شهادات ومذكرات

قم للمعلم وفه التبجيلا

أتذكر مع حلول اليوم العالمي للمعلم الموافق لتاريخ 5 أكتوبر من كل عام، أستاذي الجليل الشيخ الدكتور مختار الأحمدي نويوات بهذه الكلمات البسيطة التي تبقى عاجزة أمام قيمته العلمية، فليسمح لي أساتذتي أن جميعا أن أكرّمهم وأذكر فضلهم بذكر نموذج الشيخ مختار الأحمدي نويوات أطال الله في عمره ونفع به.

إنه الشيخ والأكاديمي الجزائري مختار الأحمدي نويوات الذي ينحدر من عائلة ذات حسب علمي عريق، كيف لا؟ وهو نجل حجة اللغة والأدب العربيين، وعالم العروض والقوافي، والعارف بعلوم الدين، المرحوم الشيخ: موسى بن محمد بن الملياني الأحمدي نويوات صاحب السفر النفيس: المتوسط الكافي في العروض والقوافي. وقد كان الشيخ موسى الأحمدي نويوات أيام دراسته في الزيتونة بتونس صاحب “اجتهاد في غير ارهاق، وذكاء عميق، وذوق من الله شديد…”(1)  كما أن للشيخ مختار نويوات أخا أكبر وهو “سعد الدين نويوات” الذي كان ملما بخبايا اللغة العربية وحافظا لشعرها.

وقد اشتغل اللغوي والبلاغي والمترجم مختار نويوات أستاذا بجامعة عنابة لعقود طويلة، فهو حاصل على شهادة الدراسات العليا الاسلامية، وشهادة الليسانس في الأدب العربي، ثم شهادة الدراسات العليا من جامعة الجزائر، نال التبريز من جامعة باريس، ثم دكتوراه الدولة في الأدب والعلوم الإنسانية من جامعة السربون، وكان موضوع أطروحته موسوما بـ: السيد الحميري ومصادر شعره…”(2)

وحمل الشيخ مختار نويوات على عاتقه عبر سنوات طويلة مهمة جليلة تتمثل في تعليم وتكوين الطلاب والباحثين وصناعة الرجال قبل الكتابة والتأليف، دون أن يغفل عن التأليف والتحقيق والترجمة، والإشراف على الكثير من المجلات العلمية المتخصصة في مجال اللغة العربية وآدابها. ممثلة في مجلة اللغة العربية التي يصدرها المجلس الأعلى للغة العربية، بالجزائر.

ومن المؤلفات التي قدمها شيخنا الجليل هي:

1– تحقيق ديوان ابن سنان الخفاجي، رفقة المرحوم السوري: نسيب نشاوي، دمشق،2007.

2- كتاب مشترك مع الدكتور محمد خان: العامية الجزائرية وصلتها بالعربية الفصحى، دار الهدى للنشر والتوزيع، الجزائر، ط1، 2005.

-تعريب مقال بعنوان اللغة والمحيط، لادوارد سابير، منشور في مجلة اللغة العربية المجلس الأعلى للغة العربية، الجزائر، عدد 8،

– مقال مظاهر الغلو في الشعر العربي، مجلة بونة للدراسات، عنابة، العدد الأول، 2007.

– قاموس مصطلحات علم التشريح، عربي، فرنسي، إنجليزي، منشورات جامعة عنابة، 2011.

3-كتاب البلاغة العربية في ضوء البلاغات المعاصرة، بين البلاغتين الفرنسية والعربية، دار هومة، الجزائر، ط1، 2013.

4- والشيخ بصدد ترجمة أطروحة الدكتوراه بعنوان الوزارة العباسية، للمستشرق، دومنيك سورديل التي لا نعلم إذا كان قد نشرها.

وقد ترأس الشيخ مختار نويوات مخبر اللسانيات واللغة العربية منذ تأسيه عام 2001، كما أنه يشرف على مجلة اللغة العربية الصادرة عن المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر العاصمة.

