شهادات ومذكرات

يوسف القرضاوي وجدل عنيف بعد وفاته

منذ الإعلان عن وفاة الشيخ يوسف القرضاوي، لم يتوقف الجدل الحاد حول شخصيته وتصريحاته بين مؤيديه ومعارضيه.. بين من يعتبره داعما لحرية الشعوب، ومن يعتبره عرابا أو ما يوصف للإرهاب من خلال فتاويه، وأكثر القضايا التي تسببت في انتقادات حادة للقرضاوي ومناهض أفكاره هو إجازته بالعمليات الانتحارية التي اعتبرها ومؤيدوه من جماعة الإخوان المسلمين عمليات استشهادية، والقرضاوي بعد فتاواه عاد وأفتي بعدم جوازها للفلسطينيين.

وقد سمعته ذات يوم يعقب من على منبر قناة الجزيرة القطرية علي من اتهموه بالتطرف في فتاويه قائلا:" رغم أن هناك أناس يحاولون أن يشوشوا على مسيرتي، وأن يقذفوني بالحجارة من هنا وهناك، ولكن أقول لكم أنا والله لا أحمل ضغنا على مسلم قط ".

وللأسف نجد الشيخ القرضاوي عند مؤيديه ومناصريه يلقب بالإمام الأكبر، ويتابعه ملايين المسلمين حول العالم.. يجالس القادة والرؤساء والزعماء، لكن في نفس الوقت فإن مواقفه من بعض الدول دفعتهم لوضع اسمه على قائمة الإنتربول للمطلوبين، وفتاواه التي تشمل مختلف مناحي الحياة، جعلت منه شخصية جدلية، فالبعض يراه الرجل الميسر الذي يدعو للاعتدال والوسطية، وآخرون يتهمونه بالتطرف، حيث حرض يوسف القرضاوي في كل من يتعاون مع الدولة المصرية من عسكريين ومدنيين.

وكذلك كان يوسف القرضاوي من كبار المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي ويستمع إليه قادة إسلاميون وحركات جلها من تيار جماعة الإخوان المسلمين، ويوسف القرضاوي يصفه أتباعه بالعالم الوسطي والمعتدل بينما تعاديه جماعات التيار السلفي وتعتبره مخالفا ومبتدعا للدين والعقيدة.

وانعكس الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا حول يوسف القرضاوي حيث يقول بعضهم: الله يرحم الشيخ يوسف القرضاوي، كانت له مواقف كثيرة مشرقة ومن ضمنها مساندة الربيع العربي، والمطالبة بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، ومات محافظا على مبادئه، ودفع الثمن ؛ بينما هاجمه آخرون حيث يقول بعضهم: يوسف القرضاوي مفتي الإرهاب.. شوه الإسلام، ووضع الفتن في سوريا وفلسطين ومصر وتونس، وجعل  مسلمين يقتلون مسلمين ليحكم الإخوان.. فشل الإخوان ومات القرضاوي.. الخ.

في قرية صفط تراب  بمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، وفي كنف عائلة فقيرة، ولد يوسف القرضاوي عام 1926م، وعاش يتيما بعد أن توفي والده الذي كان يعمل مزارعا وهو في العام الثاني من عمره.

بدأ يوسف القرضاوي في تلقي تعليمه الديني مبكرا، حيث حفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره، والتحق بعدها بمدارس الأزهر الشريف، حتى تخرج من الثانوية، وحصد المركز الثاني على مستوي مصر التي كانت تخضع حينها للحكم الملكي.

وفي عام 1953م تخرج يوسف القرضاوي من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، حيث تولي أول  مناصبه في تلك الفترة بعد تعيينه في مراقبة الشؤون الدينية، وإدارة الثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف، ولم تقف طموحات يوسف القرضاوي على ذلك  فحسب بل تابع مسيرته التعليمية، وحصل على دبلوم معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية في تخصص الأدب واللغة عام 1958، وبعدها بعامين حصل على درجة الماجستير بقسم علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين بالأزهر لينال لقب الداعية الدكتور سنة 1973م بعد حصوله على درجة الدكتوراه في رسالته التى حملت عنوان " الزكاة وأثرها على حل المشاكل الاجتماعية ".

