شهادات ومذكرات

خزعل الماجدي.. غواص في تاريخ الأديان والحضارات القديمة

يعد الدكتور خزعل الماجدي واحدا من أهم وأشهر المؤرخين العراقيين الضليعين والمتفردين بتفسير حركة التاريخ والحضارة والعلاقة بينهما، فهو من المهتمين بالوثائق والآثار التاريخية والاثر المادي للحضارة، عند تأشير أية مرحلة تاريخية، أو للتدليل على وجود معلم لحضارتها، وهو ينفي أن يكون للدين أيا كان، على رغم أهميته وقدسيته، أي دور لأن يقترب من التاريخ من قريب أو بعيد؛ والأكثر من هذا يرفض الباحث الدكتور خزعل الماجدي أية علاقة بين التاريخ والكتب السماوية، حتى بضمنها القران الكريم، ويؤكد أنها أفكار ومعتقدات روحية وقيمية لا يمكن أن تكون دليلا على وجود حضارة في أية مرحلة من مراحل التطور البشري، ومن الأفضل عدم حشرها في أي مبحث عن الحضارات القديمة، ولا تعد مصدرا للتأريخ بأي حال من الأحوال!!

تنقّل خزعل الماجدي بين الشعر والمسرح والفكر والتاريخ، وكتب عشرات الكتب عن العقائد الدينية للشعوب القديمة وعن تاريخ الديانات والحضارات، آخرها كتاب صدر بعنوان "أنبياء سومريون"، وهو القائل بأن غربة الحضارات الشرقية سببها انتشار الأنظمة الثيوقراطية أو الدكتاتورية أو العشائرية، وحين ركدت الحضارات الشرقية ونامت طويلاً في حلمها السعيد نامت معها شعوبها وتخلفت وأصبحت تقاوم التحديث وترضى بالدول والحكومات المستبدة.. لا شك في أن هناك تواشجاً وتناغماً بين الجانب السياسي السلبي للحضارات الشرقية والجانب الاجتماعي السلبي لمجتمعاتها. ونحن اليوم نصطدم بقوة بتلك المجتمعات التي ترفض التغيير ولا تريد أن تبذل جهداً من أجل التغيير والعمل والعلم.

وقد ولد خزعل الماجدي عام ١٩٥١. حصل على دكتوراه في التاريخ القديم سنة ١٩٩٦. ودكتوراه في فلسفة الأديان سنة ٢٠٠٩. اهتم بالدراسات الميثولوجية والتاريخ القديم وتاريخ الأديان والحضارات. من أهم كتبه : "الميثولوجيا المندائية" - "أنبياء سومريون".

وقد أكمل خزعل الماجدي دراسته في بغداد وحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم من معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا في بغداد عام 1996. كما حصل على دكتوراه ثانية في فلسفة الأديان عام 2009.

وقد عمل خزعل الماجدي بدائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة العراقية لغاية عام 1998، وعمل ما بين عامي 1973-1996 في الإذاعة والتلفزيون والمجلات والصحف العراقية واتحاد الأدباء والكتاب ودائرة السينما والمسرح. ثم أستاذاً جامعياً في جامعة درنة في ليبيا للفترة من 1998-2003 مدرسـاً للتاريـخ القديم وتاريخ الفن. وما بين عامي 1996-1998 عمل في الأردن ونشر كتبه الفكرية الأولى.

عـاد إلى العراق في آب 2003 وعمل مديراً للمركز العراقي لحوار الحضارات والأديان في العراق. وما بين عامي 2007-2014 حاضر في جامعة لايدن وعمل في عدد من الجامعات المفتوحة في هولندا وأوروبا، وهو يدرِّس تاريخ الحضارات والأديان القديمة. كما أنه عضو في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، واتحاد الكتاب العرب واتحاد المسرحيين العراقيين، ونقابة الصحفيين العراقيين، واتحاد المؤرخين العرب، وعضو في الأكاديمية العالمية للشرق – غرب في رومانيا.

