شهادات ومذكرات

ما تِتفلسِفش يا أخي

من بين الكتب التي اقتنيتها من معرض القاهرة كتاب "الفهامة" وهو كناب عجيب وغريب حيث يخوض فيه المؤلف شهاب الخشب في اعقد الموضوعات الفلسفية بلغة بسيطة ويصر على الكتابة باللهجة المصرية .

في سيرة شهاب الخشب نقرأ " كاتب وباحث في الأنثروبولوجيا. من مواليد القاهرة 1991، عاش في مدينة مونتريال الكندية، رسلته في الدكتوراه عن صناعة السينما المصرية نالها من جامعة أكسفورد. يعمل استاذ في جامعة اكسفورد في الانثربولوجيا البصرية . كنت اتابع مقالاته في بعض المواقع الالكترونية

في " الفهامة " والتي استمد عنوانها من سلسلة كاريكاتيرية كان ينشرها عبقري مصر صلاح جاهين في الستينيات، يحاول الخشاب ان يقدم للقراء اصعب المفاهيم الفلسفية، بطريقة سلسة من خلال ربطها بالحياة اليومية فمثلا عندما يكتب عن مفهوم الهيمنة نجده يقول : جرامشي بيفرّق ما بين جزئين أساسيين في المجتمع: المجتمع المدني، اللي فيه الناس المطحونة العادية مع شوية مثقفين، والمجتمع السياسي أو “الدولة”، اللي فيها كل فروع القمع المباشر من الجيش والبروقراطية والحكومة. حسب جرامشي الدولة عندها طريقتين للسيطرة على المجتمع المدني: يا بالقوة البحتة، يا بالهيمنة. طبعا مافيش دولة في الدنيا هتعرف تقمع الشعب بشكل مباشر إلى الأبد، لأن الخسائر المادية عالية والاستقرار للمصالح الكبيرة مستحيل، إذن لازم الدولة تفرض هيمنتها، يعني تنشر ثقافة عامة للناس عشان تصدق إن الحكم القائم كويس، وإن الطبقة الحاكمة كلها ناس كويسين"

في شبابي تذوقت الفلسفة من خلال كتابات اساتذة كبار كان على راسهم الراحل الكبير عبد الغفار مكاوي وكتابه الذي لا ينسى " مدرسة الحكمة " حيث كنت اقرأ فصول الكتاب واتخيل نيتشه وهايدغر وكانط وكانهم يتحاورن معي . ثم اكتشفت العملاق زكي نجيب محمود والسلسلة التي كان يكتبها عن الفلاسفة في مجلة العربي الكويتية .. يالها من متعة ان تجلس الى حوار برتراند رسل وجورج مور ووايتهد وهيوم وجون ديوب وكاسبر، وتكتشف ان الفلسفة عالم جميل عكس ما كنت تسمعه من انها " بعبع " مخيف حاذر ان تقترب منه . ومثلما يكتب شهاب الخشاب في مقدمة كتابه " الفهامة " وتُبطل فكرة أن الفلسفة تضييع للوقت (ما تِتفلسِفش يا أخي..) أو مجرد عقيدة شخصية (فلسفتي في الحياة هي…)، وأنها عبارة عن نظريات مفارِقة تضُر بأكل العيش والأخلاق" . حاولت ايضا ان اخوض تجربة تقديم الفلسفة بشكل مبسط في كتابي " دعونا نتفلسف " لكنني لم اتجرأ ان اكتب عن كانط وهيغل وسبينوزا بالعامية العراقية، وكنت في منتصف السبعينيات قرأت مقالا لمحمود امين العالم بعنوان " بلاش فلسفة " كان يدعو فيه الى تقريب الفلسفة للقارئ العادي وخاض آنذاك معركة مع بعض الذين يعتقدون ان الفلسفة مكانها داخل اسوار الجامعه والمنتديات الفكرية . بلاش فلسفة ظلت ترافقني حتى لحظة كتابة اول مقال من كتابي دعونا نتفلسف ولا زلت اعتبرها دليلا لي وانا اقدم فديوهات او مقالات عن الفلسفة والفلاسفة في صفحتي على الفيسبوك

واعود الى " الفهامة " لأقول لكم ان المؤلف يصر على اننا يمكن ان نكون جميعا فلاسفة واننا يمكن ان نقابل كيركغارد وشوبنهاور وجون لوك ونتحدث اليهم مباشرة . انها دعوة لان تنزل الفلسفة من برجها العاجي وان لا تكون صديقة للنخب فقط، وانما يجري تداولها في المقاهي وباصات النقل بهدف جعل الناس يفكرون وكل " فهامة ".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم