شهادات ومذكرات

إدوارد سعيد بين المنفي والشجي

من خارج المكان كصورة خارج إطارها، وسرب حمام يسبح في سماء لا يعرفها، كان صوت فلسطين الصادح.. لم يعش في وطنه، لكنه اخترعه من الحنين والذكريات، وحمله معه في حقيبته المهاجرة التي جعلت منه أيقونة لكل غريب ومنفي بين العواصم.. إنه إدوارد سعيد الفلسطيني الطائر وأستاذ المنفي والشدي، والذي كان يدرك مدي تألقه، ويدرك مقدار قيمته، كان يدرك أنه يتحدث ببراعة ويكتب بطريقة فذة، وهو عالم ورجل عادي في شخص واحد، والقليل من الاكاديميين قادرين على ذلك.. لم يعش في فلسطين.. وكان من الأصوات القليلة من بداية الثمانينات وحتى رحيله والتي يمكن القول بأنه لا وجود لفلسطين بدون إدوارد سعيد (1 نوفمبر 1935 القدس - 25 سبتمبر 2003 نيويورك) ومن صار يحدث نوع من التماهي بين اسم فلسطين واسم إدوارد سعيد.. لقد كانت حياته كانت مكرسة للنضال مع المظلومين والمقهورين والمشردين

لقد أرداد إدوارد سعيد أن يكتب مذكراته وذلك تحت عنوان " خارج المكان " في  نيويورك 1994، حيث يقول: إن الدافع الرئيس لكتابة مذكراتي، هو حاجتي بأن أجسر المسافة للزمان والمكان بين حياتي اليوم، وحياتي بالأمس.. منذ عدة سنوات تلقيت تشخيصا طبيا شكل علامة فارقة في حياتي فشعرت بأهمية في أن أخلف سيرة شخصية عني تكون بمثابة السجل لعالم مفقود أو منسي ".

ومن الملاحظ أن مذكرات إدوارد سعيد وقعت تحت عنوان " خارج المكان"، هو عنوان يخلط المجاز بالحقيقة، وينبئ عن حالة نفسية يساورها شعور مستمر بالنفي والاغتراب.. ذكريات تلح على جسده المريض ليكتبها، وتجربة ستحمل في طياتها فصولا عن المنفي كتجربة شخصية، وتجربة فلسطينية للعامة طالت شعبا بأكمله.

وقد جبل إدوارد سعيد منذ نشأته على مجموعة من التناقضات، فهو الفلسطيني المولود في القدس الغربية لعائلة ميسورة تسكن في حي الطالبية في عام 1935.. أخرجته إلى الحياة قابلة يهودية، وأهدت أنفاسه الأولي لأب يحمل جنسية أمريكية، وهذا الأب اعتاد التنقل بحكم تجارته في القرطاسية ما القدس التي كانت ترزح تحت احتلال بريطاني وما بين القاهرة التي كانت تمثل قلب العروبة النابض، وهنا يقول إدوارد سعيد:" تخترع جميع العائلات آباءها وأبناءها وتمنح كل واحد منهم قصة وشخصية ومصيرا، بل إنها تمنحه لغته الخاصة.. وقع خطأ في الطريقة التي تم بها اختراعي وتركيزي في عالم والدي وشقيقاتي الأربعة، فخلال القسط الأوفر من حياتي المبكرة لم أستطع أن أتبين إذا كان ذلك ناجما عن خطأ مستمر في تمثيل دوري أو عن عطب كبير في كياني وذاتي، وقد تصرفت كثيرا تجاه الأمر بمعاناة وصخب، وأحيانا أخرى وجدت نفسي كائنا يكاد يكون عديم الشخصية وخجولا ومترددا وفاقدا للإرادة، غير أن الغالب كان شعوي الدائم أني في غير مكاني ".

ثم قدّم إدوارد سعيد مذكراته في طبعتها العربية بقوله، "بعد سنوات من حياتي خارج العالم العربي؛ هي سنوات دراسة وتعليم وعيش وكتابة كلها باللغة الإنجليزية، اتخذت قراري بُعيد حرب 1967، بأن أعود سياسياً إلى العالم العربي، الذي كنت قد أغفلته خلال سنوات التعليم والنضج الطويلة تلك. ولكن ما عدتُ إليه، لم يكن له أن يكون عالم طفولتي؛ تلك الطفولة التي دمرتها أحداث عام 1948، والثورة المصرية، والاضطرابات الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1958".

