شهادات ومذكرات

طعنة في الرقبة تعيد سلمان رشدي الى الواجهة

قالت شرطة ولاية نيويورك إن الكاتب الشهير سلمان رشدي، تعرض للطعن اليوم الجمعة قبل محاضرة مقررة في ولاية نيويورك. وحسب صحيفة الغارديان البريطانية فان مراسل أسوشيتد برس شاهد رجلاً يقتحم المنصة في مؤسسة تشوتوكوا ويبدأ بالاعتداء على رشدي أثناء اثناء استعداده لتقديم المحاضرة،، وتم تقييد الرجل المعتدي واحتجازه. وجاء في بيان صادر عن شرطة ولاية نيويورك، صدر بعد حوالي ساعة من الحادث، أن رشدي أصيب "بطعنة في رقبته". تم نقله على الفور بطائرة هليكوبتر إلى مستشفى في المنطقة، على الرغم من أن حالته "لم تعرف بعد".. وقع الاعتداء قبل الساعة 11 صباحا بقليل في معهد تشوتوكوا بالقرب من إيري في غرب ولاية نيويورك. تمت دعوة رشدي، مؤلف 14 رواية، للحديث عن أهمية منح الولايات المتحدة حق اللجوء للكتاب والفنانين. وأفادت تقارير شهود عيان أن رجلاً يرتدي قناعا أسود اندفع إلى خشبة المسرح وبدأ بمهاجمة رشدي بينما كان جالسا على خشبة المسرح، ويذكر ان مؤسسة دينية ايرانية اعادت قضية سلمان رشدي الى الواجهة عام 2012 عندما خصصت مبلغ ثلاثة ملايين دولار لقتله..

في السادس والعشرين من كانون الثاني عام 1998 نام للمرة الأولى مع زوجته وابنه من دون حراسة. فقد ابلغ الرئيس الايراني محمد خاتمي وسائل الاعلام ان قتل سلمان رشدي اصبح من الماضي،، يتذكر ان روايته " آيات شيطانية " اضطرته أن يعيش في الخفاء، لكنه في المقابل اصبح من مشاهير العالم. عاش مهوسا بالنساء طلق زوجته الاولى كلاريسا، ليتزوج ماريان التي وصفها بانها تعيش في الوهم وفقدت اتزانها العقلي، ليتزوج بعدها من صحفية اسمها اليزابيت، لم يطق صبر معها، وقال للصحفيين بعد طلاقهما انها تريد ان تخرج منه وهي مليونيرة، تزوج عارضة ازياء هندية تصغره بربع قرن، ولم يستمر الزواج اكثر من اربعة اعوام كان يغار عليها من عدسات المصورين الذين يلاحقونها في كل مكان، قال للصحفيين انه لا يقل اهمية عن جيمس جويس ومارسيل بروست.. منحه رئيس الوزراء العمالي توني بلير لقب فارس.يكتب طارق علي أن رواية سلمان رشدي " العار" تمثل هجوما سياسيا عنيفا على باكسان ضياء الحق الذي كان يتلذذ بقتل الناس. اويضيف طارق علي انه غالبا ما تتفوق الحقيقة على الخيال في دولة ضياء الحق الجهنمية.. يكتب الباكستاني إعجاز احمد في كتابه " طبقات، امم، آداب " – ترجمه الى العربية ثائر ديب - ان رواية " العار التي تكاد تكون عن باكستان على وجه الحصر، هي عمل موجع وموئس، ومُغم وخانق، اكثر من رواية رشدي الاخرى اطفال منتصف الليل بكثير. الاحساس بان باكستان قفص هو احساس حاضر اصلا " ويضيف إعجاز احمد ان هذه الرؤية القاتمة هي ما يمكن الوقوع عليه في رواية اورويل الشهيرة " 1984".

