نصوص أدبية

الحسين بوخرطة: اختراقُ هشاشة

الحسين بوخرطةانتهى نضال من بناء وتأثيث منزل فخم بأربعة طوابق في موقع مطل على أحياء المساكن الهشة في مدينته العريقة. جهز نوافذَه وسطحَه بأحدث آليات الترصد التكنولوجية قبل شهرين من الاستحقاقات البرلمانية لبلاده.

دخلَه اليوم الأول لوحده وخصصه للتأمل في أحوال ومعاناة ماضي حياته المملة. وهو مسجى على أريكته المريحة، استعان بمشروبه المفضل وغاص متأملا أحداث يوميات السنين السابقة. استحضر كدحه وكلله المضني وكيف راكم ثروته الكبيرة بشرف استحقاق المروءة. حاول أن يجد تفسيرا لتفاقم حدة حذر وانغلاق وتحفظ سكان حيه الراقي الذي قضى به صحبة عائلته الصغيرة عقدين من الزمن.

وهو غارق في تأمله، تذكر الأيام التي أصر فيها على تكسير الحواجز الحامية لانعزال الجيران، وفشل فشلا ذريعا في مبادرته رغم تكرارها. يطل كل يوم من شرفة غرفة نومه ليلا ونهارا، فيقمع خاطره بالأبواب الموصدة وانعدام الراجلين في أرصفة الشوارع الجذابة بهندستها وورودها وأشجارها الناذرة.

تذكر كيف تألم كثيرا بعدما رصَد كل معالم الحياة الفردانية المنغلقة، لتستلم عيناه في آخر المطاف لفيض دموع رقرقت مآقيه. تذكر مآسيه كمرشح في دائرة الأحياء الراقية الانتخابية. قام بحملة لم يلمس تفاعل الناخبين معها. نسبة المشاركة لم تتجاوز عشرة بالمائة يوم إعلان النتائج. التقى وتحدث مع جاره في الفضاء التجاري الكبير البعيد عن مسكنهما، وفهم من حديثه وكأن الأسر الراقية ترفض المساهمة في إقرار مؤسسات فاسدة ابتزازية وريعية.

في اليوم الموالي لتأملاته، استخلص الدروس والعبر. استعد لمهمته الجديدة بمسكنه الفخم في سياق وضع مغاير. مسح بآلياته التكنولوجية المتطورة كل أحوال الأحياء المهمشة المجاورة. دامت عملية الترصد والمراقبة عن بعد مدة ثلاثة أيام متتالية بأَنْهٌرها ولياليها. تعجب من استفحال حركية الرجال ليلا، وثرثرة النساء نهارا. تألم من حركية شديدة لروح مجتمعات ترابية غير منتجة، لا تنشغل إلا بالبحث عن اشباع البطون. رتب الرجال والنساء، شبابا وكبارا، حسب الفاعلية والنزوع للزعامة وابتداع اساليب النجاة من موت الجوع الغادر. فطِن أسرار الحياة الجماعية بأدق تفاصيلها. استغرق يومين لإعداد خطته الاستراتيجية لاكتساح المجال الترابي الواعد بالدقة المتناهية.

نزل نضال في اليوم السابع بخطته الجهنمية وماله الوافر إلى الميدان. اغتبط لِيُسْرِ العمليات الاستقطابية في صفوف الرجال والنساء خصوصا الشباب منهم. ارتقت شرعيته الترابية في غضون أيام قليلة فقط. تحول إلى مرجع يعَوَّل عليه في كل صغيرة وكبيرة. فاز بالدائرة البرلمانية وكأنه مرشح فريد، فعزم على قيادة الضعفاء إلى بر الأمان والعقلانية.

***

الحسين بوخرطة

 

في نصوص اليوم