وتنتمي أعمال خزعل الماجدي الفكريّة إلى عدّة حقول معرفيّة. ففي حقل علم الأديان وتاريخه نذكر: "أديان ومعتقدات ما قبل التاريخ" و"جذور الديانة المندائية" و"الدين السومري" و"متون سومر" و"الدين المصري" و"المعتقدات الآرامية" و"المعتقدات الكنعانية" و"المعتقدات الآمورية" و"المعتقدات الأغريقية" و"المعتقدات الرومانية" و"أصول الناصورائية المندائية في أريدو وسومر" و"كشف الحلقة المفقودة بين أديان التعدد والتوحيد (المسارية والهرمسية والغنوصية في المرحلة الهلنستية)".

أمّا في حقل علم الحضارات وتاريخها فنذكر الكتب التالية: "الفلك عبر التاريخ" و"تاريخ القدس القديم" و"كنوز ليبيا القديمة" و"سحر البدايات" و"الأنباط" و"كتاب إنكي: الأدب في وادي الرافدين ج1وج2" و"تاريخ الخليقة" و"حضارات ما قبل التاريخ".

كما خصّص خزعل الماجدي عدّة مؤلّفات لعلم الأساطير (الميثولوجيا)، نورد منها ما يلي: "سفر سومر" و"حكايات سومرية" و"مثولوجيا الأردن القديم" و"بخور الآلهة" و"إنجيل سومر" و"إنجيل بابل" و"الآلهة الكنعانية" و"أدب الكالا..أدب النار" و"ميثولوجيا الخلود" و"المثولوجيا المندائية" و"العَود الأبدي" و"المندالا المثولوجية". وللمؤلّف في نظريّة الشعر كتاب "العقل الشعري".

أمّا في مجال الأعمال الإبداعيّة فإنّ لخزعل الماجدي عدّة كتابات. ففي حقل المجموعات الشعريّة صدرت له على سبيل المثال: "يقظة دلمون" و"أناشيد إسرافيل" و"خزائيل 1 و2" و"عكازة رامبو" و"فيزياء مضادّة" و"حية ودرج" و"فلم طويل جدًّا" و"أحزان السنة العراقيّة" و"كاماسوترا". وللمؤلّف أعمال شعريّة في 06 أجزاء. وله أيضًا مختارات مسرحيّة وأعمال مسرحيّة في جزأيْن.

وفضلا عن ذلك قدّم خزعل الماجدي عدّة مساهمات في مجال الترجمة عن أعمال مهمّة صدرت له في لندن ورومانيا في سنتَيْ 2013 و2014. وهو ينكبّ حاليًّا على إنجاز مشاريع فكريّة.

وعندما نقيم موقف خزعل الماجدي بوصفه كمفكر وباحث في الميثولوجيا وتاريخ الأديان ؛ نراه ينظر لعلم الأديان بأنه هو أحد العلوم الإنسانية، والذي نشأ في حدود منتصف القرن التاسع عشر على يد عالم اللغويات والأساطير الألماني (ماكس مولر)، واستمر هذا العلم بالتوسع في تخصصاته الدقيقة لأكثر من قرن ونصف القرن حتى يومنا هذا، ويتسع علم الأديان لما يقرب من خمسين علماً فرعيا ومنهج بحث علميّ في مكوناته، ولذلك فهو مشحون بالثراء المعرفي العميق والراسخ، فقد أثمرت جهود معلميه الكبار عن بيدر كبير من الكتب والبحوث والدراسات المعمّقة التي ننهل منها اليوم مادتنا في البحث والتعليم.

من أقواله خزعل الماجدي الجريئة أن الدين ظاهرة تطورية وليست ثابتة" على الديانة الإسلامية خلال تاريخها، وأن حركة المجتمعات تغيّر الدين وتزيد من مادته السياسية والاجتماعية، لكن الدين يبقى ممسوكاً بالأصول التي نشأ منها، بمعنى أن الأصول التي قام عليها الدين تظل ثابتة وتتحول في اللاشعور الجمعي للأفراد إلى نوع من الأركيتايب (النماذج البدئية) والرموز والأساطير، والذي يتطور هو الشكل الاجتماعي للدين والأنماط السياسية له. لكن حركة الأديان ككل تتطور وتنتج أدياناً مختلفة حسب مراحل التاريخ الكبرى (قديم، وسيط، حديث، معاصر)، والعقل الإسلامي في نظر خزعل الماجدي عقل تاريخي، مثل كل العقول، بدأ في القرن السابع الميلادي واكتملت أسسه في العصر الكلاسيكي العباسي لغاية ظهور المتوكل في القرن التاسع للميلاد. ثم دخل في مرحلة الاجترار وما زال إلى يومنا هذا مجتراً معاداً وهذا ما يعرفه المسلمون عامةً. والأصول الماسكة له والتي شكّلت الفكر الإسلامي الأول هي النواة الصلبة الجامدة التي ما زالت تعيد المجتمعات الإسلامية إلى الخلف دائماً، والفرق بين العقل المسيحي والعقل الإسلامي أن الأول توقف واستبدلته المجتمعات المسيحية الغربية بالعقل العلمي، في حين لم يُستبدل العقل الإسلامي بعد بعقل آخر.

