نصوص أدبية

مصطفى علي: إكْليلٌ من الدمع على ضريح المَعَرّي

مصطفى عليسَلْ شاعرَ الشَكِّ هل جَسّتْ بصيرتُهُ

طَبْـــــــعَ الخلائقِ أم سِرَّ الذي خَلَقا

 

طافَ الفيافي بِ(لا أدري) ولوعَتِها

حيثُ الجوابُ سؤالٌ يأنَفُ المَلَقـــــا

 

عُكّازُهُ في عُيونِ الليلِ بوصلــــةٌ

تقفو الدَياجي فما زَلّتْ ولا إنْزَلقا

 

زِنْجيّةُ الليلِ بَدْرٌ فـــــي بصيرَتِهِ

وَإنْ ذوى بَصَرُ العَرّافِ وإنْمَحَقا

 

كالنحْلِ أربى علـــــى بُستانِ مَوْجِدَةٍ

من فيضِ وَجْدٍ و مختومِ النُهى رَحِقا

 

لمّـــــــــا تجلّى عظيمُ السِرِّ أودَعَهُ

خوفَ الكليمِ غَداةَ الطورِ إذ صُعِقا

 

تَفَتّقَ الليلُ عــــــن آلاءِ لُؤْلُؤةٍ

أفْنتْ بوادي (طِوى) الأشباحَ

والغَسَقا

 

بالجمرِ يرمي و بالأصدافِ مَحْفَلَهمْ

وكم شِهابٍ بهم مـــــن روحهِ لَحِقا

 

تَقَشّفَ الشيخ ُ حتى خِلْتهُ قَبَســــاً

فجراً تأزّرَ قُفْطانَ الطَوى خِرَقا

 

كَراهِبٍ ماحَوتْ طيراً موائدُهُ

بل صدَّ مَنْ وَصَفوا ديكًا لـــه

طَبَقا

 

(هذا جَناهُ أبي) : هل شطَّ قائلها

أم تاهَ حتى غَوى أم عَبْقَرٌ نطقا؟

 

لا تعْذِليهِ إذا ماهامَ أو شَطَحـــا

كطائرٍ في ثُرّيّاتِ الرُؤى عَلِقا

 

(أيْكُ الغُصونِ) و(تاجُ الحُرّةِ)

إنْتفضا

فأوْرثاهُ معًا ديمومــــــةً وَبَقا

 

قلبٌ تَنَزَّلُ مــن أعذاقِهِ حِكَمٌ

كأنَّ بُستانَهُ بالريحِ قد رُشِقا

 

رِسالةً مـــن رُؤى الغُفْرانِ عَتّقها

خمرًا لِشارِبِها الحيران إن شَرِقا

 

أمواجُها لم تَزَلْ عَبْرَ الأثيرِ صدىً

يصطادُها راصِدُ الأصداءِ مُسْتَرِقا

 

أنّى أصاخَ لها الأسماعَ مُلْتَحِفــــــاً

نورَ الشِهابِ الذي من روحهِ إنبثقا

 

فضائنا شاشةٌ بيضاء قد صُقِلَتْ

حُبْلى بِذَبْذَبَةٍ إيقاعُهــــــــا إتّسَقا

 

ما إِنْ تناءى صدى الفردوسِ عن سَقَرٍ

حتى تَقَفّى خُطـــــــــى الغاوينَ مُفْتَرَقا

 

سَلْ سارُقَ النارَ مَنْ رمضاءِ وَحْشَتِهِ

هلّا تَدَفّأَ قلبي بالتي سَرَقا

 

نارُ الفؤادِ أنارتْ لُبَّ جُمْجُمَةٍ

تنّورُها أنضجَ المخبوزَ إذ شَهِقا

 

نورٌ مِنَ الرأسِ أم نيرانُ مَوْجِدَةٍ

لِلْآنَ أسْألُهُ مَنْ منهما سَبَقا

 

تلاقَيا مثلما النهرينِ في كَبِدٍ

حَرّى وقد حُرِمَتْ شَهْدَ الغرامِ لُقى

 

تصارَعَ العقلُ والوجدانُ وإعْتصرا

قلبَ الحكيمِ إلى أن فارقَ الرَمَقا

 

طالَ الصِراعُ فشبّتْ روحُهُ قَبَساً

للحائرينَ وزادتْ حَيْرَتي ألَقا

 

