نصوص أدبية
اسماعيل مكارم: أين أنتِ

أين أنتِ
أبْحَثُ عنكِ
في مَدينتِنا
في البيتِ ، في الشارع ِ
في حَدائِق ِ المَدينةِ .
أنّى مَشيْتُ أسألُ عنكِ
أسألُ أوراقَ الخريف
أسألُ ليالي الشتاءْ.
صارتِ الدروبُ كلها
دُروبَ قهرٍ..
وقد أغلِقتْ أمامي
كلّ ُ الأبوابِ
ولمْ أرَ عَينيك
ولا هُما ابتسَمَتا
وصارَ نهاري مُظلِماًً
بعدَ أن غادَرَني وجْهُكِ.
أحَدّ قُ في وجوه الصّبايا
ولكنّ ابتسامَتكِ لم تشرقْ أمامي.
**
الوَقتُ يَمضي ظالِماً
بتعاقبِ الليلِ ِ والنهار..
ها هو الخَريفُ
قد انقضى
وحلّ بَعدَه ُ فصْلُ الشتاءْ.
الأشياءُ هنا
قد اختلفَ شكلُها
وأصبَحَتْ باردة
لم تبقَ لها تلكَ الألوانُ الجَميلة ُ
التي طالما ذكرَتني
بذاك المُحَيّا
وذلك الشعر الكسْتنائِيّ الحَريرْ .
**
أتوق ُ إليكِ
كما تتوقُ الصّحراء ُ
إلى زخّاتِ المَطرْ
أتوق ُ إليكِ
مثلما الطفلُ ينتظِرُ وَجْهَ أمّهِ.
ها أنا أبحَثُ عَنكِ
مُنذ ُ ساعاتِ الصّباح
وقبلَ حُلولِ ِ المَساءْ
فتشت ُطويلا .. ولم يبق لي أملٌ
في أيّ طريق ٍ مَشيْتْ
ولم أجدْ إلى الطمأنينةِ
بَعْدُ أيَّ سَبيلْ
وغادَرَتِ السّكينة ُ روحي.
**
أين أنتِ يا غاليتي؟
كلَّ مَساء أشعلُ قناديلي وشموعي
وأنسجُ حلميَ الواعِدَ بعودتِكِ
فهل سيخصبُ خيالي
وتقطفُ عيناي لحظاتِ عودةِ الحَبيب
وتخضرُّ دارُنا ، وتمتلئ
بعبق الضوء والحنان ؟
ها أنا قد أصبحتُ اليَومَ
مكسورَ الجناح...
بلا وطن ٍ، بلا أحِبَّة.
حين كنتِ بيننا
كان بيتنا خيمة من حرير
ها هو بعد فراقِكِ
أصبَحَ أرضاً إقفارا
تذروها الرِّياح.
**
تسألُ عنكِ دفاترُكِ والأقلام
والشجَنُ والحُزنُ يَسكنان ِغرفتكْ
والمرآةُ حزينة هناكْ
لم تعُدْ ترى
من يَتزيّنَ أمامَها في الصّباحْ.
العَصافيرُ ، التي كانت في حَديقةِ البَيتِ
ترعى صغارَها في كل مَوسمْ
هاجَرتْ.. ولم تعُدْ
ربّما قد أخافها
خريفُ وجهي
وحزني المُعشقُ بالدّموع .
أتذكّرُ أيامَ طفولتِكِ
حين كنتِ كالعُصفور الصَّغير
تملئينَ البَيتَ
بَهجَةً ً ومَرَحا.
**
ويبقى في خَلدِي
السُؤالُ .. يُؤرّقني
يَجْرَحُ فؤاديْ
- أينَ أنتِ ؟
- بل كيْفَ إليكِ الوُصُولْ؟
أراكِ...
قد اِخترتِ دَروبَ الغرْبَِة ِ
الإنتظارُ صارَ لي قدَراً
وَصارغِيابُكِ دائِمَ الوجودْ.
- أين أنتِ الآنَ ؟ أينْ ؟
عودي إليَّ بنيَّتي
قبل أن يُحَضّرَ الدَّهرُ حقائبي
ويسألني الرّحيلَ.
***
بقلم: الدكتور اسماعيل مكارم
كراسنودار – روسيا.
شتاء 2020