ويتابع، "كان العالم العربي الجديد عالماً سياسياً وثقافياً، على الصعيدين الشخصي والعام، يتكوّن من عناصر عديدة، لكن علاماته الفارقة عندي كانت الهزيمة العربية، وانبثاق الحركة الفلسطينية والدروس الخصوصية في اللغة والأدب العربيين التي كنت أتلقاها يومياً، خلال عام بأكمله على يد الأستاذ أنيس فريحة، المَعين الذي لا ينضب من اللغات السامية كلها. إلى ذلك نما لديَّ شعور متزايد بأنه إذا كنت أشعر بوجود هوة من سوء التفاهم تفصل بين عالمَيَّ الاثنين؛ عالم بيئتي الأصلية وعالم تربيتي، فإن مهمة تجسير تلك الهوة إنما تقع عليَّ وحدي دون سواي. كان عليَّ أن أعيد توجيه حياتي لتسلك حركة دائرية تعيدني إلى نقطة البداية، مع أني كنت قد بلغت نهاية الثلاثين من عمري، اخترت أن أستعيد هويتي العربية".

يستطرد قليلاً ويسجل، "إنها صورة شخصية غير تقليدية لتلك العلاقة التي تنطوي على قدر من التوتر والتركيب، الذي يُظهر سيرة عربي أدت ثقافته الغربية، ويا لسخرية الأمر، إلى تأكيد أصوله العربية، تلك الثقافة التي تلقي ظلال الشك على الفكرة القائلة بالهوية الأحادية، وتفتح الآفاق الرحبة أمام الحوار بين الثقافات". هنا يظهر الانتماء الإنساني لإدوارد سعيد؛ "فيؤيد هجنة الهويات، ويدين صراع البشر القائم على الأصول والأعراق وحدود الجغرافيا"، بحسب توصيف فخري صالح في كتابه "إدوارد سعيد دراسات وترجمات" (2009). ربما كان هذا هو المفتاح الرئيس في حياة إدوارد الذي جعل منه إنساناً استثنائياً مسافراً بين الثقافات؛ لا حاجة له إلى جواز سفر ولا ختم عبور بين الحدود والألسن التي ترجم إليها.

وكأي فلسطيني آخر من جيله كان إدوارد سعيد استعارة حية لفكرة المنفي وكان قدره ككل الفلسطينيين أن يختلط ماضيه بماضي القضية الفلسطينية وأحداثها، فلا تصح أي سردية شخصية لإدوارد بعيدة عن السردية الفلسطينية بكامل تأثيرها وتشعباتها.. ماضي إدوارد سعيد كان معادلا موضوعيا لماضي الشعب الفلسطيني بأكمله.

ولعل معايشته كواليس وتفاصيل القضية الفلسطينية، وزاده المعرفي الذي تشبَّع به عبر أطروحة الاستشراق هذه، جعلاه يعلن حق الضحية في رفع صوتها لتكشف عن جريمة الجلاد، بعدما كشف آليات المستعمر من تصدير صور نمطية عن الشرق؛ استهدف بها غرس جذور دونية الأخير وتبعيته في طبقات الوعي، لتترسخ بداخلهم ذهنية الاستعباد وتمنحهم ميراثاً من المذلة، بينما ينتشي الغرب باستنزاف ثرواتهم بدم بارد، ويعلن أنهم بحاجة إلى مساعدته للارتقاء بهم إلى مصافي الحضارة، وهو المسؤول الرئيس عن جعلهم "ضحايا" على هذا النحو بالأساس.

ولعل هذا ما دعا صديقه محمود درويش أن يرصد مأساة إدوارد الإنسانية في رثائه له على لسان إدوارد سعيد، "أنا من هناك، أنا من هنا، ولستُ هناك ولستَ هنا. ليَ اسمان يلتقيان ويفترقان. ولي لغتان نسيت بأيهما كنت أحلم؟ لي لغة إنجليزية للكتابة طيّعة المفردات، ولي لغة من حوار السماء مع القدس فِضيّة النبر، لكنها لا تطيع مخيلتي".

