نصوص أدبية
عبد المجيد المحمود: الموت باكرًا
حاولتُ يا سيِّدي..
حاولتُ كلَّ مرَّة..
حاولتُ في الماضي ألفَ ألفَ مرَّة..
لكنَّني لم أرَ الماءَ
منبجسًا من عمقِ صخرة..
*
حاولتُ أنْ أكظمَ غيظي
أتناسى أعمارَنا الملقاةَ
في مهبِّ الرِّيحِ..
و حياتَنا المُرَّة..
*
حاولتُ جاهدًا أن أُسكِتَ
الأجراسَ في رأسِي
أنْ أقهرَ الوساوسَ و الظُّنون
لكنَّها كانت تعصفُ فيهِ
كبركانِ ثورة..
*
أنا لم أكنْ شيئًا يا سيِّدي
أقتاتُ همومي كالحمارِ
في الليلِ و في ضوءِ النَّهارِ
نصحوني بالأفيونِ و أغاني الصَّبرِ
لكنَّني لم أفقدْ ذاكرتي
لم أفقدْ من أحزانيَ الغُبرِ
قيدَ شعرة..
*
كم قد زفرتُ أنينيَ المبحوحَ
في مداخنِ الحذرِ المريرةِ
و كبحْتُ أعنَّةَ الأحلامِ و الأقوالِ
و كلَّما صحوتُ..عُدْتُ
أمزِّقُ أفكاري التي اجتاحتْ
عليَّ فضاءَ سَكْرَة
*
يا سيِّدي..إنِّي رفضْتُ الأحزابا
أوصدْتُ على فكري الأبوابا
فأنا ابنُ الأرضِ..
أحبُّ كتابي و قهوةَ أمِّي
أكرهُ الإرهابا..
أحبُّ عيونَ العاشقين..و بساطةَ الفقراءِ
و العسلَ المعقودَ من زهرة..
*
يا سيِّدي أنَّى لحرفيَ المقتولِ
أنْ يصحو؟!!
و سياطُ جلَّادِ البلادِ في ظهري
على لسعاتِها السُّودِ أرسمُ
أنَّاتي و قهري
فأينَ أرحلُ يا سيِّدي و قد أغلقوا
علينا أبوابَ المجرَّة؟!!
*
يا سيِّدي لقدْ شبعَتْ
من لمسِ أناملي الحيطانُ
و اغدودنَ البؤسُ في قلبي
و نسيتُ أنَّني إنسانُ
و نسيتُ طعمَ الثَّلجِ و التُّفاحِ
و طعمَ اللونِ و الفكرة..
*
يا سيِّدي إنَّا نعيشُ في بلدٍ
عبيدُها يغنُّونَ للجلَّاد
و الذلُّ عنوانٌ عريضٌ
باتَ يقرأُهُ الغرابُ
في وجهِ العباد
و غدا الفقيرُ ليسَ يشكو
في ليالي الهمِّ...فقرَه
ها قدْ تشبَّعَتْ شفتايَ بالدِّماء
و الكرسيُّ خلفَ رأسي صارَ مثلي
ضحيَّةً خرساء
يا سيِّدي هذا وطنٌ..
ليسَ يحيا في جنانِهِ الفقراء
و عيونُ اليتامى ليسَ
تعرفُ ما المسرَّة..
*
يا سيِّدي..ها هنا يضيِّعُ النَّهرُ بحرَه
ها هنا يقيِّدُ الليلُ فجرَه
ها هنا يصلبُ الحقُّ سِفرَه
*
إنَّا وُلدنَا نصلِّي للساسةِ الكبار
معَ الخبزِ نحترمُ الكبار
معَ الطَّعامِ و الشَّرابِ
معَ الغناءِ..مع البكاءِ
معَ الشَّقاءِ..معَ البقاءِ
نقدِّسُ الكبار
حتَّى غدونا عاجزينَ في وطنٍ
عاجزٍ عنْ أيِّ موتٍ أو قرار
و صارَ الضَّعفُ فينا عدوًّا
لم نستطِعْ بعدُ قهرَه
*
يا سيِّدي..إنَّا نعيشُ في وطنٍ
كلماتُ المرءِ فيهِ
تصنعُ قبرَه
***
د. عبد المجيد أحمد المحمود - سوريا