نصوص أدبية

بماذا يحلم الوحل ؟ / آسيا رحاحليه

بعد المدرسة يعود الرفاق إلى البيوت .

البيوت في الشوارع . يعود مروان إلى الشارع .

الشارعُ بيت مروان .

لا جدران تؤويه مذ سقط من حضن الغيب في حِجر العراء .

كلما يحاول مروان الوصول إلى السقف يمسك بالعراء .

في " ساحة الشهداء " تطوف أرواحهم ... الذين " عند ربهم يرزقون ".

يتساءلون ... لا يفهمون ...لمَ مروان هنا مع أمه و أبيه ؟

من أجل ماذا كانت الدماء و التضحيات ؟

مروان يحب الرسم و كرة القدم . يكره التاريخ و الجغرافيا .

يرسم دائما ...على محفظته المتهرئة ..على سرواله ..على حيطان المدرسة

و فوق كراسة أحلامه .

دائما نفس الرسم ... منزلٌ صغير . بابٌ يتوسط نافذتين .

خلف المنزل شجرة وارفة . أمام المنزل طفلٌ يلعب بالكرة .

فوق المنزل شمسُ تضحك للطفل .

مطرٌ...مطرٌ...مطرْ...

"ليس بيدي شيء " يقول المسؤول ." من مات ادفنوه ! "

القبيلة اختارت المسؤول . المسؤول اختار لها الفجيعة ... بألف لون و لون .

المسؤولون موهوبون في جرّ المآسي .

الناسُ كرماء. الفقراءُ أكثر كرما . يبنون بيتا لمروان .

بيتٌ فوضويٌ عند سفح جبل . بجانبه بيوت أُخَر .

أحلام البؤساء تزاور . تبتسم في وجه بعضها البعض . تتآزر .

أحلام البؤساء تحلم بالشمس ...بسماء لسنونواتها .

الشمس تعتذر عن الظهور. الشمس لا تزور الفقراء . لا تحب سفوح الجبال .

يسقط المطر. أول الغيث قطرة . قطرتان .

قطرات ... سيولٌ ...سيولْ .

تنجرف التربة . يميد الجبل . تنجرف الأحلام .

لا عاصم لك اليوم يا مروان . الجبل وراءك و من أمامك السيل .

يأخذ الموت شكل الوطن .

و يسألونني عن الوطن ..

أقول : أمٌّ تأكل صغارها .

الشهداء في "ساحة البؤساء " ينتحبون . يتساءلون ...

أهباءً سالت الدماء ؟

يتوقّف المطر .

آخر الغيث وَأْد .

وحلٌ...وحلٌ...وحلْ...

السماء عابسة . الوقت ثقيل . القلوب منتكسة . بعض العيون تذرف الألم ...
دمعةً دمعة .

أنفاس الموت تحوم في الجو .

رجال في الوحل للأذقان ينتشلون من الطين جثثا ليعيدوها إلى ... الطين

مروان في وضعية الجنين .على رأسه قبعة صوفية ...في قدميه جوارب .
مغمسٌ بالوحل . الوحل يغطي سنواته العشر.

يغطي عينيه و فمه و أنفه و ... أحلامه .

كيف يتواطأ الوطن مع الموت ليحقّق حلم الوحل ؟

هل كان الوحل يحلم بمروان ؟

آسيا رحاحليه

 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

 

............................

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2073الاربعاء 28 / 03 / 2012)

 

في نصوص اليوم