نصوص أدبية

أبو الخير الناصري: يَوْمُ العَرَبيَّة

(نص مسرحي)

يُرفع الستار عن منزل قديم مكتوبٍ على واجهته "بَيْتُ العَرَبيَّة"، تُرى من نافذته امرأةٌ منشغلة بأمور بيتها وهي تترنم بأغنية عربية فصيحة.

الوقتُ يقترب من لحظة الغروب، وعلى مسافة من البيت يُرى ثلاثةُ أشخاص يسيرون في بُطْءٍ نحو "بيت العربية"، ثم يتوقفون قريبا منه، ويشيرون إليه إشاراتٍ تُفيدُ تَعَرُّفَهُمْ عليه بَعْدَ بَحْثٍ، ويَشْرَعونَ في الحديث هَمْساً:

- العياشي: (مشيرا إلى البيت) هَذي هِيَ الدَّارْ دْيالْ عَرْبِيَّة.

- أحمد: نَعَمْ هذا هُوَ البَيْتُ، والعَربِيَّةُ داخِلَهُ الآن.

- ميشيل: (فرحاً) Finalement on a trouve la maison

- أحمد: (بعد إشارة إلى زميليه، وتشكيلهم دائرة للتشاور) أَقْتَرِحُ أَنْ نُخْرِجَها مِنْ بَيْتِها بالحِيلَةِ والدَّهاء.

- العياشي: (يرفع صوته قليلا) أَنا كَنْشُوفْ نْهَرّْسُوا عْليها البَابْ ونْجْرّيوْا عْلى بَابَها.

- ميشيل: (مشيرا إلى أحمد)  Je suis d accord avec toi Ahmed

- أحمد: (مخاطبا العياشي في ابتسام ومكر) نَحْنُ اثْنانِ وأَنْتَ واحِدٌ، إِذَنْ الدِّيمُقْراطِيَّةُ أَنْ تَتْبَعَ رَأْيَنا.

- العياشي: أنا مْعَكُمْ. الْمُهِمّْ هُوَ نْخَرّْجُوها مِنْ الدَّارْ.

(يسيرون نحو بيت العربية بعد إشارة من يد أحمد الذي تَقَدَّمهم نحن البيت، ويطرق أحمد الباب في رفق)

- العربية: (من داخل البيت) مَنِ الطَّارِقُ؟

- أحمد: نَحْنُ جَماعَةٌ مِنْ أَحْبابِك.

- العربية: (تطل من النافذة) السَّلامُ عَلَيْكُمْ.

- أحمد: عَلَيْكُمُ السَّلامُ سَيِّدَتي.

- ميشيل: Bonne soir madame

- العياشي: مْسا الخِيرْ لَلّا عَرْبِيَّة.

- العربية: (تسأل في دهشة) مَنْ أَنْتُمْ!؟

- أحمد: (مبتسما) نَحْنُ أَهْلُكِ وأَحْبابُكِ سَيِّدَتي الكَريمَة.

- العربية: أَهْلي وأَحْبابي؟ ولَكِنّي لا أَعْرِفُكُمْ!

- أحمد: لهَذا جِئْناكِ يا سَيِّدَتي، لِكَيْ نَتَعارَفَ ونُصْبِحَ أَصْدِقاءَ، نَحْنُ نَسْمَعُ عَنْكِ كَثيراً، ونَرْغَبُ في أنْ نَجْلِسَ مَعَكِ ونُحادِثَك.

- العربية: ولَكِنْ هَلْ تَرَوْنَ الوَقْتَ مُناسِباً للِّقاءِ والجُلوسِ والحَديث!؟

- أحمد: لَقَدْ سَمِعْنا كثيراً بِكَرَمِكِ، ونُريدُ أن نَشْرَبَ شاياً مَعَكِ ونَسْتَمْتِعَ بالحَديثِ إلَيْكِ.

- العربية: ولَكِنْ أنا وَحْدي في البَيْتِ، والوَقْتُ يَقْتَرِبُ مِنَ اللَّيْل. لماذا لَمْ تَأْتوا في الصَّباحِ أَوْ مُنْتَصَفِ النَّهار!؟

- أحمد: (وقد بدأ صبرُه يَنْفَدُ، ولم تُجْدِ حيلَتُه) حَسَناً سَيِّدَتي حَسَناً.

