نصوص أدبية

علوان حسين: جريمة في منتزه عام

حين جعت لم أخبر أحدا ً من الذين أعرفهم ولا حتى أقرب الناس ألي َّ. ذهبت إلى البحيرة تبعد عن بيتي خمس دقائق فقط. هناك كمنت كلص ٍ محترف بين الأشجار متخفيا ً عن أعين المتنزهين متربصا ً لسرب البط. لم تغب عن ناظري تلك البطة السمينة وهي خارجة لتوها من الماء. كان الجوع قد أنساني التمتع بمنظرها الجميل وشح المال طمس فكرة أن هذه المخلوقات هي ملكية عامة يمنع القانون إصطيادها كذلك اللياقة الأجتماعية وفعل ٍ كهذا يجلب الشعور بالإحتقار ونظرة الآخرين الدونية. كنت أخشى تلك اللحظة أكون فيها وسط الناس مجلببا ً بعار سرقة بطة وديعة بقصد ذبحها (يا للفعل الوحشي) هذا مخلوق همجي يفتقر للسلوك المتحضر والرهافة والذوق الرفيع. سيقول عني الناس كلاما ً أود لو تنشق الأرض وتبتلعني ولا يلاحقني صداه. شعرت بجسمي يختض أحدهم لمحني بغتة , مجرد رجل ٍ عابر ٍ كأنه رآني عاريا ً من ثيابي تماما ً. نظرته إنطلقت كالسهم تخترق ما تحت الجلد والمسام وتنفذ نحو الأعماق. الأشجار من حولي تجسس علي َّ. سرب البط يدور من حولي يطلق أصواتا ً محتجة. ألهي ماذا يحدث لي؟ خطوت بضع خطوات أقدامي ثقيلة. تلمست الأرض عميقا ً لا نبض بي بعد. أحس بجفاف في فمي أردت أن أطلب ماء ً من عابر سبيل فلم أقوى على النطق. عطش وجوع وخوف إستبد بي كأني دفنت قتيلا ً لأخفي جريمة. لم أرتكب جريمتي التافهة بعد. البطة السمينة تختال كالعروس أمامي. جوعي يشتد كذلك الوسواس والقلق والرعب من إفتضاح الجريمة. بغتة تناهى إلى سمعي صوت زمور سيارة الشرطة. صوت لا تخطئه الإذن أليف واضح يطرق السمع ويترك رعشة ً في بدن من سول لنفسه إرتكاب جريمة ٍ ولو كان يتضور من الجوع. حانت اللحظة وإنكشفت الأوراق. لم تعد ذلك الرجل الوقور المحترم يتنزه بين الأشجار ويطعم البط خبزا ً وكعكا ً. أنت الآن مجرد لص تافه ينتظره مصير تعس ومستقبل بائس قلت لنفسي. فتحت عيني َّ كان الشرطي يجس نبضي , أصابعه تتلمس جسمي. حرارته مرتفعة ونبضه يتسارع بحاجة إلى سيارة إسعاف على الفور. تناهى إلى سمعي صوت الشرطي المستغيث. حواسي مشوشة كذلك أفكاري وتلاشى الخوف من داخلي. هل أغمي علي َّ من الجوع أم الخوف أم أن كلمات الشرطي التي سمعتها تخص مخلوقا ً غيري ؟ أردت أن أبوح للشرطي بكل شيء. وددت أن أتحدث معه كما أتحدث مع صديق ٍ حميم ٍ وأخبره عن حالتي. عن الجوع وشحة المال وشهيتي المحمومة لأكل لحم بطة ٍ سمينة. في اللحظة التي قررت فيها قول كل ما يختلج في صدري ضاعت مني كلماتي وتلاشى صوتي ثم سرعان ما غاب عني الوعي. 

***

علوان حسين

في نصوص اليوم