا الحب الإنساني الذي تمنى وحلم بوجوده بني جنس بنى آدم. علاوة علي أنه لم يكتب الشعر للأحبة فقط، بل كتب عن حب الله والأنبياء والوطن والتراب والماء والإنسانية بشكل عام، ويري في الحب دافع يسمو بالنفس البشرية، فشعره تغزوه العاطفة الجياشة والعذوبة. ففي قصيدته "أحلام حائرة" يصف ما يشكله الحب في حياته فيقول: إني تعلمت الهوي وعشقته منذ الصغر وجعلته حلم العمر وكتبت للأزهار للدنيا إلي كل البشر الحب واحة عمرنا بنسي به الآلام في ليل السفر ونسير فوق جراحنا بين الحفر (5).

وتتلخص فلسفة جويدة في رؤيته للحب أنه مصدر لإشباع الإنسان من خال الحلم في وضح النهار وأنه الطمأنينة وإحساس الإنسان بأخيه الإنسان.. ويعكس ذلك في قصيدته "بلا عنوان" فيقول: الحب يا دنياي أن نجد الرغيف.. مع الصغار.. أن نغرس الأحلام في أيدي النهر.. الحب أن نجد الأمان مع السني.. ألا يضيع العمر في القضبان ألا تمزقنا الحياة بخوفها أن يشعر الإنسان.. بالإنسان.. أن نجعل الأيام طيفا هادئا.. أن نغرس الأحلام كالبستان.. ألا يعاني الجوع أبنائي غدا.. ألا يضيق المرء بالحرمان (6).

وعن علاقة الحب بالحرية كتب فاروق جويدة يقول: الحُبُّ قضية عندي ولكنَّه ليس كُلّ القضايا، فقضية الحُرِّيَّة أيضاً قضية مهمة في شعري، قضية العدالة، فأنا مؤمن بالعدالة الاجتماعيَّة ومؤمن بطبقية الفكر، وغير مؤمن بالطبقية الاجتماعيَّة، ولا بالطبقية الاقتصاديَّة، لذلك أنا أحترم إنساناً فقيراً لأنَّه مثقف، ولأنَّ عقله مستنير، ولا أحترم على الإطلاق صاحب ملايين جاهلاً، هذا هو الفرق بينهما. دعني أقل لك إنَّ الحضارة صنعتها الصفوة، ولم يصنعها القطيع، فأنا بقدر ما أؤمن بالعدالة الاجتماعيَّة، بقدر ما أؤمن بطبقية أصحاب الفكر، وأنَّه لا بدّ أن يكون لهم تميُّز خاص ومكانة خاصَّة في المجتمع، لذلك لا تستطيع أن تقول إن قضية الحُبّ هي القضية الأساس عندي (7).

وفيما يخص عذبات الحب يقول: أحياناً أتساءل: لماذا نُفكر دائماً في نهايات الأشياء برغم أنَّنا نعيش بداياتها!؟ هل لأنَّنا شعوب تعشق أحزانها؟ أم لأنَّنا من كثرة ما اعتدنا أصبحنا نخاف على كُلِّ شيء، ومن أي شيء! حتى أوقات سعادتنا نخشى عليها من النهاية. ولكن الشاعر سيبقى دوماً يُبشر بالأحلام، لأنَّنا إذا افتقدنا القدرة على الحلم فسوف نفقد قدرتنا على الصمود، ومهما توارى الحلم في عينيَّ وأرَّقني الأجل, ما زلت ألمح في رماد العُمْر شيئاً من أمل (8).