ولهذا عُد إدوارد سعيد بأنه أعظم مُنظر أدبي فلسطيني-أمريكي، ومن أهم المثقفين الفلسطينيين وحتى العرب في القرن العشرين سواءً من حيث عمق تأثيره أو من حيث تنوع نشاطاته، بل ثمة من يعتبره واحداً من أهم عشرة مفكرين تأثيراً في القرن العشرين. كان أستاذاً جامعياً للنقد الأدبي والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الاستعمارية (ما بعد الكولونيالية). ومدافعاً عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، وقد وصفه روبرت فيسك بأنه أكثر صوتٍ فعالٍ في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

كان إدوارد سعيد كما قال عنه موسوعة ويكبيديا بأنه من الشخصيات المؤثرة في النقد الحضاري والأدب وقد نال شهرة واسعة خصوصاً بكتابه «الاستشراق» المنشور سنة 1978، وفيه قدّم أفكاره واسعة التأثير عن دراسات الاستشراق الغربية المختصة بدراسة الشرق والشرقيين. قامت أفكاره على تبيان وتأكيد ارتباط الدراسات الاستشراقية وثيقاً بالمجتمعات الإمبريالية معتبراً إياها منتجاً لتلك المجتمعات ما جعل للاستشراق أبعاداً وأهدافاً سياسيةً في صميمه وخاضعاً للسلطة ولذلك شكك بأدبياته ونتائجه. وقد أسس طروحاته تلك من خلال معرفته الضليعة بالأدب الاستعماري، وفلسفة البنيوية و"ما بعد البنيوية" ولاسيما أعمال روادهما مثل ميشيل فوكو وجاك دريدا. أثبت كتاب «الاستشراق» ومؤلفاته اللاحقة تأثيرها في الأدب والنقد الأدبي فضلاً عن تأثيرها في العلوم الإنسانية، وقد أثر في دراسة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص في تحول طرق وصف الشرق الأوسط. جادل إدوارد سعيد حول نظريته في الاستشراق مع مختصين في التاريخ، وبفعل كون دراساته شكلت منعطفاً في تاريخ الاستشراق فقد اختلف العديد معه ولاسيما المستشرقون التقليديون أمثال برنارد لويس. ومونتغمري واط.

كان " إدوارد سعيد " قد وُلِدَ في القدس في العام 1935 لوالدين فلسطينيين هما "وديع سعيد " من القدس و "هيلدا موسى " من النَّاصرة.. حيثُ ارتبَطَ كلٌّ من وديع و هيلدا عبر زواجٍ تقليدي عام 1932 كما يذكر إدوارد سعيد، وبعدَ أنْ كان والده وديع قد هاجر إلى الولايات المتِّحدة في مطلع العشرينيَّات من القرن الماضي وحصل هناك على الجنسيَّة الأمريكيَّة عاد ليقتَرنَ بأمِّه هيلدا وهي لمْ تَكَدْ تبلُغُ سوى ثمانية عشر عاماً من العمر، والَّتي عادتْ إلى النَّاصرة من بيروت، حيث كانت تدرسُ هناكَ ضمن مدرسَةٍ داخليَّةٍ للبنات وكانتْ عودتها إلى النَّاصرة وانتزاعها من بيئة التَّعليم في بيروت لغاية الاقتران بوديع سعيد تحديداً كما يذكر، وقد غادرا للإقامَةِ في القاهرة بعد اقترانِهِما في بداية الثَّلاثينيَّات من القرن الماضي، حيثُ كانتْ مصر الملكيَّة في ذلك الحين تخضع لنظام الكلونياليَّة الإنجليزيَّة – الاستعمار والنُّفوذ الإنجليزي – وقد واصلا ارتحالَهُما بين القاهرة والقدس طوال السَّنوات الممتدَّة من بداية الثَّلاثينيَّات وحتَّى نكبة عام 1948.

يقول إدوارد سعيد: لسببٍ أساسيٍّ حَرِصَ والديَّ على أنْ أوْلَدَ في القدس؛ لذا فقد طالت إقامتهما في القدس عام 1935 حيثُ وُلدْتُ هناك في ذلك العام، وعشتُ فيها أجزاءً من طفولتي وتشكَّلَتْ فيها لديَّ بعض الذِّكريات.. يأخُذُنا إدوارد سعيد في رحلَةِ عمره ابتداءً من طفولته ووعيه على الحياة مروراً بمراحلِ دراسته المختلفة في كلٍّ من القاهرة وأمريكا إلى حين حصوله على الدَّرجات العلميَّةِ العليا في الآداب من جامعات الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة.

