شهادات ومذكرات

أيام في حياة الشاعرة البولندية ماريا بافليكوفسكا

جاسنورزيوسكا

ترجمتها عن البولندية: مريم لطفي

***

ولدت الشاعرة البولندية بافليكوفسكا في 24 موفمبر 1891 في كراكوف لعائلة فنية، فهي إبنة فويتشخ كوساك وجدهاجوليوس كوساك اللذين اشتهرا بالرسم و بتصويرهم للمشاهد التاريخية والخيول وقد كانا من طبقة النبلاء وكانت العائلة تمتلك قصرا في كراكوف مكان التقاء الفنانين والمثقفين والبولنديين، كما كانت والدتها ملاكا صارما لها حسا فكاهيا رائعا واختها ماجدالينا ساموزوانيكيك كاتبة ساخرة، كما واصل شقيقها الاكبر جيرزي مسيرة الرسم، درست ماريا في المنزل وتعلمت اللغات واستكشفت العلوم الطبيعية والادب ودرست عاما في أكاديمية كركوف، وكان لاتصالاتها اليومية مع الخدم اثرا بخلق خيالا واسعا لدى الشاعرة من خلال استماعها لقصص السحر والاشباح:

لقد عاد قلبي

لقد أعطيته بعيدا في وابل المطر الذهبي

إنه ليس ساما مثل الشوكران

لقد وجدته الان

وليس ضخما، ولاقويا مثل النسر

ولايحرسه فريقا من الشياطين ذوي الوجه الداكن

ومع ذلك سأستمر بحمله

 وقد كانت ماريا غزيرة الانتاج فسميت ب(ملكة الشعر الغنائي) كما كانت الشاعرة تجيد اللغات الفرنسية والانكليزية والالمانية وقد قسمت وقتها بين الشعر والرسم.

بدأت حياتها المهنية ككاتبة مسرحية عام1924 فكتبت مسرحية (السائق ارشيبالد)، وبحلول عام 1939 كتبت خمسة عشر مسرحية معظمها كوميدية، وقد قام النقاد بتقييم انجازاتها بشكل ايجابي، فقد قارنوا الكاتبة مع موليير وبيير ماريفاوس واوسكار وايلد، وقد عالجت مسرحياتها واعمالها لموضوعات محضورة وتصورنهجها غير التقليدي للاموركنظرتها مثلا للامومة على انه التزام مؤلم!

سافرت الشاعرة كثيرا على سبيل المثال الى ايطاليا وتركيا وفرنسا وهذا ماانعكس على اشعارها، تزوجت ثلاث مرات كانت الاولى عام 1919 من باولوفيسكي الذي كان كاتبا ومحبا للطبيعة والجبال ثم من المقدم بزوفسكي ثم من الطيار ستيفان جاسنورزيوسكي الذي بقي معها حتى وفاتها.

كان منزل عائلتها بالقرب من كراكوف دائما مليئا بالضيوف ويعج بالحياة، وقد كانت صديقة للعديد من الفنانين والكتاب، حيث عاشت حياة مترفة نموذجية.

كرمتها الاكاديمية البولندية للاداب عام 1935 بجائزة الغار الذهبية وهي اعلى وسام حكومي، وبعد عامين حصلت على الجائزة الادبية من مدينة كراكوف.كتبت اعمالا درامية ومسرحيات وعالجت مواضيعا شتى بطريقة دراماتيكية مختلفة كالحقوق المتساوية في الحب ومعارضة قوانين الطبيعة الحديدية والافتتان بالروحانيات والسحر:

في العمق في الساحات، يمينا ويسارا

في الساحات والاقبية السفلية

يتربص سحرة باريس مثل الضفادع النائمة

مثل الثعابين الخضراء، والبوم الرقيق

مثل الليل الهادئ

مثل ثرثرة في صالات العرض

في –نوتردام دي باريس

 وقد ابتعدت عن الصرامة ومالت الى البساطة والشفافية وقدمت نصوصا شعرية ونثرا شعريا غير نمطيا وقد كانت قصائد" الولادة الجيدة" و"قانون الجنين" من مجموعة 1933الى جانب الرؤية المغايرة للشيخوخة، والافتتان بظواهر الوفاة والولادة والانحلال والموت، وقد وصف بعض النقاد كتاباتها بالغامضة!