في سن المراهقة أكتشف أن اسمه الأخير قد تم اختراعه، ولم يكن موروثاً عن اجداده: "لم يكن جدي يسمى رشدي"، حيث أصر والده أن يضع اسم رشدي مع اسم العائلة كان يريد لقبا جديداً، وبسبب شغفه بعقلانية ابن رشد، هكذا وجد نفسه يسمى سلمان رشدي، وبعد عقود سيستخدم نفس طريقة والده في اختيار اسم جديد له عام 1988 بعد الفتوى الإيرانية بقتله أثر صدور روايته " آيات شيطانية " حيث يقرر ان يطلق على نفسه اسم " جوزيف انطوان: " اخترت الإسمين الأولين للكاتبين جوزيف كونراد وأنطوان تشيكوف اسماً لي أثناء عمليات الاختباء التي فرضت عليّ.. كان حراسي يدعونني جو، فيما تعودت ان اكتب عن سلمان رشدي بصيغة الغائب ". اقترحت عليه الشرطة البريطانية ان يجري جراحة تجميلية لتغيير ملامحه لكنه رفض.. ادرك انه منذ لحظة صدور الفتوى انه لم يعد سلمان رشدى القديم، لم يعد كاتبا يؤلف الروايات، كان يشعر ان المقربين منه اخذوا ينظرون اليه بعطف وكانهم ينظرون الى رجل يساق بعد لحظات الى المشنقة.

ولد سلمان رشدي في التاسع عشر من حزيران عام 1947 في بومباي، ينتمي إلى عائلة كشميرية مسلمة، والده أنيس أحمد رشدى، محامى تخرج من جامعة كامبردج، تحول فيما بعد إلى رجل أعمال، قضى سلمان في بومباي سنوات دراسته الأولى، قبل أن ينتقل مع أهله إلى بريطانيا ليلتحق بالجامعة الملكية فى كامبريدج يدرس التاريخ الذي كان مولعا به، كانت اطروحته للتخرج عن التاريخ الهندى أثناء فترة الكفاح ضد البريطانيين، من انتفاضة 1859 حتى يوم الاستقلال فى أب 1947، فيما أخبر استاذه في الجامعه، انه بصدد كتابة دراسة عن ظهور الاسلام والخلافة المبكرة، نصحة الاستاذ قائلا: "لا تكتب أبداً التاريخ، إلا بعد يكون بإمكانك سماع أصوات الناس " سيظل لسنوات قادمة يفكر بهذه النصيحة وهو يكتب رواياته عن تاريخ الهند وباكستان: " إن لم يكن لديك إحساس بالطريقة التى يتكلم بها الناس، فأنت لم تعرفهم بما يكفى، وبالتالى لا تستطيع أن تسرد قصتهم "، يرد على سؤال حول الضجة التي اثارتها روايته " آيات شيطانية " والاساءة التي تعرض فيها للمعتقدات الاسلامية بالقول: " لست بالتأكيد مسلماً صالحاً. لكنني أستطيع القول الآن إنني مسلم. في الواقع يسعدني القول إنني اليوم من جماعة كانت قيمها دائماً قريبة إلى قلبي "

روايته الاولى "غريموس " نشرت عام 1975 وقد لاقت فشلا ذريعا دفعت احد اصدقاءه ان ينصحه بالبحث عن مهنة اخرى، فعمل في مجال الاعلان، الا ان روايته الثانية " اطفال منتصف الليل" – ترجمها الى العربية عبد الكريم ناصف - وضعته في مصاف الكتاب الكبار وأهلته لكي يحصد جائزة البوكر عام 1981، وان يرشحها القراء لأن تتوج بجائزة البوكر الذهبية عام 1993، باعتبارها افضل رواية فازت في البوكر خلال الاربعين عام من عمر الجائزة.

استمد احداث "أطفال منتصف الليل" من رحلة قام بها الى بلده الاصلي الهند، حيث اراد ان يقدم للقراء حكايتها منذ الاستقلال وحتى لحظة زيارة لها، يخبرنا انه نظر الى خارطة الهند فوجدها تشبه انفا كبيرا، ولهذا نجد مدرس الجغرافيه يسخر من انف بطل الرواية سليم الذي شبهه بجزيرة مهجورة، كان بطل الرواية واحدا من الف طفل وطفل ولدوا في الساعة الاولى لاعلان الاستقلال في الخامس عشر من اب عام 1947، يولد سليم لعائلة هندوسية فقيرة نتيجة علاقة بين ام فقيرة ورجل انكليزي سيغادر البلاد. تستبدله مربيه مسيحية بطفل من اسرة مسلمة ثرية.. يتمتع سليم بعد ان يكبر بقدرات عجيبة اشبه بالتخاطر الذي يمكنه من معرفة الحقيقة، في حين يوهب الطفل الآخر قوة خارقة تجعله بطل حرب وعدوا لسليم.. قال انه استمد شخوص الرواية من اسرته ومعارفه الامر الذي اغضب والده.