ويجمع كل الذين درسوا أو عرفوا الشيخ “مختار نويوات” على معرفته واطلاعه الواسعين للغة العربية وأبرز استعمالاتها، وحفظه للشعر العربي القديم، حيث يرجع ذلك إلى غرس والده في نفسه حب اللغة العربية وآدابها، وهذا لا يعني أنه لا يعرف اللغات الأخرى، فقد عرف اللغة الفرنسية معرفة جعله لا يجد صعوبة في ترجمة وتعريب أشعار فطاحل الأدب الفرنسي.

كما حقق ديوان الشاعر والبلاغي “ابن سنان الخفاجي”، رفقة المرحوم الأستاذ نسيب نشاوي، وقد تم نشر هذا الديوان عام 2007 من قبل مجمع اللغة العربية بدمشق. وابن سنان الخفاجي من البلاغيين العرب ومن مؤلفاته المشهورة كتاب: سر الفصاحة.

وله أيضا تعريبه لنصوص لغوية مشهورة يأتي على رأسها مقال “اللغة والمحيط” للساني والأنتربولوجي الشهير الأمريكي: “ادوارد سابير” وهو مقال ضمن كتابه الموسوم بـ: اللسانيات. وقد تم ترجمة هذا المقال عن الفرنسية.

ويقدم الشيخ ملاحظة حول طريقة تعريبه لهذا المقال يلخصها بقوله:”حاولت في هذا النص أن أقرب المضمون إلى القارئ وخاصة من لا يعرف من اللغات غير العربية وأن أجعله واضحا في ذهنه ولذلك ابتعدت ما استطعت عن الترجمة المحاذية للنص محاذاة تامة. وفضلت الأسلوب العربي المألوف، بيد أني لم أغفل ولم أحرف فكرة أساسا من الأفكار الواردة في المقالة”(3)

   وترتبط هذه المقالة المعربة بموضوع اللغة والمحيط، والمحيط هنا ليس هو الطبيعة وأثرها في المعجم اللغوي، بل هو مدى معرفة المستعملين للغة واهتمامهم بمحيطهم. وقد بذل الشيخ جهدا كبيرا في تعريبه لهذا المقال المشع بكثير من المعلومات اللسانية والثقافية والأنتربولوجية.

وله أيضا كتاب البلاغة العربية في البلاغات المعاصرة، بين البلاغتين الفرنسية والعربية ط1، 2013، وقد جاء هذا الكتاب في أربعة أقسام أساسية، حاول من خلالها الشيخ عقد مقارنة بين البلاغة العربية والبلاغة الفرنسية، فهو يرى أن ما يطلق عليه اليونان واللاتين بـ”فن الخطابة” هو ما يسميه العرب بـ”علم البلاغة”.

وفن الخطابة عند اليونان هو إجادة الخطيب لفن القول، كما أن اليونان قد استمدوا ” بلاغتهم من ملاحمهم ومن نظمهم الاجتماعية والسياسة من الإلياذة والأوديسة ومن خطب ممثليهم في مجلس الشيوخ ومن فنونهم المسرحية الثرية وحذا حذوهم الرومان”(4)

أما البلاغة العربية حسب الشيخ نويوات فقد غلبت عليها “نظرية الفن للفن، هدف الشاعر أو الكاتب اليوناني القول الجميل للإقناع، وهدف الشاعر أو الكاتب العربي في نثره الفني الإبداع وسحر البيان، مصدر البلاغة اليونانية الملاحم والمسارح والميثولوجيا ومصدر البلاغة العربية القرآن والحديث النبوي الشريف والبيت الشعري-أو البيتان- يقوله الشاعر فيبهر الأسماع وينفذ إلى القلوب ويجوب البلاد متجاوزا حدودها فيخلد ويخلّد قائله”(5)

ويبدو أن الشيخ مختار نويوات قد ألف كتابه وهو لا يملك نية التعصب للبلاغة العربية والحكم المسبق على تفوقها كما يفعل الكثير من الدارسين، بل ترك الحكم إلى نهاية الدراسة وأيقن في الأخير أن كتب البلاغة العربية لم تناقش كل أبواب البلاغة العربية لأسباب مرتبطة بعدم اهتمام العرب أو لعدم حصر هذه الأغراض البلاغية تحت باب خاص، أو لأنهم لم يروه من أبواب البلاغة العربية…(6)

وقد استدرك الشيخ نويوات على علماء البلاغة القدماء، وقام بالاعتماد أثناء مقارنته بين البلاغتيين العربية والفرنسية على شواهد من اللغة اليومية، الدارجة على ألسنة العامة دون اغفاله للنصوص الشعرية العربية.

