شهادات ومذكرات

هل دندنت يوما مع سناء البيسي؟

في زمن مواقع التواصل الاجتماعي يجد القارئ نفسه يشعر بالتذمر عندما تلمح عيناه مقالا لكاتب يأخذ مساحة صفحة كاملة . فمن يملك الوقت والرغبة في متابعة سطور تتجاوز كلماتها ال" 3000" كلمة واكثر احيانا، وقد علمتني هذه المهنة وخصوصا في السنوات الاخيرة ان اعتمد على  القارئ الذي يرافقني كظلي والذي يحذرني من المطولات التي يسعى اصحابها الى تحسينها بكلام مكرور  وممل، لكن هذا القارئ يفقد كل اسلحة التحذير ويجد نفسه عاجزا عندما تطالع عيناه مقالا ياخذ مساحة صفحة كاملة مذيلا باسم " سناء البيسي " تتحفنا به صحيفة الاهرام صباح كل يوم سبت، ومن لا يعرف من هي سناء البيسي،  اقول له انها اميرة صاحبة الجلالة، جلست على عرش الامارة  منذ اللحظة الاولى التي قرأ فيها مصطفى امين الخبر الذي كتبته عن زيارته لقسم الصحافة وكانت آنذاك طالبة في المرحلة الاولى تدرس في قسم الصحافة، عندما طلب مصطفى امين ان يكتب الطلبة انطباعات عن زيارته كتبت سناء البيسي" الأستاذ مصطفى أمين ليلقي علينا محاضرة لم أفهم معظمها لأنه كان ينفث كلماته بين أنفاس سيجارته التي غرسها بين شفتيه قضاعت كلماته مع الدخان" ليكتشف مصطفى امين في هذه الكلمات موهبة متميزة ستواصل مسيرتها مع صاحبة الجلالة ولتصبح علامة بارزة من علامات الصحافة العربية . في كتابه الممتع " صنايعية مصر " يذكر عمر طاهر ان الرئيس السادات اراد ان يجعل منها رئيسة لتحرير مجلة حواء فرفضت، وحاول ان ينقل خدماتها الى جريدة " مايو " جريدة الحزب الذي يرأسه لكنها تملصت ايضا واصرت على الاستمرار في عملها في الاهرام لتؤسس بعد سنوات ضمن مطبوعات الاهرام مجلة " نصف الدنيا" التي صدرت عام 1990 ولتجعل منها واحدة من اهم المجلات الاسبوعية العربية، لم تكن مجلة متخصصة بالمرأة فقط وانما مجلة تتطلع الى جميع القراء، تقرأ فيها مقالات احمد بهاء الدين ومفيد فوزي ويوسف ادريس، واقنعت نجيب محفوظ ان يعود الى الكتابة بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال فنشرت سلسلة " احلام فترة النقاهة " وكان نجيب محفوظ يقول لها  "هيهات أن أبلغ ذروة البلاغة التي تتمتعين بها"، وطلب منها ان تتولى اعداد هذه الاحلام وتكتب لها مقدمة تعد اليوم واحدة من اجمل المقدمات التي كتبت عن صاحب الثلاثية. إلى جانب إسهامتها في، قدمت سناءالبيسي مجموعة من الكتب والأعمال الأدبية المميزة، كان واحدا منها كتاب "دندنة" الذي وجدته امس في مكتبة تنمية وكنت دائم البحث عنه وفيه توثق البيسي لعالم الدندنة والموسيقى العربية التي أثرت في وجداننا، وكانت قد اصدرت قبل ذلك مجموعة كتب منها  "امرأة لكل العصور" الذي حوله صلاح جاهين إلى مسلسل "هي وهو"، كما ألفت المجموعة القصصية "في الهواء الطلق"، و"الكلام الساكت" و"مصر يا ولاد"، و"أموت وأفهم"، و"عالم اليقين"، "الكلام المباح"، و"سيرة الحبايب- 55 شخصية من قلب مصر". واخر كتبها الذي صدر هذا العام بعنوان " الحرف الشريف " وفيه تتحدث باسلوبها المتفرد عن كواكب الصحافة والثقافة من طه حسين والعقاد وفكرى أباظة وتوفيق الحكيم وهيكل ومصطفى وعلى أمين والتابعى وجمال حمدان وعبدالرحمن بدوى والشرقاوى وصلاح عب الصبور   وسهير القلماوى ونعمات أحمد فؤاد ونجيب محفوظ وزكى نجيب محمود ورجاء النقاش وخيرى شلبى وأحمد بهاء الدين والطيب صالح  وفتحى غانم.

في دندنة توثق سناء البيسي عصرا  من الفن والطرب والعزف وأبيات الشعر..ففي الكتاب نمكث مع صناع النغم، وصناع الكلام، وسلاطين الطرب، واساطين الالحان بكلمات اشبه بالسحر تبدأها بجملة عجيبة " سمعني، اطربني .. تشجيني .. ارأف بحالي .. وغني لي غنوة الحانها حلوة تاخذني بعيدا " .

من كامل الخلعي ومرورا بزكريا احمد وسيد دوريس والسنباطي ومحمد فوزي والطويل والموجي وسيد مكاوي وبليغ وليس انتهاء بمنيرة المهدية وام كلثوم وعبد الوهاب وفريد الاطرش واسمهان وعبد المطلب وليلى مراد والعندليب وفيروز ونجاة وصباح وترفق معهم اصحاب الكلمات من احمد شوقي ومرورا برامي وبديع خيري ونزار قباني وكامل الشناويدوحسين السيد ومرسي جميل عزيز وتنتهي باحمد فؤاد نجم والشيخ امام حيث تصف اغنياتهم بانها كانت " اغان من طراز فريد .. تكاد تكون اول اغاني فلسفية . تغوص بك في تاملات عميقة ثم تحلق بك معها في سماوات الحيرة والتساؤل، اللحن يعبر عن المعنى، والمعنى يرقى باللحن ويتالق "

سناء البيسي الاستاذة والماركة المتميزة في الصحافة تعطي للكتابة الصحفية افقها وشخصيتها وتصور الاخرين بريشة رسام خبير يسعى لتقريب الملامح ويسجل نبض الحياة ويبرز الوان اصحاب الدندنة لنتجول ونحن نقرأ "دندنة" في متحف فني وادبي ينبض بالحياة وعبق التاريخ وذكريات الزمن الجميل.

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم