نصوص أدبية

سنية عبد عون رشو: الندم..

سنية عبد عونكان حديثه للنسوة المتحلقات حوله عن الحرب وكم شهد من حروب خلال حياته.. ازداد ارتباكه فهرول وانحشر من جديد داخل حجرته شحن ذاكرته بمزيد من مهارة واخرج من صندوقه الحديدي مجموعة من صور قديمة.. وكيف انه التقط صورة تذكارية أيام صباه وهو يتطاول مزهوا بجانب أسد بابل.. لكنه يحتفظ بصورة أخرى في ذهنه لطالما أرقته حين اختبأ في ملجأ كأنه جحر للحيوانات خلال غارة جوية أبان سقوط التمثال.. وان أحدى جاراته دفعت طفلها الرضيع اليه لتحضر طفلها الثاني لكنها لم تعد.. تأنيب ضميره يؤجج ندمه وحزنه حين ترك الوليد بعد انتهاء الغارة مكتفيا بتغطيته بعباءة امرأة تبرعت بها من أجل الرضيع.. لكنها هي الاخرى تبحث عن ابنتها التي فقدتها اثناء تدافع الهاربين من بيوتهم حال سماعهم صفارة الانذار.. ووسط ضجيج المكان وعويل الصبية ولىّ هاربا دون ان يعرف مصير ذلك الوليد..

وانه من شارك بتشيع جثامين أمه واخيه والبعض من اصدقاءه الذين فقدهم خلال تكرار تلك الحروب والغارات

فرك ذقنه واخذ نفسا عميقا

عاد لهمهمة جنونه والدموع تترقرق بعيون النسوة فقد تعود ان يروي لهن حكاياه وقصصه كلما وجدهن مجتمعات في باب الأرملة بائعة الخضروات ثم أخذت احداهن تلومه وتوبخه بخصوص تركه للرضيع..

ساد صمت طويل.. وهو ينظر الى وجوه المارة يتفحصهم واحدا تلو الاخر.. ثم انفجر ضاحكا.. وهو يتمتم.. لست أنا من يلام.. لست انا من يلام.. هنّأ نفسه وأزاح ركام غبارها الذي جثم على صدره منذ سنين بعبارته الابدية هذه.. لكنها ذات العبارة التي تؤرقه وتحرمه سعادته واتزانه..

صاحت امرأة مسنة كانت تجلس قريبة منه.. وهي تربط رأسها بخرقة بالية تنتصب أطرافها كأنهما قرنا بقرة..

أيها المجنون..

والآن دعنا من الحرب وقصص الماضي وأخبرني.. لمَ لا تتزوج لحد الان بعد مضي هذه السنين..؟

كفي الملام.. وأبرحي الكلام.. فلن أفكر بالزواج منك أبدا..

رفع رأسه بتباه عال وهو يثير ضحكات النسوة..

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

في نصوص اليوم