أذهلتني صراحتُه وهو المُثقَّفٍ البارز المُتميِّز، وهو يتحدَّثُ عن تفصيلاتٍ في حياتِه الشَّخصيَّة الخاصَّة - وقد كان في غنىً عن الحديثِ حولها لوْلا كونه من ذلك النَّوعِ من المثقَّفين الموضوعيين الواقعيين الصَّادقين مع أنفسهم ومع غيرهم حيث يتصدُّون لمهمَّةِ كتابَةِ سيرتهم الذَّاتيَّة وتدوين تجاربهم بأنفُسِهِم دونما مُخاتلةٍ أو إعطاءِ ذواتِهم مقاديرَ مبالغٍ فيها من التَّقييم والتقدير الإيجابي المتفوِّق على أقرانِهم من البشر – فنجده وعلى سبيل المثال يتحدَّث عن إسْمِهِ غير العربي وعن طبيعةٍ غير منسجمة ولا مُتجانسة بين مقطع اسمه الأوَّل " إدوارد " وبين " سعيد "، وعن رؤيته الضَّبابيَّة الغامضة المُسبِّبَةِ للإزعاج بالنِّسبَةِ إليه لطبيعةِ اسمه " إدوارد " أساساً كما كان يراه، ولطبيعة تعامله الإشكاليِّ مع ذلك الإسم منذ سنيِّ طفولته وحتَّى نهايةِ حياتِه، كما عن إشكاليَّة اللُّغة الإنجليزيَّة العربيَّة المزدوجة الَّتي اكتسبها في بيئته الأسريَّة منذ سنيِّ طفولته المبكِّرة حيثُ ترسَّختْ تلك الإشكاليَّة عبر دراسته في المدارس الإنجليزيَّة والأمريكيَّة في القاهرة أثناءَ مرحلة طفولته في سنوات الأربعينيَّات. كما أذهلني حديثُه التِّلقائي الصَّريح الشَّفَّاف عن شخصيَّته الأحاديَّة والمركَّبة والمتناقضة – بحسَبِ تعبيرِه - والَّتي كان يعوزها كثيرٌ من الثِّقة بالنَّفس على المستوى الجوَّاني وحتَّى على مستوى الموقف من التكوين الجسديُّ الجسماني، كما على مستوى الماهيَّة الحقيقيَّة للهويَّة الثقافيَّة المزدوجة، وكذلك عن طفولتِهِ برُمَّتِها، وعن ذكرياته وسيرته الذَّاتية وذلك عبر فصول كتابه " خارج المكان " وخصوصاً في الفصل الرَّابع من ذلك الكتاب الرَّائع.. أذهلتني تلك الشَّفافيَّة والصَّراحة منقطعة النَّظير في توصيفه لسايكولوجيَّة والده ووالدته ولثقافتَيْهما وحتَّى لصفاتِهِما الجسديَّة، ولطبيعة أسرته الممتدَّة وعلائقها الاجتماعيَّة المضطربة بين إخوةٍ وأخواتٍ وأعمامٍ وعمَّاتٍ وأخوالٍ وخالات، ولطبيعة نظرتهم وتقييمهم السَّلبي المُتَدَنِّي له تحديداً في سنِيِّ طفولته ومراهقته وشبابه، وخصوصاً بما يتَّصِلُ بطبيعةِ نظرةِ والديه إليه !!.

كذلك أذهلني حديثه الصَّريح عن أدائِه وتقييمه المتدنِّي في مدرستيِّ " إعداديَّة الجزيرة " ذي منهجِ التَّعليم الكلونيالي الإنجليزي التراتبي الجامد في حيِّ الزَّمالك في القاهرة في مطلع الأربعينيَّات، ومدرسة " القاهرة للأطفال الأمريكيين " ذي التَّوجهات التي تمزِجُ بين منهج التربية والتَّعليم على أساسٍ كلونياليٍّ قديمٍ متجدِّدٍ امبرياليَّاً من حيث الأهداف والغايات، وبين منهج التَّعليم على أساسِ تشاركيٍّ تفاعليٍّ حديثٍ في أوساطِ الرَّعايا الأمريكيين في القاهرة نهاية الأربعينيَّات، حيث كان واحداً من أولئك الأطفال الأمريكيين استناداً إلى جنسيَّةِ أبيه رجل الأعمال البارز " وديع سعيد " الأمريكيَّة.