في روايته الثالثة "العار" التي صدرت في 1983 – ترجمها الى العربية عبد الكريم ناصف – ينتقل سلمان رشدي بنا من الهند الى باكستان من خلال شخصيتين نجد فيها ملامح الرئيس الباكستاني الذي اعدم ذو الفقار علي بوتو والجنرال الذي اصدر امر اعدامه محمد ضياء الحق وياخذنا في رحلة يروي فيها صعود أسرتيهما وهبوطهما.

وفي الرواية نجد الشقيقات الثلاث، يستمد اوصاف النسوة من كاتبه المحبوب تشيخوف، حيث تَلزم الشقيقات البيت بعد حمل إحداهن،، وعندما يولد الطفل عمر شاكيل تعامله الشقيقات الثلاث كأنه ابن كل منهن. يحرصن على تربيته، لكنه ينشأ كارهاً للنساء، محباً لنفسه، عندما يكبر يتخرج طبيبا، ويلتقي بصوفيا، ابنة حيدر ضياء الحق التي تمثل ذروة الخيبة لأهلها بفعل أصابتها بالتخلف العقلي. لكنه يصر على الزواج منها،نقرا من خلال ابطال الرواية التي وصفها رشدي بانه رواية خيالية، تاريخ باكستان المضطرب سياسيا واجتماعيا.

في روايته التي صدرت عام 2017 يشير سلمان رشدي الى ظاهرة ترامب ويطلق عليه لقب " المهرج " الذي بيدأ معه انحدار أميركا كما يقول رشدي، ليصبح: " المهرج، بشعره الغزير ولمعة الانتصار في عينيه، وبياض بشرته، وشفتيه الحمراوين، متحكما بمصائر الجميع".

يخبر سلمان رشدي محرر صحيفة الغارديان انه بدأ بكتابة " البيت الذهبي " منذ فترة طويلة قبل أن يصبح ترامب رئيساً:  "في أي وقت تقضوه في هذه المدينة حتماً ستجتمعون بشخصيات مثل ابطال البيت الذهبي، ليس هناك نقص في تلك الأنواع من الشخصيات في عالم الرجال الاثرياء". إلا ان سلمان رشدي يشعر بالخوف اكثر على بلده الاصلي الهند لأنها تفقد التعددية العلمانية التي عبّر عن فرحته وفخره بها في روايته أطفال منتصف الليل. وهو يقلق عليها أكثر مما يقلق على اميركا: "فالهند هي في نهاية المطاف دولة أكثر هشاشة من أمريكا"، كما يقول.

نشر سلمان رشدي مذكراته " جوزف انطوان " في ايلول عام 2012، حيث يروي فيها فترة اختبائه من الفتوى التي صدرت بقتله، والتي وضع لها ثمن ثلاثة ملايين وثلثمائة الف دولار لكل من يقتص من هذا الكاتب الذي اساء الى الاسلام في الآيات الشيطانية "، وفي المذكرات يصر رشدي على التمسك بروايته المثيرة للجدل، ويهاجم منتقديه ويصف المافعين عنه بالعظماء. يهاجم ناشره لانه توقف عن اصدار الرواية بعد الفتوى، كتب في صحيفة ذا تايمز: " لست بالتأكيد مسلماً صالحاً. في الواقع يسعدني القول إنني اليوم من جماعة كانت قيمها دائماً قريبة إلى قلبي". بعد الفتوى تنقل بين عشرين منزلاً كان بعضها لأصدقائه، وكان عليه اختيار محل إقامته ودفع النفقات. دفعت الحكومة البريطانية مليون جنيه استرليني سنوياً لحراسته طوال أحد عشر عاماً، وخصصت له أربعة رجال من الشرطة وسيارة مضادة للرصاص. طلّق وزوجته اثناء فترة اختبائه، بعد ان اتهمته بالجبن والغرور. قال له المسؤول عن حمايته: " إنك تخاطر بسلامة سكان لندن لرغبتك في تعظيم نفسك".. هاجمته شقيقته لأنه صور بعض من افراد عائلته في عدد من رواياته، "انه خان العائلة ".

***

علي حسين - كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

 

 

في المثقف اليوم