توحّدا ذَيْنكَ الضِدّيْنِ في جَسَدٍ

ذاوٍ وشيخِ الرُؤى عن قومِهِ إفْترقا

 

 

أبا العلاءِ فُؤادي قُدَّ من قَزَحٍ

قوساً يُرَصّعُ هامَ الكونِ والعُنُقا

 

أطيافُهُ مثلما النيران في خَلَدي

تَقوّستْ حولَ قلبي في السَديمِ وِقا

 

يَصُدُّ عنه جِمارَ الشكِّ إن رُمِيَتْ

على يقيني لكي يزهو صفا وَ نَقا

 

هيهاتَ يصفو فأرضُ التيهِ موحِشَةٌ

تُلَقِّنُ القلبَ شَكّاً كلّما خفقا

 

جاءت تفتّقُ رَتْقاً في مخيّلتي

جَهْلاً توهّمْتُ يوماً أنّهُ رُتِقا

 

دَعِ الشكوكَ تُنَقِّ الروحَ :خاطبني

فالْطَلْعُ يهمي شذىً لو كُمّهُ إنْفَتقا

 

 

حينَ إسْتباحتْ أديمَ اللبِّ أسئلتي

هزَّ الفؤادُ بِساطَ الريحِ وإنطلقا

 

نحْوَ المعرّةِ مشدوداً لِصومعةٍ

يصبو لبابٍ أمامَ الريحِ ما غُلِقا

 

قلبي سَرى واللّزوميّاتُ تحملهُ

غنّى على بابهِ الميمونِ أَمْ طَرَقا

 

وراحَ يخصفُ حقْلَ التوتِ منفرداً

وبلبلُ التوتِ مسروراً بمن طفقا

 

وَ وحْدها سِدْرةُ الوجدانِ تعرِفهُ

مُذْ لاذَ في ظِلِّها مُسْتوحِشاً أرِقا

 

أشجارُ وَحْشَتِهِ في الليلِ يَحْطِبُها

سفينةً إذ رأى الطوفانَ والغَرَقا

 

قد هامَ في ذلكَ الوادي وَ فِطْرتُهُ

رَغْمَ الغوايةِ سالتْ دمعةً وَ تُقى

 

تاهَ الغواةُ على ذاتِ الطريقِ وما

خانوا طريقته بل قَدّدوا الطُرُقا.

 

خَمْرُ الجَنانِ وَ جَمْرُ اللبِّ في قَدَحٍ

تَناهبا طبعَهُ الرائي و ما إتّفقا.

 

مزاجُها زنجبيلٌ رُجَّ في عَسَلٍ

وزادَ كافورَها السقّاءُ فإنْهرقا.

 

كالْمُهْرَقانِ سَمَتْ روحُ الحبيسِ رؤىً

وَ سَلْسَبيلاً على خيباتِهِ إنْدَفَقا

 

هل ألْزمَ النفسَ فيما ليسَ يَلْزمُها

أم كانَ مُلْتَزِماً بالحقِّ مُعْتَنِقا

 

رامَ اليقينَ فلم يعثرْ على أثَرٍ

في المِحْبسينِ لَهُ بل حَدْسُهُ بَرقا

 

إذ لا يقينَ بل الأحداسُ موقِدَةٌ

شمسَ البصائر ِ لمّا نورها شَرَقا

 

زُرْ مِحْبسيهِ وَ سَلْ فجراً أسيرَهما

علَّ الشكوكَ أضاءت حوله النَفَقا

 

مَحْضُ إنفلاقٍ تمادى في سريرته

فآنَستْ قَبَساً في التيهِ مُنْفَلِقا

 

هل ذَا يَقينٌ إذنْ أم وَهْمُ مُحْتَرِسٍ

من سِحْرِ معشوقِهِ قد قيلَ ماإنْعتقا

 

أمّا اليَقينُ فلمْ تَلْبثْ شَرارَتهُ

ياإبْنَ المعرّةِ تكوي قلبَكَ النَزِقا

 

مُتَّ إشْتياقاً ولم تَنْعمْ بِشاطِئهِ

هل ذا جزاءُ الذي في سَعْيهِ صَدَقا

 

أدري و تدري ولا ندري حقيقتَهُ

إلّا بِقلْبٍ كَواهُ الشكُّ فإحْترقا

***

مصطفى علي

 

 

 

في نصوص اليوم