نصوص أدبية

تماضر كريم: في الحجرِ ...

جميع الفراغات ملأتُها بالكلام

بالمواويل ..

بالعتابِ المرِّ

بالبوح الشفيف ...

و رسمتُ قنديلا،

ضوءهُ أخضر، ثابتٌ كالنخيل

في الحجرِ

رتّبتُ مكتبتي،

و نسّقتُ ما يدور في خاطري من سنين

وتعلّمت الخياطةَ، وشربت ُ  أشياء أكرهها

كالحليبِ، والقرفةِ  واليانسون

وفكّرتُ كثيرا في تجربة قراءة الفناجين

في الحجر ..

أدمنتُ معرفة أعداد المرضى والميّتين

أدمنتُ حزني عليهم

و بكيتُ، بكيتُ كثيرا،

على هذا الكوكب الملعون

في الحجر،

السحبُ خلف نافذتي،

و الشمس تنامُ في شَعري

والستائر تغمزُ للعتمةِ والظلال

لا أنتظرُ أحداً،

لا أحدَ ينتظرني

وثمّة كف تنفض الغبارَ عن القابعين

خلف الجدار ..

هناك الملايين منهم حيارى

محبطين ..

خلف الجدار ...

في الحجر،

قلبٌ يحبُّ،

يرقص ُمثل عصفورٍ جريح

يبحثُ عن وجهٍ يظنّهُ المستحيل

عن يدٍ تلمسهُ

عن همسةٍ تحتويه ...

في الحجرِ ...

لم أُشاهد وجه أُمّي،

ولا صوتها وهي تعاتبني:

لماذا قصائدك بلا قافيةٍ يا تمارا؟

في الحجرِ  ..

قرأتُ معلقةَ اليشكريّ،

و قصائد الخنساء في أخيها صخرْ

وأنا من قَبْلُ لا أحبُّ سوى الشّعر الحُر

حيث نزار والسيّاب والماغوط

في الحجر،

قرأتُ حين تركنا الجسر

وعيون إلزا ..

والرجع البعيد

ومضيتُ مع الأبطال وحيدةً

بلا تبعات

عشتُ هناك، فصلاً من الفصول

تجلٍّ من التّجليات

في الحجر،

نسيتُ من أنا

من أنتم

نسيت أبعاد غرفتي

والتّواريخ

والأشكال والأسماء

نسيتُ طلاء أظافري

بلونِ الحزن الَّذِي بعينيّ

ولونِ البنّ الَّذِي بنكهة الهال

في الحجر،

تمرُّ وجوه  الرّاحلين

كُلَّ  دقيقةٍ بخاطري

أكفّهم تلوّح من بعيد

كأنّها قاربٌ للنجاة  ...

في الحجر،

تبدأ ُ الأشياء ُ لوحدٍها

وليس لها انتهاء !

***

تماضر كريم

 

 

في نصوص اليوم