نصوص أدبية

من ألبوم القلب ... / آسيا رحاحليه

 

إنّي أشم رائحة حب . أحس بما يسبق العاصفة . ما يشبه الجنون قادم . ما يشبه الضياع قادم . بمن ألوذ و أنت يا قلبي ، مثل قدري ، تقف ضدّي ؟ لمن أمدّ يدي ؟ حسبتُ أن السفينة رست بنا أخيرا على مرفأ اللاحب ، حسبت أنّنا وصلنا إلي بر السكينة والأمان .

أما اتفقنا أنها الهدنة؟ أما عقدنا معاهدة وقف الجنون ؟

لكنك مثل الزمان يا قلبي ، متقلبٌ ، لا عهد لك ولا أمانْ .

أنت تلميذ بليد لا يتعلم من أخطائه . ذاكرتك مثقوبة ، تعود دائما من حيث بدت ناسيا كل شيء.

يرعبني الإعصار فأغلق عليك الأبواب لكي أحميك من الريح ، و أنت في غفلة مني تشرّع النوافذ فتصيبك نزلات الهوى و أحتار أنا فيك و معك . يصيح بك العقل ، يصرخ ، يترجّى ، يصفّر كشرطي مرور في زحمة سير ، و لكنك تمضي في جنونك مثل سيل جارف ، غير آبه لشيء ، آخذا في طريقك كل شيء ، العقل والمنطق و القوانين و المقاييس .

و تأخذني معك إلى حيث لا أدري و لا أنت تدري .

 

كانت الصورة تشير إلى الخوف و ألف دقة .

... الثانية :

جعلتني أقف على شفا الجنون ، و مع ذلك لن أغادر لأن حياتي الآن مساحة واحدة يملأها حبك و لأن أي حسابات ندم قد أعرفها يوما ستكون أنّني لم أحبك كما تستحق ، و أنك لم تحبني كما حلمت .

إياك أن تنسى من أنت . فعلا ، أنت الكل و أنا الجزء ، أنت الأصل و أنا الصورة غير المطابقة ، أنت العمر و أنا فيه جزء من الثانية ، أنت المجلد و أنا الفاصلة الصغيرة ، أنت السنديانة و أنا الغصين الرفيع ، أنت النخلة و أنا ظلها الباهت المشوه على الأرض ، أنت القصيدة و أنا نقطة في آخر بيت .

لكن ..فقط لأنني أحبك .

الأمر كله بيدك حبيبي .المغامرة هواية الشجعان . إن آنت قررت متابعة الإبحار فأنا معك ، سأجعل من ذراعي مجدافك...و من خصلات شعري أنسج عريشه تحميك من الشمس .

أتدري أنني مَدينة لك بكل عمري ؟ لولاك ما عشت وهج الحب و نار الغيرة و عذابات الانتظار و لا روعة اللقاء .

لولا حبك ما كنت عرفت معنى الأرق و القلق و لا ذقت وخز الشك ولا وجع الحنين .

و ما هو العمر إن لم يكن هذا كله ؟

'سندريلا' أنا يا أميري ، حبك انتشلني من رماد أيامي . لا يهمني أن ينتهي مفعول السحر حين تدق الساعة تمام منتصف الحب .لا يهمني لو عدتُ الى حزني و ذبولي و ظلم أقداري لأنني سأعيش بقية حياتي على ذكرى حفلتي معك و فرحتي بك . سأدفء شتاءاتي القادمة بلحظة استكنت فيها الى صدرك و أنت تراقصني و غرفت فيها من بحر عينيك و انتشيت بسحر كلماتك .

دعني أحبك كما تمنيت ..دعني أشرب بدلا منك مرارة غربتك ، و أغسل بدمعي أحزان منفاك ، و أحمل عنك ثقل همومك . دعني أخترع من أجلك كلمات عشق أخرى لا تليق الا بك و لا يبهجها السفر الا اليك .

فقط لأنني أحبك ..

هذه أنا بكل اللهفة و الحنين ، بكل حب العمر ، أقف على عتبة عمرك...فهل ستفتح لي ؟

هذه أنا أحمل في القلب زادا من العشق يكفينا معا حتى آخر نفس ،فهل ستقبل بي ؟

 

كانت الصورة تشير إلى تمام العشق .

... الثالثة :

لأنك يا حبيبي شاعر، خرجتَ من رحم الجنون ،و كبرتَ في حضن الخيال ، تحوكُ من حرير الوهم شالا لكتفيّ و تنقش وجهي فوق الغيم و فوق الماء . و لأن سطور عمرك قبلي بها آلاف الأسماء لآلاف النساء و ليس فيها كلمة حب و احدة ، و لأن الحب أحلى قدر و أروع ما يمكن أن يحدث لنا ، يجعلنا أبرياء كالأطفال و سذجا كالأطفال ، نتزحلق فوق قوس قزح، و نخبئ تحت وساداتنا النجومَ و القمر .

لأجل لكل هذا ، أقتلني اليوم حبًا .

لأن يوما سيأتي صير فيه الجذوة رمادا ، تجفّ المشاعر كإسفنجة تحت الشمس ، و تنكمش في ركن بعيد من الذاكرة.

