نصوص أدبية

محمد العرجوني: الكلاسيكو

ذهبت إلى المقهى المعتاد حوالي الساعة 11 صباحا.. مررت بالزبائن الجالسين خارج المقهى على مساحة بالرصيف، مرخص لها، حيث يمكنهم التدخين. وما إن تخطيت عتبة المقهى، فوجئت بحركة غير عادية للنادل وهو منهمك في تنظيم الكراسي والطاولات بطريقة مختلفة على العادة. كان المقهى فارغا بالداخل، إلا من زبونين، أما أغلب الزبائن فكانوا جالسين في الخارج. أفضل الجلوس بالداخل لأنه مخصص لغير المدخنين. تعجبت من هذه الحركة غير العادية. بادرني النادل بابتسامة وأشار إلى مكان قرب الكونتوار وهو يدعوني إلى الجلوس. سألته عن سبب هذه الحركة وهذا التنظيم المحكم حيث كل الكراسي كانت موجهة نحو التلفاز المعلق على الحائط. ضحك وتابع عمله كأنه لم يسمع سؤالي. ظننت أنه يهيء الأجواء للقاء ثقافي، أنا المهووس بالمقاهي الثقافية. سألته ثانية فقال لي:

- أعرف أنك لا تهتم بالكرة..

فضحك كعادته.

سألته ثانية:

- ضد من سيلعب الفريق الوطني..؟

قهقه. فقال:

- لا.. مقابلة الكلاسيكو..

فقهقه بملء فيه لأنه يعرف بأنني جاهل في عالم لغة كرة القدم. إستغربت من استعماله كلمة "كلاسيكو" التي تعني بالنسبة إلي "كلاسيكية"، وهي موجة ثقافية وفكرية عرفتها اروبا في القرنين السابع و الثامن عشر، كما يطلق عليها كذلك إسم الحركة التنويرية. فهل هذه الحركة غير العادية، تهيء للحظة تنويرية؟

- وماذا تعني بالكلاسيكو؟

- لقاء البارسا وريال مدريد..يا صاحبي..

ضحكت من هذا الجواب، حيث أصبح فريقا البارسا والريال يمثلان الكلاسيكية. فقلت له:

- إذن انسحب..

- لا ليس الآن..المقابلة تنقل في الظهيرة..

- في الظهيرة!! وهل ضروري أن ترتب القاعة الآن؟

- نعم.. لا تستغرب هناك بعض المقاهي بوسط المدينة قد لا تجد بها مكانا منذ الصباح.. وهناك من بين الزبائن من يلتحقون بها باكرا ومعهم سندويتشات في انتظار الكلاسيكو.. كما لو أنهم ذاهبين إلى الملعب..

جلست في مكاني. شربت قهوتي.. فكتبت هذا النص وأنا كلي دهشة. هل أصبحت كرة القدم "ديانة" القرن الواحد والعشرين؟ لها شعائرها وشعاراتها وفرائضها.. وهل أنا في نظر هؤلاء المؤمنين بها، كافر وجبت استمالته أو نفيه من المقاهي؟

***

محمد العرجوني

في نصوص اليوم