وقد سئل خزعل الماجدي ذات مرة كيف تأثرت الديانات الإبراهيمية بأساطير العالم القديم، تلك التي أنتجتها حضارات المنطقة العربية؟

وهنا أجاب قائلا : جذور الديانات الإبراهيمية تمتد في تربة الديانات الشرقية التي سبقتها في المنطقة مثل ديانات الرافدين ومصر والشام واليمن وغيرها، الأساطير في تلك الديانات القديمة مكون أساسيّ من مكوناتها، والأساطير بنية ثابتة موجودة في كل دين ولذلك كان لا بد من أساطير إبراهيمية أيضاً، وهكذا جرت عمليات تحوير كبرى لأساطير العالم القديم لجعلها أساطير عالم وسيط إبراهيمي فمثلاً، قامت الزرادشتية بتحويل الآلهة القديمة إلى ملائكة في نظامها الروحيّ، وكان هذا الإجراء محط اعتبار وأهمية للديانات الإبراهيمية، فأخذته وعملت به لأنه يتفق مع نزعتها التوحيدية. وقامت الغنوصية بابتكار نوع من التوحيد الباطني الخالي من الوحي والمعتمد على معرفة الله في الروح التي تدور داخل الجسد، فقامت الديانات الإبراهيمة بأخذ هذا المفهوم ووضعت الوحي بدل المعرفة. وهكذا، حدثت عمليات قصّ وقطع ومونتاج واسعة جداً للأساطير والتراث القديم قام بها كهنة الأديان الإبراهيمية وجعلوها مناسبة لتوجهاتهم.

وثمة نقطة مهمة نود الإشارة إليها هنا وهي أن خزعل الماجدي كان من المؤمنين بأن الإسلام ختم التاريخ بالشمع الأحمر حين أعلن إنه آخر وأفضل الأديان. وقد ألجم على مدى ألف وخمسمائة عام كل من يحاول مناقشته. وهكذا أقفلت الأفواه من خوفها. أعتقد إن أصعب شئ في هذا الزمان هو أن تناقش العقائد والأصول الإسلامية الراسخة. والأصعب في الأمر ان الناس لا تريد ذلك، لأن بقاء السلطة الذكورية وبقاء السلطات السياسية المختلفة رهين بتشدد الإسلام وانغلاقه... الإسلام في وجداننا كدين محبة وسلام أشبه بالحلم، وحين نقول إنه يتعايش مع الأديان الأخرى فإن هناك ما يتحرك في دواخلنا ويمنعنا من الاقتناع بهذا. إن الأمر في غاية التعقيد وفي غاية الأهمية أيضاً.. لقد استطاع الإسلام الوسيط (في القرون الوسطى) أن يستوعب العصر آنذاك ويستجيب بقوة لمعطياته ويقدم للحضارة البشرية إضافات نوعية. أما الإسلام السياسي المعاصر ففقير جدا ولا يفقه شيئا عن طبيعة هذا العصر وتحولاته الكبرى.. وهو لا يملك سوى الشعارات الدينية السطحية ولا يرتجف خجلاً من انه يستخدم أحدث أدوات العصر في الاتصال والعيش الكريم دون أن يشعر بأنه لم يساهم فيها ولم يدفع باتجاه المساهمة في انتاجها.. كل الشعوب تساهم اليوم في المدنية الإنسانية بكل قطاعاتها وخصوصا في العلم، ما عدا العرب. هم يعتبرون ذلك طبيعياً، وأنا أراهُ مُخجلاً. يوغلون في(علوم) الدين، ولا ينتبهون إلى أنهم على أرض الواقع ويحتاجون علوم الأرض في كل خطوة يخطونها.. الاسلام ابتلى بأمور لم تشهدها الأديان الأخرى فأصبح الأكثر أصولية والأكثر تشدداً وهي ( كونه خاتم الأديان، ارتباطه بالسلطة منذ ظهوره، طغيان البداوة والتصحر على مبادئه وقادته الأوائل، حجم الشريعة والفقه فيه لا يضاهيه فيها دين آخر، تاريخ القهر المباشر وغير المباشر للعلماء والفلاسفة والمفكرين فيه ماضياً وحاضراً … الخ.

