شهادات ومذكرات

هكذا تحدث عبد الحكيم بليليطة

عمرون علي يتنزل القول حول شخصية الدكتور عبد الحكيم بليليطة ضمن واجب الاعتراف بمن كان له فضل علينا، وفضل استاذي عبد الحكيم على تدريس الفلسفة في الجزائر عظيم، فضل امتد الى كل من تقاطع معه في مسالك العاشقين للفلسفة التي احبها وهي انثى لا تهوى الا فارسا متيما بها.

الفلسفة التي استوعبها تفكيرا واشتغل عليها تحليلا ونقدا، تجسدت في أسلوب حياته دالا ومدلولا، وكل من اقترب منه اخذ بقبس من ضوء حكمته، حكمة تعكسها نظرات عينيه التي اجهدها الحزن والالم ومع ذلك لا تفارق الابتسامة شفتيه، اصغيت اليه هنا في مدينتي المسيلة ذات يوم ربيعي جميل كجمال روحه وهو يردد ابيات لنزار قباني في ختام يوم دراسي حول طريقة بناء الدرس الفلسفي همس في اذني قائلا: " أنظر لقد تأنثت الفلسفة" بدا لي حينها ككائن اثيري يسبح بجناحين في فضاء لا يمكن ان يعرج اليه الا من ألهم قول الشعر.

كنت محظوظا بمرافقته في بعض المهمات الرسمية المتعلقة بتثبيت بعض الأستاذة فرغم اتقانه لأكثر من لغة والمامه بتاريخ الفلسفة، الا انه كان شديد التواضع استمد أسلوبه السهل الممتع والممتنع من ابن رشد :" فكلما كان الأسلوب سهلا كان التلقي أسهل " واستمد قدرته على تحريك عقول التلاميذ داخل القسم من منهج سقراط متهكما، في ادب دون ان يجرح مشاعر الاخرين ومولدا للأفكار بحذق وتفنن، واستمد بلاغته وسحر بيانه من القران، امتلك صفاء العقل ودقة الاستنتاج لقد كان ارسطيا في ترتيبه للأفكار، كان دائم التبسم حتى وهو يحدثني عن نكبات الدرس الفلسفي وعبودية العقل المكبل بقيود الاستبداد وجمود الفكر فنحن كما يقول:" نعيش بأجسادنا في القرن الحادي والعشرين لكننا نعيش فكريا في القرن الثالث عشر"

كان يقاوم خيبة الحاضر بأمل ان تشرق شمس التحرر غدا، هذه الشمس التي اشرقت فجر الثاني والعشرين من فبراير2019 من نفس الاتجاه الذي اشرقت منه شمس نوفمبر اعادت الحياة لمن كان في حكم الأموات، فانبتت الأرض زهورا وحلقت العصافير ترحيبا بالربيع القادم رقصت وغنت في سماء ارض تغيرت جغرافيتها، وأضحت اكثر اتسعا واكثر جمالا، في وطن كان يعتقد ان ربيعه دائم كربيع قرطبة، على ارضه نفوس طيبة تحركت وتجمعت كل يوم جمعة في ساحات عمومية للمطالبة بحقها في ان تعيش حياة حرة كريمة عادلة غير ان الحلم الوردي الذي استيقظنا عليه ذات صباح ربيعي تحول الى كابوس قاتم .وزهور الربيع التي كانت متفتحة بدأت تذبل وأنواره المضيئة البراقة بدأت تخبو. ومعها التزم استاذي الصمت الى حين. لقد ادرك ان ميلاد الانسان الواعي بذاته المستقل بفرديته الفضولي في تفكيره المتشكك في احكامه، المتمرد على السلطة، المسؤول عن معتقداته الممتن لإنسانيته سيتأخر .

في حصة رؤى التي بثتها القناة الجزائرية الثالثة حول المناهج التربوية والإصلاحات والتي كان من بين محاورها [واقع المدرسة الجزائرية، المناهج التربوية والحداثة...]

تكلم أستاذي عن التربية على اعتبار انها المحور الاساس لكل امة منها يتخرج كل افراد المجتمع وفيها يتشكل الشخص والانسان والمواطن مذكرا ان الدفع بالمدرسة الى وضع النقاش والجدل هو محاولة للارتقاء بها مؤكدا ان راهن المدرسة الجزائرية يعاني الكثير من العجز والقصور ففي مقابل الانفاق المادي للدولة وتزايد عدد المتمدرسين الا ان النتائج تبدو هزيلة فالمدرسة الجزائرية اليوم يجد فيها معظم التلاميذ انفسهم خارج اسوارها اما لان هناك مطالب اجتماعية تظهر في الأفق في ظل وضع اقتصادي متأزم، مدرسة تأثرت بالمحيط الخارجي واضحت غير قادرة على التأثير .