ويحسب للشيخ مختار نويوات في هذا الكتاب الكثير من المحاسن من أبرزها إلمامه الكبير بمصادر البلاغة العربية ومدونات العرب الشعرية والنثرية، والقدر نفسه من مدونات البلاغة الفرنسية، لهذا لم يكن هدفه عقد مقارنة من جانب واحد كما هي عادة الكثير من الذين يشتغلون في ميدان الدراسات المقارنة. فهو يترجم عيون الشعر الفرنسي ويقربها للقارئ العربي دون إبهام يلحق بما يترجمه.

وللشيخ نويوات أراء ومواقف في اللغة العربية، فكما ذكرنا سابقا فأنه قد عرف عنه حبه الشديد للغة الضاد، ولا ينفك يدافع عنها في كل مقام حضره أو مكان حلّ به، ويظهر ذلك جليّا عبر أقواله ومواقفه العديدة والمستمرة. فبالرغم من معرفته باللغة الفرنسية بقدر معرفته باللغة العربية إلا أن ذلك لم يزده إلا حبا وتقديرا للغة أجداده. محاولا باستمرار توريث هذا الحب والتقدير لطلبته الذين أصبحوا أساتذة وباحثين في المؤسسات التعليمية وكذا الجامعات الجزائرية والعربية وحتى العالمية على حدّ سواء.

وقد عودنا الشيخ مختار نويوات أن يطالعنا في كل عدد من مجلة اللغة العربية التي تصدر عن المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر العاصمة بكتابة الكلمة الافتتاحية، مدافعا عن اللغة العربية، غير مكتف بالدفاع فقط بل مشخصا لحالها مطالبا مستعميلها تطويرها بتطوير حياتهم وثقافتهم.

وقد جمعت هذه المقالات وغيرها في كتاب "عن اللسان وفي البيان” صدر عن المجلس الأعلى للغة العربية بعدما تم تكريمه من قبله بتاريخ 18 ديسمبر 2014.

ومما جاء فيه:

“صفوة القول أن اللغة العربية ثرية إلى أقصى حدّ ، مرنة طيعة، لها من المميزات ما يجعلها قادرة على استعاب الثقافات والحضارات المعاصرة كما استوعبت قديمها.”(7)

يبقى الشيخ مختار الأحمدي نويوات من رجال الفكر والثقافة في الجزائر الذين أسسوا لوعي معرفي لا ينضب، كيف لا؟ وقد أشرف على تخريج الكثير من الباحثين، هم بدورهم أصبحوا يساهمون في تكوين أجيال متلاحقة من الطلبة والباحثين داخل الجامعات الجزائرية.

في الختام أتذكر أنني درست في مرحلة الدراسات العليا بجامعة عنابة لمدة ثلاث سنوات متتالية عند الشيخ مختار الاحمدي نويوات وهو صاحب الثمانية عقود والتي لم تحجب عنه نشاطه، حيث كان يصل إلى الجامعة قبلنا ونحن في ذلك الوقت شبابا، كما تعلمنا منه ميزة وجب أن تكتب بماء الذهب وهي التواضع، فقد كان شيخنا متواضعا وهو العالم والعارف باللغة العربية وآدابها، والمتمكن من الآداب الغربية ويكفيه في ذلك تقديمه لأطروحة الدكتوراه ومناقشتها أمام فطاحل جامعة السربون فكان لهم ندا يتعلمون منه.

أطال الله في عمر شيخنا مختار نويوات ونفع به.

***

طارق بوحالة الجزائر

.....................

- للمقال مراجع

في المثقف اليوم