يوما ، ستمر بقربي يا حبيبي فلا يشهق القلب و لا ترتعش الأجفان و لا تحترق الدماء و لا تتلعثم الحروف .

قد تقول " أهلا" أو أقول " صباحُ الخير " أو لا نقول شيئا.قد تنظر اليّ بعيون فارغة أو لا تنظر، ثم تضيع وسط الزحام ، و أحاول اقتفاء مرورك....خطواتك....أنفاسك... رائحتك...ظلّك...قبلاتك و لا أجد لحبنا أدنى أثر.

لأن يوما سيأتي تنسى فيه أنني أدعى " حبيبتي" و يصير لي عندك إسم آخر..تسميني ..ماضيك أو جنونك أو ' تلك التي كانت. ' و تقع يدك صدفة على صورة لي أو رسالة أو وردة محنطة داخل كتاب قرأناه معا ، فيطوف بشفتيك ظل ابتسامة ، بلهاء أو ساخرة أو مشفقة .

و لأني امرأة لا تعرف كيف تحب برفق..بلطف..أو بهدوء...أو في صمت . الحب الهادئ لا يستهويني . لا يقنعني ، لا يرضيني ، لا يشبع حواسّي و لا أحاسيسي . لأجل كل هذا....أقتلني اليوم حبا .

لأنني يا شاعري أوقن أنّ الحب طائر مهاجر لا تستهويه الأقفاس و لو من ذهب و يحنّ دوما الى الرحيل و التحليق صوب جزر أخرى ، لأجل هذا أقبل طواعية أن تقتلني الأن حبا.

 

كانت الصورة تشير إلى الجنون و النصف.

... الرابعة :

راحلة أنا....راجعة إلى مملكتي لأتربع على عرش الأحزان من جديد .

ذلك اليوم....هل تذكر ؟ خيّل إلي أن طيور الفرح تحلّق في سماءأحزاني ، أصابتني الدهشة ، لم أصدق ، استغربت . هل تذكّرني الفرح أخيرا ؟ هل قرر أن يفتح لي نافدة و لو صغيرة أطلّ منها على عوالم الحب و مواسم البهجة ؟

يومها نزلت من على عرشي . غافلت جميع الحراس . رميت تاجي و صولجاني و تبعت تلك الطيورالمضيئة الملوّنة . ركضت وراءها حافية القدمين . عيناي معلّقة بها . و فجأة وجدتني فوق أرض أديمها أشواك ، سماءها تمطر الدموع ، رائحة الخوف تملأ الأجواء من حولي .

يا لسذاجتي ،يا لغبائي . كيف نسيت أنني والحزن تربطنا إتفاقية أبدية ؟ إمبراطورة كل الأحزان أنا و الوريثة الوحيدة راحلة أنا ، وداعا و لا تقل شيئا .

" آسف حبيبتي....لن أنساك....أتمني لك السعادة ." كلمات جوفاء ، باردة ، شاحبة ، بلاطعم ، بلا معنى . لا أريد سماعها ، فقط لا تقل شيئا . دع الصمت يتكلم . ما أتفه جميع الكلمات أمام بلاغة الصمت .

 

كانت الصورة تشير إلى تمام الحزن إلا دمعتين.

... الخامسة :

لا بأس فإنّ الفجيعة لا تأتينا أبدا إلا ممّن نحب . فقط أتساءل.... لماذا عندما يُغتال الحلم الوردي في ثنايا قلب الأنثى تكون وراء ذلك يد رجل؟ وعندما تدنّس البراءة وتُغتصب الطفولة النائمة في أعماق الأنثى تكون هناك أثار رجل؟ لماذا نكتشف دوما بصمة الرجل فوق رداء هزائمنا وعلى وشاح انكساراتنا ؟ لماذا كلما نراجع دفتر الأحزان يكون أسفل كل صفحة توقيع رجل؟ وكلما نفتح أبواب الألم في حياتنا نجد على الأرض والجدران وفي الهواء أشياء رجل : قفازات... جريدة ... أعقاب ترّهات... أو قارورة غدر .

لماذا..؟ وكل رجل تحمله حواء على أكف الوجع إلى بيادر الفرحة يجرجها هو من شعرها معصوبة العينين إلى المقصلة...؟

و تقول " أود لو أقضمك كتفاحة "؟! أوَ لم تكْفك تفاحة قضمتها قبلا فأخرجتنا بها جميعا من الفردوس ؟ ثم شَرقت بها فاحتبست في حلقك بارزة ، شاهدة أبد الدهر على جشعك وعصيانك ؟

يحزنني أنّك و أنا لم نر الحب من نفس الزاوية...أنا رأيت الحب شريعة ، ذريعة ، فلسفة حياة ، قضيةً و مصيرا... وصمةً ، وشمًا ، بصمةً و هوية ، و رأيته أنت مجرّد تدريب لأعضاء الجسد .

 

عقارب الصورة تعلن تمام الخيبة .

... السادسة :

................................................!

و لم تظهر الصورة !

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2085الاثنين 9 / 04 / 2012)

 

في نصوص اليوم