وحول علاقة الحب بالرومانسية نراه يقول هذا الشعر: إن يَغفر القلبَ. جرحي من يداويه.. قلبي وعيناكِ والأيام بينهما.. دربٌ طويلٌ تعبنا من مآسيه.. إن يخفقِ القلب كيف العمر نرجعه.. كل الذي مات فينا. كيف نحييه.. الشوق درب طويل عشت أسلكه.. ثم انتهى الدرب وارتاحت أغانيه.. جئنا إلى الدرب والأفراح تحملنا.. واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه.. ما زلتُ أعرف أن الشوق معصيتي.. والعشق والله ذنب لستُ أخفيه. قلبي الذي لم يزل طفلاً يعاتبني.. كيف انقضى العيد.. وانقضت لياليه. يا فرحة لم تزل كالطيف تُسكرني.. كيف انتهى الحلم بالأحزان والتيه.. حتى إذا ما انقضى كالعيد سامرنا.. عدنا إلى الحزن يدمينا.. ونُدميه.. مازال ثوب المني بالضوء يخدعني.. قد يُصبح الكهل طفلاً في أمانيه.. أشتاق في الليل عطراً منكِ يبعثني.. ولتسألي العطر كيف البعد يشقيه.. ولتسألي الليل هل نامت جوانحه (9).

وثمة نقطة مهمة ود أن أشير إليها هنا وهو أن فاروق جويدة، يعتبر الشعر بمثابة غذاء للروح، ويجعلك في حالة من الشجن بسبب ما يحتويه من كلمات تنجذب لها الأذان، ولذلك يوجد مكانة خاصة للشعراء في العالم أجمع بسبب كتاباتهم حيث يقول في قصيدته الشهيرة “في رحاب الحسين”:" في الأفق تهفو دمعتان. والقلب يخفق بين أشلائي فتسري آهتان.. وحبيبتي وسط الزحام حمامة.. مهزومة الأشواق. غصن أسقطته الريح من عمر الزمان.. الأرض ضاقت حولنا.. ما عاد للعشاق في الدنيا مكان.. القلب يحضن بين أشلائي بقايا من أمل.. وهمست فيه بحسرة: ما زلت تحتضن الأمل.. حلم لقيط تاه منا في خريف.. اليأس يلقيه على الدرب المخيف.. وحبيبتي ضوء حزين خلف قضبان الظلال.. وربيعها المهزوم عدل منهك الأنفاس في ليل الضلال.. عمر ترنح فوق درب الحزنر.. حلم ينزوي خلف المحال.. وحملت قلبي في سكون.. والدمع نار في الجفون. الحلم مقطوع اليدين.. وأنا أداري الدمعتين.. همست عيون حبيبتي.. هيا لنشكو. للحسين. أنا في رحابك كلما ضاق الزمان.. أو ضاع مني الصبر أو تاه الأمان (10).

وفي قصيدة باسم "لقاء الغرباء" يتجلي جويدة في شرح رومانسية الأشواق فيقول: "علمتني الأشواقَ منذ لقائنا. فرأيتُ في عينيكِ أحلامَ العُمر.. وشدوتُ لحناً في الوفاءِ لعله.. ما زال يؤنسني بأيامِ السهر.. وغرستُ حُبكِ في الفؤادِ وكلما.. مضت السنينُ أراهُ دوماً يزدهر.. وأمامَ بيتكِ قد وضعتُ حقائبي.. يوماً ودعتُ المتاعبَ والسفر.. وغفرتُ للأيامِ كُلَّ خطيئةٍ.. وغفرتُ للدنيا وسامحتُ البشر.. علمتني الأشواقَ كيف أعيشُها.. وعرفتُ كيف تهزني أشواقي.. كم داعبت عينايَ كل دقيقةٍ.. أطياف عمرٍ باسمِ الإشراقِ.. كم شدني شوق إليكِ لعله.. ما زال يحرق بالأسى أعماقي.. أو نلتقي بعد الوفاءِ كأننا..غرباءُ لم نحفظ عهوداً بيننا.. يا من وهبتُكِ كل شيء إنني.. ما زلتُ بالعهد المقدسِ مؤمنًا.. فإذا انتهت أيامُنا فتذكري.. أن الذي يهواكِ في الدنيا أنا.. " (11).