وفي اعتقاد خزعل الماجدي أن علم الأديان هو أحد العلوم الإنسانية، والذي نشأ في حدود منتصف القرن التاسع عشر على يد عالم اللغويات والأساطير الألماني (ماكس مولر)، واستمر هذا العلم بالتوسع في تخصصاته الدقيقة لأكثر من قرن ونصف القرن حتى يومنا هذا. وتأسست لهذا العلم كليات وأقسام أكاديمية في جامعة السوربون - قسم علم الأديان (1885). جامعة شيكاغو - قسم الأديان المقارنة (1893). جامعة مانشستر - قسم الأديان المقارنة (1904). جامعة توبنغن في ألمانيا - كرسي علم الأديان (1910). جامعة ميلانو - کرسي علم الأديان (1912). وازداد عددها في العالم المتحضر بعد بدايات التأسيس، وهناك، اليوم، المئات من المختصين في هذا العلم في العالم. أما في عالمنا العربي، للأسف، فيخلو من أقسام متخصصة ومن متخصصين بالمعنى العلمي العميق للتخصص. وواضح أنه علم غير مرحب به بسبب الخوف، غير المبرر، منه، وبسبب الوهم في أن هذا العلم سيشوّه الأديان أو إنه سيقود إلى الإلحاد، وأنا أرى عكس ذلك تماماً في كونه سيجعل الإيمان خالياً من الشوائب، وسيزيل التعصب، ويجعلنا نرى الأديان من منظور التسامح والحوار والتفاعل.

ثم يؤكد خزعل الماجدي يتسع علم الأديان لما يقرب من خمسين علماً فرعيا ومنهج بحث علميّ في مكوناته، ولذلك فهو مشحون بالثراء المعرفي العميق والراسخ، فقد أثمرت جهود معلميه الكبار عن بيدر كبير من الكتب والبحوث والدراسات المعمّقة التي ننهل منها اليوم مادتنا في البحث والتعليم. وإذا كان هذا العلم، اليوم، مطروداً من جامعاتنا ومنابرنا الأكاديمية؛ فإنه، بلا شك، سيؤسس مكانته الكبيرة، ذات يوم، مع زيادة التنوير والتقدم في عالمنا العربي والإسلامي.

تحيةً مني للمفكر المبدع خزعل الماجدي الذي دخل التاريخ من بوابة الأديان، فكشف لنا عن مسالب الواقع، ودعانا للبحث عن غداً أفضل، وأبقاه الله لنا إنساناً نلقي عليه ما لا تحمله قلوبنا وصدورنا، ونستفهم منه ما عجزت عقولنا عن فهمه.

***

د. محمود محمد علي

أستاذ قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل - جامعة أسيوط

........................

المراجع:

1- نضال ممدوح: خزعل الماجدي: الأديان بوضعها الحالي قادرة على إنتاج الشقاء والعداء والتفرقة بين البشر، مقال منشور بتاريخ الاثنين 21 مايو 201803:12 م.

2- أحمد إبراهيم الشريف: أفكار خزعل الماجدى.. ما قاله الباحث العراقى عن مصر و"دينها"، اليوم السابع، منشور بتاريخ الثلاثاء، 28 يناير 2020 11:00 م

3- عباس علي العلي: د. خزعل الماجدي ووهم الأديان... حالة توهم أم قطع يقيني، الحوار المتمدن-العدد: 6188 - 2019 / 4 / 1 - 03:27

4- محمود جاويش: الكاتب العراقي خزعل الماجدي: لا ضرورة لتجديد الخطاب الديني.. لنترك الدين عفويًا بسيطًا في حياة الناس (حوار)، المصري اليوم، الجمعة 31-01-2020 03:52 .

في المثقف اليوم