ولم تكن حياة يوسف القرضاوي مكرسة للتعليم والدراسة فحسب بل دخل معترك السياسة أيضا فانتمي لجماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها، وأصبح من قياداتها المعروفين، حيث يعد منظر الجماعة الأول، وهذا ما عرضه للاعتقال والسجن عدة مرات، وكان أطولها عام 1954م، واستمر اعتقاله عشرين شهرا في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي قام بحملة ضد جماعة الإخوان المسلمين في تلك الفترة.

وبعدها قرر يوسف القرضاوي ترك مصر والسفر إلى دولة قطر عام 1961م، وعمل فيها مديرا للمعهد الديني الثانوي، ومن ثم حصل على الجنسية القطرية، وأسس منذ تلك الفترة عددا من المراكز الإسلامية والدعوية.

وههنا بدأ يوسف القرضاوي بالتفكير خارج الصندوق والعمل على تأسيس هيئات دولية تختص بأمور جماعة الإخوان المسلمين حول العالم، فأسس المجلس الأوربي للإفتاء حول في إيرلندا عام 1997م، وكانت الخطوة الأكبر عندما قرر يوسف القرضاوي تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فأصبح رئيسا للاتحاد حتى عام 2018م.

وفي بداية 2011 ومع اندلاع ثورات الربيع العربي كان يوسف القرضاوي من أوائل الداعمين لها، فأصبحت جميع خطبه تدعوا الشباب إلى الانتفاضة في وجه الحكام في كل من مصر، وتونس، وليبيا،وسوريا، واعتبرها بمصابة المنحة الإلهية التي تقود إلى مسار تغيير الشعوب، وعاد إلى مصر بعد سقوط نظام حسني مبارك، وألقي خطبة الجمعة في ميدان التحرير وسط القاهرة بعد ثلاثين عاما منع خلالها من الإمامة في مصر، ورغم تصريحاته المتكررة إلى الوسطية والاعتدال، إلا أن ذلك لم يشفع له في عدد من الدول التي اعتبرت الفتاوي التي يطلقها تدعو إلى القتل، حيث رفضت السلطات البريطانية عام 2008م منح يوسف القرضاوي تأشيرة دخول إلى أراضيها للعلاج بسبب تأييده للعمليات الاستشهادية التي كانت تنفذ في دول كثيرة.

وعلى خطأ بريطانيا منعت فرنسا يوسف القرضاوي من دخول البلاد عام 2012، وعلق الرئيس الفرنسي " نيكولا ساركوزي " حينها بأنه شخص عير مرحب به في فرنسا، وفي عام 2017 م أعلنت كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين في بيان مشترك قائمة للإرهاب ضمت الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعلى رأسها يوسف القرضاوي.

وللقرضاوي ما يزيد عن 170 من المؤلفات من الكتب والرسائل، فإن آرائه الفقهية والفتاوي التي يصدرها لا تلقي ترحيبا عند بعض العلماء أنها في نظرهم تقدم الرأي على الدليل الشرعي وتخضع لضغوط العصر الحديث، فيما يري مناصروه أنه استطاع الوصول إلى آراءه فقهية تستند إلى دلائل واضحة والجمع بين الأحاديث المتعارضة للوصول إلى الرأي الراجح ليبقي يوسف القرضاوي من أكثر الشخصيات الدينية جدلا في عصرنا الحديث بعد أن وصلت شهرته إلى العالمية.

نعم لقد كان يوسف القرضاوي في نظر الكثيرين شخصية مثيرة للجدل، وآراءه كانت محل انتقاد من علماء آخرين.. ما زلت أتذكر موقفه من هدم التماثيل في أفغانستان، وأما دعمه للثورات الربيع العربي.. معذرة العبري.. فهي نقطة سوداء في تاريخ الرجل، والتي راح ضحيتها أنفس بريئة.. هو من العلماء والفقهاء بلا شك.. لكن له شطحات وانحرافات لا تعد ولا تحصي.. لا أملك إلا أقول الرجل مات وفي ذمة الله وأدعوه سبحانه أن يسامحه.

***

أ.د محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

..........................

المراجع:

1-  مجموعة كتاب: يوسف القرضاوي فقيه الدعاة وداعية الفقهاء، 2022.

2- وفاة يوسف القرضاوي.. دعم الثورات بشروط ومواقفه أثارت جدلا وحكم بإلإعدام ومُنع من دخول أوروبا.. يوتيوب.

3-بي بي سي: يوسف القرضاوي.. انقسام حول آرائه وفتاويه بعد وفاته.. يوتيوب.

 

في المثقف اليوم