علاوة علي كان يهتم بالجانب الوطني في شعره بشكل كبير، حيث أحيا روح الوطنية في شباب اليوم، مما جعلهم يتعلقون ببلدهم أكثر وأكثر، واستشهد هنا بقصيدته الشهيرة "عانقي الشهداءك".. والذي يقول فيها: كل الاحبة يطلبون رضاكِ.. كل الأحبة بطلبون رضاكِ.. وأنا بدمي قد رويت ثراكِ.. إن كال في سنن الحياة ضريبة.. فانا بروحي قد فديت حماكِ.. كنا صغارا حين اطلقنا المنى جيلا فجيلا نهتدي بهداكِ.. طفل صغير لا ينام دقيقة إلا ورتل في المنام دعاكِ.. قلبي يسافر في الحياة بطولها ما أحب شيئًا في الجود سواكِ.. اشبعتيه حبا يفوق خياله وبكل شوق دللته يداكِ.. الأن يرحل عن ربوعك راضيا.. وهب الحياة رخصية وفداكِ.. الأن يحضرني رضاكٍ ساجدا وبكل فجر قادم سأراكٍ.. تتفاخرين على الوجود بقضة وأنا بدمي استعديت بهاكِ.. في موكب التاريخ كنت رسالة للعالمين وما اهتدوا لولاكِ.. الدين عندك كان وحي حضارة ما ضل نجم عانقته سماكِ.. شعبا يصلي للجمال والهدى كم ذاب عشقا وارتوى هواكِ.. نيل يسبح للسماء سماح عن كل شئ في الورا أغناكِ.. الكون قد عرف الهداية من هنا صل وكبر واهتدي بخطاكِ.. الدين للرحمن نحن وديعه لا تسمي ما للضلال دعاكِ.. لا تتركوا الأديان خدعة جاهل أو دعوى للقتل والاشراك.. فالدين عدل والعبادة دعوة لله دون مذابح وعراك.. الخ. (12)..

وفي الختام أقول كلمة أخيرة لعلي بذلك أكون قد ألقيت الضوء علي جانب هام من جوانب شخصية فاروق جويدة المتعددة الجوانب، الثرية العطاء، ألا وهو الجانب المتعلق بالحب والرومانسية والذي يمثل من وجهة نظرنا الأساس الأول الذي انطلق منه إلي أفاق الشعر الرحبة. فالمنطلقات الشعرية هي الأساس الأول والمدخل الرئيس لفهم شخصية الشاعر وإدراك مدي عمقها العلمي وقدرتها علي العطاء الدائم. وقد أثبت فاروق جويدة ومن خلال عطائه الوافي العريض في الشعر والأدب أنه شاعر جاد وكاتب مفكر لا تلين له قناة في الدفاع عن الحق، وباحث محب للحقيقة وموقن بضرورة البحث عنها والخضوع لها والدفاع عنها بنزاهة وإخلاص. وهذا ما هيأ له أن ينطلق بكتاباته الشعرية إلي آفاق التجديد والتنوير في أدبنا العربي المعاصر ليعد واحدا من أبرز شعراء الحب والرومانسية في عالمنا المعاصر.

فتحيةً لفاروق جويدة الذي لم تستهوه السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً بوصفه ملكا للحب والرومانسية.

***

أ. د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.......................

الهوامش:

1- كيوان، عبد العاطي: اللغة وجماليات التلقي في شعر فاروق جويدة، اللغة وجماليات التلقي في شعر فاروق جويدة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2014، ص 8 – 12.

2- أنظر مقال بعنوان فاروق جويدة.. شاعر الحب والرومانسية، منشور ضمن مجلة أفريقيا قارتنا، العدد الحادي عشر، مارس، 2014، ص 1.

3-خضري، علي: جليات النستولوجية وظواهرها في شعر فاروق جويدة،     مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية , مج13, ع2، جامعة العربي التبسي تبسة، 2020، ص 137 – 153.

4- أنظر مقال بعنوان فاروق جويدة.. شاعر الحب والرومانسية، منشور ضمن مجلة أفريقيا قارتنا، العدد الحادي عشر، مارس، 2014، ص 1.

5-المصدر نفسه.

6- المصدر نفسه.

7- فاروق جويدة: مقابلات وحوارات، مجلة الشارقة الثقافية، العدد 64، فبراير 2022

8- المصدر نفسه.

9- فاروق جويدة: مجموعة فاروق جويدة الكاملة، القاهرة، 2007، ص 67.

10- فاروق جويدة: مختارات من شعر فاروق جويدة: قصائد حب، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2003، ص 18.

11- المصدر نفسه.

12- المصدر نفسه.

في المثقف اليوم