نصوص أدبية

لو العمْر حافظة أوراق / آسيا رحاحليه

.. وزّعت أوراق الأسئلة ومعها ابتساماتي...فكّرت فيك  " ابتسمي دائما، حبيبتي، فكل ما حولك يصير أجملَ حين تبتسمين ."
جلست أراقبهم . ساد الصمت . لم يعد يسمع سوى وقع الأقلام و خشخشة الأوراق كأنما هو عزف نشاز لفرقة مبتدئة.

 شردت فيك . ترى ماذا تفعل الآن ...وهل أنا هناك معك كما أنت هنا معي ؟

" البعيد عن العين، بعيدٌ عن القلب " هراء ! لو كان هذا صحيحا لكان كل ' قريب من العين قريبٌ من القلب ! '
نظرت في الورقة أمامي..خمسة أسئلة . ما أسهله امتحان !..رفعت رأسي وتأمّلت الوجوه...

ماذا لو تبادلنا الأدوار؟ كنتُ أجبت بمنتهى السهولة وبإسهاب.
أخذتُ القلم و كتبتُ على الورقة أمامي سؤالا سادسا...
 
كيف يمكن أن نوقف هطول الشوق وانهمار الحنين ؟
تأمّلت الرؤوس المحنية من جديد... هذا هو امتحاني ...من منكم يجيب ؟

لا أنتم و لا أنا نستطيع . سؤالٌ صعب .أصعب من كل دروس المقرر...لا مجال فيه للتخمين ... لا يفيد حفظٌ و لا تنفع مراجعة .
خرَقَ الصمت صوت يسأل ..
   أستاذة . هل أخرج ورقة إضافية ؟
أومأت برأسي أن نعم...آه لو أنّ العمر ورقة ...أمحو فقراتها، نقاطها، فواصلها،أمحو ما خطته أنامل الزمن على هوامشها، أمحو كل علامات التعجب و الاستفهام، ثم من أهداب عيني أصنع ريشة أرسم بها بطول الورقة و عرضها عينيك...
آهٍ ... لو العمر حافظة أوراق أفرغ ما بداخلها من صقيع و غبار ثم أملأها بدفء وجودك...
 
لو يخرج لي الزمن من جعبته عمرا إضافيا أعيشه لك ..لك وحدك...
ابتسمت...تذكّرت أيام الطفولة وحفلات نهاية السنة الدراسية...كنا نجلس مشدوهين نتفرّج على الساحر و هو يخرج من قبعته الكبيرة السوداء كرات صغيرة و بالونات ملونة و حلوى يوزعها علينا...

رأيت نفسي أمامه..
ها هو ينظر إلي طويلا ثم يخرج لي قلبا في غلافه لا أثر فيه لجرح أو خدش أو طعنة... يمد يده ثانية داخل القبعة و يعطيني ورقة بيضاء...

يبتسم و يقول " هذه ورقة إضافية لك أنت فقط...لا تهمليها، لن تحصلي على غيرها، لا ترسمي عليها سوى سنابل الفرح ."..
أمسك بالورقة بقوة كأنما أخشى أن يغيّر رأيه...أحاول رسم سنبلة فلا أذكر شكلها و أجدني أرسم ملامح وجهك .
صوت آخر يمزق ستائر خيالي ..
-
 أستاذة من فضلك كم بقي من الوقت؟
-
 ما يكفي لتنظيم الإجابة و مراجعتها .
يا له من سؤال ! صحيح ...كم بقي من الوقت ؟ و لكن لفعل ماذا تحديدا ؟ ليحبك القلب بجنون أكثر أم لتتمزّق الروح أسفا على عمر فلت منها دون أن تكون أنت فيه ؟ أم لتأتي النهاية و معها الإحساس باللاجدوى من كل الذي كان ..لأنّك بعيد ؟
رنين الجرس أنزلني من فوق السحاب....
انتهى الوقت.

جمعت أوراق الإجابات ... هممت بالخروج فرأيت طيفك يسبقني إلى الباب .

 

آسيا رحاحليه

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2111السبت  05 / 05 / 2012)

في نصوص اليوم