شهادات ومذكرات

حسب الشيخ جعفر.. أتعب نفسه في إختراق المحاصرة

ها أنت ترحل رحيلك الأبدي يا عاشق الماء والنخل، أيها المنطلق نحو سماء الأبدية، فقدناك ياحسب الشيخ جعفر، بعد أن كنت منيراً لأمسيات الشعر والأدب، بأحاديثك، ومنطقك العفوي، وتجربتك الغنية، كنت حر العواطف، ساخن الود، أنيساً صادقاً، ولئن فقدك الكثير من أصدقائك ومعارفك، وقرائك، فأن تراثك الشعري الأصيل، وأفكارك وتجاربك، ورياداتك الجريئة باقية، راسخة، تطل علينا شامخة متوهجة عنيفة في قصائدك.

وعبر حياة ملأى بالإجتهاد والمثابرة، وجد حسب الشيخ جعفر منهجه، وطرازه الشعري الخاص، هذا الشاعر الذي ولد في العمارة، وإستقر مقامه في بغداد، حمل إرادة الإنسان الطيب، المتحدي للجمود والتقليد، وكانت رحلة الثمانين عاماً حافلة بخفقات ذلك القلب الرقيق، الذي أحب الناس، وعانى من أجلهم حتى توقف وجف الخفق.

حسب شاعر مجدد، لذا يقف في طليعة الشعراء العرب المجددين، وشعره يحظى بإهتمام النقاد، والدارسين، والقراء، لما فيه من حداثة، فإذا كانت هاتان الخاصيتان هما أبرز خصائص سلوك وشعر الشيخ جعفر، فإن الخاصية الأكثر عمقاً هي ان الشاعر أسهم في إثراء حركة الشعر العربي، عبر تطوير القصيدة المدوّرة، إمتداداً للشعر العربي في أغلب مراحله. وتكشف نصوصه تواصله الدائم مع المنجز الإنساني، وتأثره بالمنجز الشعري العالمي الحديث.

وإذا كان الشعر بالنسبة لحسب زادهُ في رحلته العميقة المتعبة، فأن فرادة صوته، وإنفتاحه على ميادين المعرفة والفنون، وضع حسب في مرتبة الشعراء الكبار بعد الشاعر السياب.

لم يفرّط الشيخ جعفر بمنزلته الشعرية، والإنسانية، ولم يتنازل عن الحقيقة يوماً على حساب الشعر، والحب، والإنسان، على الرغم من محاولات النيل من تجربته، وتشويه تاريخه الشخصي، هذه المحاولات من (البعض)، لا تعرف حجم المعاناة التي عاشها الشاعر، فإختار البديل الاصعب في بلد مجاور، ثم عاد إلى العزلة مكتفياً بطعمه الخاص شعراً وسلوكاً. فكان يخفي في تجاويف وجهه، الوحدة، والحزن، والغربة. ذلك ان حسب بكل براءته، يشعر  دائماً بالخوف، ثمة كوابيس تلاحقه، فأتعب نفسه في إختراق المحاصرة، لم يجد سبيلاً لذلك غير الشعر، بمقدوره أن يقوله بلا تردد، لقد إكتشف ان الجنس والمرأة، يمكن أن يكونا جزءاً من القضية، والحرب التي ينبغي  أن يشنها من أجل تحرر نفسه، وتحرر المرأة، تتوجه لإقتلاع جذور التخلخل الإجتماعي، و نحو الظلام، والقمع، فكانت قصائده جريئة ومباشرة في هذا الميدان، إخترق بها الحصار، متناسياً الجراح التي في أعماقه :

قلت: خذني وردة تبتل في ليلة صيف

نهراً أهوج كالثور، إخترقني مثل سيف

جسدي ظبي جريح

وسريري ضائع كالبادية،

فخذ السرّة، وفَخذي صارية

جسّد حسب الجوع الجنسي الذي يتآكل أعماق الناس، رغم إدعائهم العفّة، والإنحراف الذي يتولد في كل مجتمع مغلق، كما ان شعر الشيخ جعفر قد إتسم بالأصالة والصدق، والإخلاص، وخرج على قيود التكلف، وإختط لنفسه مسالك جديدة في صميم حياة العصر. ومن دون شك، فأن دراسته في الإتحاد السوفيتي فتحت الطريق أمامه للتعرف على المذاهب الفلسفية والإجتماعية العالمية، فأثّرت في شعره، وكشفت له عالماً جديداً متحركاً.

لذلك لم يكتب حسب الشعر للوطن وحده، بل تجاوزه إلى أفق إنساني، لقد وظف حياته، وشعره لأنبل الغايات، فكان الشاعر المبتكر حقاً.

***

جمال العتّابي

................

في الصورة من اليمين : حسب الشيخ جعفر، زهير الدجيلي، راضي مهدي السعيد، طرّاد الكبيسي، رشدي العامل، محمد حسين آل ياسين، مالك المطلبي،؟، ياسين طه حافظ، علي جعفر العلاق،؟، الجلوس من اليسار: عبد الحميد العلوجي، يوسف نمر ذياب، عبد الرزاق المطلبي، مزيد الظاهر، موسى العبيدي،  نواف ابو الهيجا، رياض قاسم

في المثقف اليوم