من يريدني أن أحبه

يجب ألايكون كئيبا

وأن يكون قادرا على رفعي عاليا

في راحة يديه

من يريدني أن أحبه

يجب أن يعرف كيف يجلس على مقعد لساعات

يتأمل الديدان الصغيرة وأوراق العشب والزهور

وعليه أن يعرف كيف يتثائب

عندما تمر الجنازة في الشارع

وتتلاشى  الحشود في الموكب

كان أول كتاب شعر لها هو نيبيسكي ميغدائي 1922 واللذي يعني اللوز الازرق، وقد شكلت ماريا صداقة عميقة مع جوليان تويم الذي شاركها اهتمامها بالسحر والمعرفة الباطنية والماورائيات، ودافع عنها ضد النقد المعادي.

قضت معظم حياتها محاطة بأبرز الشخصيات في عالم كراكوف الفني قبل الحرب، لكنها عاشت منعزلة تقريبا في انجلترا بعيدا عن عائلتها التي تربطها بها علاقة قوية خصوصا مع اختها الصغرى ماغدالينا، لقد اعتادت على الحياة الفخمة عندما كانت تعيش في بولندا الى ان غادرت البلاد عام1939، لقد غيرت فيها الحرب والهجرة كل شئ.

الفضائل التي ترضي الرب ليست لي

انها تتضاءل وتتقلص أمام عيني

حتى يبقى آخرها فقط

أحبك ياعدوي!

وبعد اندلاع الحرب ذهبت الى المملكة المتحدة عبر رومانيا وفرنسا مع زوجها الثالث الملازم الجوي في قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني عام 1940.

اصيبت بالوحدة الشديدة في مانشستر، ولم تتقبل فكرة انها تعاني من مشاكل مالية بعد حياة الترف التي كانت تعيشها في بولندا:

لنفترض انك حصلت على نعيم القمر

مرة واحدة في الزرقة

وجسدا آخرا والارض بأكملها

وانتهت بصورة كهذه

وهذا-اذن هذا هو كل ماتستحق

كان زوجها يرسل لها العديد من الرسائل ونا درا ماكان يحصل على تصريح لزيارتها، لكنه كان يرسل لها مشاعره والوصفات البولندية:

لذا لن يعتذر لي أحد عن كل ماحدث؟

لن يجادل أحد بأنهم لايستطيعون التوصل الى فكرة أفضل؟

لن يقول لي أحد:حبيبي، مامدى شجاعتك!

لن يمنحني أحد ميدالية أو يربت على كتفي؟

لن يخبرني أحد لماذا؟لن يخبرني أحد لمن؟

عكست قصائدها في المنفى مشاعرا مناهضة للحرب وتوقعات كارثية وشوقا حادا لعائلتها ووطنها، محاولة التغلب على الالم الجسدي والجوانب الاخرى للموت البطئ!

إمرأة تنتظر

تنظر الى الساعة وتحسب ساعاتها

تمضغ منديلها بغضب عاجز

العالم من خلال النافذة شاحب وقاسٍ

ربما فات الاوان بالنسبة لي

اصيبت الشاعرة بسرطان عنق الرحم عام 1944 وقد حاولت التغلب عليه بشتى الطرق، لكن دون جدوى فقد اشتد عليها المرض:

طائر صغير يعرج ليموت، ويختفي

حتى لايراه أحد على وجه الارض

مثل القلب في صدر الانسان- يختبء

في الداخل ليموت سرا

تمكن منها اليأس والمرض وهي تعيش وحيدة بعيدة عن الاهل والوطن تمتلكها مشاعرا مؤلمة مظطربة تجعلها فريسة للالم والوحدة:

يوم مستشفى

يوم صامت، يوم مثل ملجأ بيت الرحمة

ترقد سيدة مصابة بجرح مميت..تموت بسببه

شخص ما يتكئ عليها

هل هي نائمة؟ يسأل

من فعل بها هذا؟

من حبيبها؟

يوم صامت..مستشفى بيضاء

الثلج خارج النافذة

الشتاء..

يتحرك صفا من الممرضات والساعات

بجوار جدار الغرفة

يتهامسون..هل يوجد أمل؟

يتنهدون..ليس لها

في هذا الوقت غير معطف ابيض!

أجرت الجراحة مرتين لكن لسوء الحظ، ادت النقائل في العمود الفقري الى وفاتها المبكرة في مستشفى مانشستر في يوليو1945 وقد دفنت في المقبرة الجنوبية، وفي اغسطس عام 1973 وضع رماد زوجها الى جانبها في نفس المقبرة.

عيناك صامتة كما كانت دائما

عيناك صامتة كما كانت تعانقني دائما

النجوم الهادئة تمطر من السماء

والنجوم اللطيفة تتساقط من السماء

وفي مكان ما يموت على الثلج

تتحول وجوهنا الى اللون الابيض بصمت

وتتحول ارواحنا في الحب الى اللون الابيض

***

في المثقف اليوم