مدرسة من خلال ما تقدمه من معارف هزيلة عجزت عن بناء الانسان القادر على ان يعيش عصره، انسان عاجز عن التكيف مع عالمه الخارجي وعن مواكبة تحديات العولمة .وبما ان العبرة بالنتائج وواقع الحال هو خلاف ما يتغنى به البعض اكد الأستاذ عبد الحكيم بليليطة ان الواقع اصبح يتكلم حسرة وهذا باعتراف من أسندت لهم مهمة تسيير قطاع التربية فعدد الناجحين في البكالوريا ممن لم يعيدوا السنة الدراسية في جميع الاطوار لا يتجاوز 04 بالمئة ونسبة التسرب المدرسي حوالى 32 بالمئة والتلميذ الذي درس اثنى عشر سنة اللغة العربية نراه اليوم عاجزا في النهاية عن تكوين فقرة، يدرس عشرة سنوات لغة فرنسية ويجد نفسه غير قادر على كتابة اسمه على ورقة الامتحان، يدرس سبعة سنوات لغة انجليزية ولا يميز بين كلمتين ...

المشكلة في نظر الدكتور عبد الحكيم، ليست مشكلة مناهج بل مشكلة الأرضية التي من خلالها ستطبق هذه المناهج فالمهندس قبل ان يضع التصميم عليه ان يعاين الأرضية ان كانت لها القدرة على تحمل هذا البناء وعلى الرغم من الانتقال من التدريس بالمحتويات الى التدريس بالكفاءات الا انه للأسف اليوم لا المحتويات تم استعيابها ولا الكفاءات تحققت مستندا الى قول احد الفلاسفة الالمان :"عقل منظم جيدا افضل من عقل ممتلئ جيدا"

تحدث عن ظاهرة الدروس الخصوصية وانه يمكن النظر اليها كنتيجة حتمية لطبيعة التدريس عندنا فالتلميذ مثلا في الرياضيات يفكر انيا يبحث عن طريقة تساعده لحل التمرين هو لا ينظر الى الرياضيات كمفاهيم مجردة كلية قابلة للتعميم على حالات جزئية بل يبحث عن الطريقة وفقط لأنه يوم الامتحان يطلب منه فتح هذا التمرين ونظام التدريس هذا فاشل لانه يشتغل على الجزئيات لا على المفاهيم والمكون فيه يفتقر الى التكوين يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :" اللغة والفكر يبنى على استماع وتيقظ وتكرار ".

تحدث عن علاقة المدرسة بقيم الحداثة الثلاث: النقد والحرية والرشد مستندا الى قول محمد البشير الابراهيمي رحمه الله وهو يتحدث عن الشباب الجزائري:» أتمثله واسع الوجود، لا تقف أمامه الحدود، يرى كل عربي أخا له أخوة الدم، وكل مسلم أخا له أخوة الدين، وكل بشر أخا له أخوة الإنسانية، ثم يعطي لكل أخوة حقها فضلا وعدلا."

والحل يكمن في الايمان بحق الانسان في التفكير «اجترئ على أن تعرف! اجترئ على التخلص من أغلالك! اجترئ على تحرير عقلك"

من أقوال الدكتور عبد الحكيم بليليطة

01- يتأسس الفعل التربوي الفعال على 05 أركان التعاون التواصل الإبداع التفكير النقدي والاستماع لاهتمامات التلميذ.

02- يوم أن يصبح الطفل موضوع اهتماماتنا نقاشاتنا ومخططاتنا يومها نقول أننا بدأنا الولوج للتحضر قبل ذلك نحن في العصر الهمجي

03- حين تزور المدرسة للاستفسار عن ابنك رجاء عرّج على دورة المياه ستكتشف معنى تجريد الطفل من آدميته.

04- الإستثمار المضمون هو الإستثمار في أطفالنا بتربيتهم تعليمهم وتثقيفهم

05- حين ترى جدران مدارسنا الشاحبة الكئيبة وساحاتها المهترئة ودورات مياهها اللا آدمية تعرف قيمة المعرفة عندنا.

06- يمكننا القول أننا نمتلك جامعة للشباب ومن الصعب القول أننا نمتلك شبابا جامعيا

07- الفوضى التي نعيشها تعود لغياب الجبر والهندسة في حياتنا ذلك أن الجبر ينظم الزمان والهندسة تنظم المكان.

08- أربعة اختراعات أخذها الغرب من الشرق طورها وشكل منها أساس جميع صناعاته ونهضته: الطباعة البارود البوصلة والساعة

09- أمريكا أسس لها فلاسفة وعباقرة من أمثال جورج واشنطن بنجامين فرانكلين جون أدامس طوماس جيفرسون جون جاي وألكسندر هاملتون.

10- الشعوب الحية تنقل بعض مشاكلها المستعصية للتاريخ للاستئناس به ونحن ننقل مآسي التاريخ لحياتنا لنعيشها إلى الأبد.

11- فيلسوفان أقر لهما بالعظمة طوماس هوبز ونظرته الثاقبة للطبيعة البشرية، نيكولا ماكيافيلي وإدراكه لمعنى الممارسة السياسية

12- المثقف لا يكتب ويقول ما يرضي الناس، المثقف يكتب ويقول ما يمليه العقل والضمير ولذلك له الكثير الكثير من الخصوم.

13- يوجه أغلبية التلاميذ في المدرسة الألمانية إلى التعليم المهني والتعليم التقني أما التعليم العام فلا يمثل إلا حوالي 20 بالمئة.

14- تعمل المدرسة الألمانية من الثامنة صباحا إلى الواحدة زوالا تدوم الحصة 45 دقيقة وتخصص الفترة المسائية للنشاطات الثقافية والرياضية

 *** 

علي عمرون -  أستاذ مكون في الفلسفة عمرون علي

في المثقف اليوم