نصوص أدبية
مصطفى علي: حمامةٌ في سماء زهرةِ المدائن

يابِنْتَ مَرْيَمَ جِئْتُ مُعْتَذِراً فَما
جدوى الجزالةِ والبلاغةِ والبيانْ
*
شيرينُ مزّقْتُ القصائدَ في دَمي
فالشعْرُ يا شيرينُ قد خَسِرَ الرِهانْ
*
هَلْ ظَلَّ عندي ما يضيئُ قريحتي
وَرَصاصَةُ القنّاصِ تهْزأُ من دَمي
وَبِما يجودُ فمي وَقلبي واللسانْ؟
*
فَعَروسُ (سَيِّدَةِ المدائنِ) في العَراءِ ذبيحةٌ
صَلّتْ عليها الريحُ ثمّ النيّرانْ
*
ياأيّها القلمُ المُحفّزُ في يَدي
أشطُبْ قصائدَنا وَقُلْ
عُذْراً لديوانِ العَرَبْ
فَلِمَنْ نبوحُ وَنشتكي
والكُلُّ مُتَّهمٌ مُدانْ
*
ذَبُلتْ دَواوينُ الأُلى قدْ شَرّفونا إنّما
لَمْ نرْتَشِفْ ما عَتّقوا دهراً
بهاتيكَ الدِنانْ
*
هلْ ظلَّ عندي ما أقولُ وأدّعي
ورصاصةُ القنّاصِ تعْزِفُ مَقْتَلي
وَتَصولُ في أوْداجِ راصِدَةِ الحَقيقة ِخِلْسةً
وأنا هُنا أشدو بقافيتي على
وَتَرِ الكَمانْ
*
لاسيفَ للشُعراءِ في حُمّى الوَغى
سَكِرتْ قبائلُنا بِخمْرِ مُلوكِها
وَتَقاعسَ الفُرْسانُ
وإنتحرَ الحِصانْ
أمْستْ قصائدُنا دُمى لِمَليكِنا
شأنَ الجواري والبِطانةِ والقِيانْ
*
مأخوذةً بِمَناقِبِ التاجِ المُرصّعِ
بالخنى وَدَمِ الرَعيِّةِ إِنْ رأتْ
مالا يُطيقُ العَرْشُ أو نَطَقتْ
بِ( لا) للصوْلَجانْ
*
فَإذا بِعَنٌتَرةَ النوازِلِ راقصاً
في بَهْوِ مولاهُ المعلّى
فَوْقَ إنسيٍّ وَجانْ
*
جَعَلوهُ مَسْخاً وإنْتَشىوْا بعُبورِهِ
دورَ النُبوّةِ راضيًا
بِرِسالةِ البهلولِ ثمّ البهلوانْ
بَلَغتْ سُيولُ الزيْفِ
آناءَ الزُبى
فإحذفْ مِنَ الديوانِ زيْفَ مديحِهمْ وحَذارِ أن تنسى زَعيقَ المِهْرجانْ
*
ما بينَ حَيْرةَ مَرْيمَ العذراءَ
في ذاتِ المَكانْ
*
وَدَمِ الشَهيدَةِ، قِصّةٌ لِمَدينةٍ
رَشَفَفتْ دموعَ اللهِ فإرْتجَّ
المَدى خَجَلاً وَجاوَبَهُ الزَمانْ
*
صَدَحتْ نواقيسُ المَدينَةِ
وإنْتَختْ أجراسُها
وَكَنيسةُ المَهْدِ المهيبةُ
أشْعَلَتْ قِنْديلَها
والقُبّةُ الذَهَبيّةُ الألْوانِ
أمْطَرتْ الدموعَ مَعَ الأذانْ
جَزَعاً على صوتِ الكرامةِ
والبراءةِ والفراشةِ
في فراديسِ الجِنانْ
*
بينَ الكنائسِ والمَساجدِ
سَعْيُها كَحمامةٍ
وَهَديلُها تَرْنيمةٌ
حّيّتْ بِها فيروزُ زهْرَ البَيْلَسانْ
*
في ثالثِ الحَرَمينِ هادِلَةٌ وفي
أولى الكنائسِ حيثُ أمطارُ
القِيامةِ يستحي منها الدُخانْ
*
هِيَ مُهْرَةٌ عربيّةٌ وَصَهيلُها
لاينتهي
هيهاتَ ما ذَلّتْ لِشانِئها ولا
ذَلَّ العِنانْ
*
هَلْ ذا دَمي المطلولُ أمْ
دَمُها الذي
أعطى سماءَ اللهِ لونَ الأرْجوانْ
*
لِغروبِها شَفَقٌ كلونِ دِماءها
فِيهِ تُقىً مَنْ روحِ
مَرْيَمَ وإبْنِها والمَعْمَدانْ
*
وَيَشحُّ وَغْدٌ سادِرٌ في غَيّهِ
بِشَهادَةٍ في حَقِّها أو رَحْمَةٍ
فتوى ذليلٍ عِنْدَ طاغيةٍ مُهانْ
*
هُزّي إليكِ حبيبتي
أغصانَ زيتونِ التِلالِ لعلّها
تحمي الرَسولةَ من ثعابينِ (الكِيانْ)
عَتبي على الزيتونِ قصّرَ عندما
لاذتْ بهِ عُصفورةٌ ترجو الشفاعةَ
والأمانْ
*
ماخانَها الزيتونُ أو هابَ العِدا
يوْماً وما عَرِفَ الهزيمةَ والْهَوانْ
*
لكنَّهُ لم ينحَنِ مِنْ فَوْقِ مَنْ
كانت تساقيه الهوى
في كُلِّ آنْ
*
كي لا يقالُ شماتةً
هُزِمتْ عَناوينُ الأصالةِ بعدما
قد أعدمَ القنّاصُ صوتَ العُنْفوانْ
***
مصطفى علي