وفي عام 1986 نشر إدوارد سعيد كتاب «ما وراء السماء الأخيرة» الذي تعاون فيه مع المصور السويسري جان مور. وقد مزج الكتاب صوراً لحياة الفلسطينيين اليومية الموزعة بين الضفة الغربية وغزة والأردن ولبنان، مع تعليقات بقلم سعيد. في ذلك الوقت، لم يكن قد عاد إلى مسقط رأسه الذي كان فلسطين في عهد الانتداب، منذ هرب منها في ديسمبر (كانون الأول) 1947 وعمره 12 عاماً. روايته لصور مور كانت نوعاً من العودة البديلة. كتب سعيد وهو ينظر إلى المشروع بعد 13 عاماً: «إنه كتاب غير متصالح، كتاب تظل فيه متناقضات ومتضادات حياتنا وتجاربنا كما هي، مجمَّعة (كما آمل) ليس في كليات مرتبة، ولا في ذكريات عاطفية للماضي».

وعبارة «كتاب غير متصالح» مناسبة ليس فحسب لوصف كتاب «أماكن العقل: سيرة لإدوارد سعيد»، السيرة الجديدة التي ألفها تلميذه سابقاً تيموثي برينان، وإنما أيضاً -أو على الأقل جزئية «غير متصالح»- صورة المفكر المعارض التي تبرز منه: فلسطيني وأميركي، قاهري ونيويوركي، متباهٍ وغير مطمئن، داعم أنيق اللباس للتمردات المقاومة للاستعمار ومناصر علني للحق الفلسطيني في تقرير المصير لم يسبق له أن درَّس مادة عن الشرق الأوسط.

يعتمد برينان على حشد باهر من المواد لكي يدوّن أول صورة شاملة لأحد أكثر مفكري أميركا تميزاً في فترة ما بعد الحرب: مقابلات مع أسرة سعيد وأصدقائه وزملائه؛ مراسلات؛ مقالات؛ شعر وسرد لم يُنشر، بالإضافة إلى ملفات مكتب التحريات الفيدرالي (إف بي آي) حوله. ومع ذلك، ففي تسجيل المساحة الضخمة من تأثير سعيد يجنح الكتاب أحياناً إلى ألا يتجاوز الإنش الواحد في العمق. كثير من الأفكار التي يقدمها برينان -مثل لماذا نعتمد على الشعر، وليس على السرد، ليكون مفتاحاً لتكوين سعيد الفكري- يجري التخلي عنها لاحقاً، مثل لفة فيلم لم تُحمّض.

وفي نهاية حديثنا عن الأستاذ الدكتور " إدوارد سعيد "  لا أملك إلا أن أقول تحية خاصة للأستاذ الفاضل الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجا فذا للمفكر والأديب والفيلسوف الذي عاش غريبا ومات غريبا.

***

أ.د محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة بكلية الآداب وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.........................

المراجع:

1- آيتن تارتيتشي - ترجمة: سعد البازعي: إدوارد سعيد... اهتمامات انتقائية متناقضة لا تهدأ، الشرق الأوسط، إدوارد سعيد... اهتمامات انتقائية متناقضة لا تهدأ، الاثنين - 13 شوال 1442 هـ - 24 مايو 2021 مـ رقم العدد [ 15518].

2- راضية شافعي: "إدوارد سعيد" ونقد الخطاب الكولونيالي الغربي، دفاتر مخبر الشعرية الجزائرية، Volume 4, Numéro 2, Pages 222-234

3- مصطفى شلش: ظل إدوارد سعيد الثقيل: حول أعماله وسيرته، مقال منشور في الثالث من يوليو 2021.

4-علي عطا: ضعف معرفة إدوارد سعيد بالفكر الإسلامي انعكس سلبا على مفهومه الاستشراقي، اندبندنت عربية، مقال منشور بتاريخ الاثنين 22 مارس 2021 19:25.

5-مصطفي سليم: إدوارد سعيد الراوي الذي ورث "أرض الحكاية" اندبندنت عربية، مقال منشور بتاريخ الأحد 1 نوفمبر 2020 14:39.

6- إدوارد سعيد.. من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

7- قناة الجزيرة: خارج المكان.. إدوارد سعيد.. يوتيوب مشور بتاريخ 65,274 Nov 11, 2018

في المثقف اليوم