(يشير إلى رفيقَيْه، ويبتعدون خطواتٍ عن منزل العربية، ويتهامسون قليلا، ثم يتجهون نحو البيت من جديد)

- العياشي: (يصيح) آاالْعَرْبِيَّة، آاالْعَرْبِيَّة!

- العربية: (تُطِلُّ من جديد، بعدما ظَنَّتْ أن الثلاثة انصرفوا دون عودة) ماذا هُناك؟

- العياشي: افْتَحْ الله يْهْديكْ نْشَرْبوا مْعَكْ أتايْ.

- العربية: (تنظر إليه في صَمْتٍ، ثم تقول) عُودوا مِنْ حَيْثُ أَتَيْتُمْ، لَيْسَ لَكُمْ عِنْدي شايٌ ولا حَديث.

- العياشي: (مُهَدِّدا) غادي تْفْتَحْ أَوْلّا ما يْعَجْبَكْ حَالْ!؟

- العربية: (في وثوق) لَنْ أفْتَح.

- ميشيل: (غاضبا) Ouvre la porte Arabia

- العياشي: غادي نْهَرّْسْ باباهْ هادْ البابْ.

- العربية: ولماذا تَكْسِرونَ بابَ مَنْزِلي؟

- العياشي: أنتِ شَارْفَة، ما بْقيتيشي كَتْوْلْدْ، وشابْرا هادْ الدارْ كامْلَة!؟ سيرْ تْسْكُنْ في الخِيرِيَّة.

- العربية: (في تأثر)

رَمَوْني بِعُقْمٍ في الشَّبابِ ولَيْتَني

عَقِمْتُ فَلَمْ أَجْزَعْ لِقَوْلِ عُداتي

*

وَلَدْتُ ولَمَّا لَمْ أَجِدْ لِعَرائِسي

رِجالاً وأَكْفاءً وَأَدْتُ بَناتي

*

وَسِعْتُ كِتابَ اللهِ لَفْظاً وغايةً

وما ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وعِظاتِ

*

فَكَيْفَ أضيقُ اليَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ

وتَنْسيقِ أَسْماءٍ لِمُخْتَرَعاتِ

- العياشي: (يُخرجُ من تَحْتِ جِلبابِه عصا، ويتَّجِهُ نحو باب بيت العربية ليكسره وهو يصيح) اخْرُجْ ألْمُصيبَة وباراكا من الفَلْسَفَة الخَاوْيَة.

- العربية: (تَصيحُ مَرّاتٍ مُسْتَنْجِدَةً) وا بَيْتاهُ! وا بَيْتاه!

(تُسمَعُ أصواتُ أقدامٍ تَسيرُ نحو بيت العربية، ونِداءُ ثلاثة شُبّانٍ بِصَوْتٍ عالٍ:

- لَبَّيْكِ أُمّاهُ! لَبَّيْكِ أُمَّاه! لَبَّيْكِ أُمَّاه!

ثم يَظهر ثلاثة شُبّان يَرْتَدونَ لباسا عربيا أصيلاً...يَتَقدَّمون نحو البيت، وفي هذه الأثناء يَفِرُّ أحمد والعياشي وميشيل).

- العربية: (تطل من النافذة) مَرْحَباً يا أَحْفادي، مَرْحَبا! (ثُمَّ تَفتَحُ البابَ، وتَخرُجُ للقاء أحفادِها)

- الحفيد الأول: كَيْفَ حالُكِ يا أُمَّنا؟

- الحفيد الثاني: هَلْ أَنْتِ بِخَيْر؟

- العربية: أنا بِخَيْرٍ يا أَبْنائي، اطْمَئنُّوا، أنا بِخَيْرٍ.

- الحفيد الثالث: سَمِعْتُ واحِداً مِنْ أولَئِكَ اللُّصوصِ يَصِفُكِ بالشَّيْخوخَةِ، فَلا يُحْزِنْكِ قَوْلُهُ يا أُمَّنا الغالِيَة.

- العربية: (تبتسم، وتقول في ثِقَةٍ)

أنا البَحْرُ في أَحْشائِهِ الدُّرُّ كامِنٌ

فَهَلْ سَأَلوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفاتي

*

فَيا وَيْحَكُمْ أَبْلى وتَبْلى مَحاسِني

ومِنْكُمْ وإنْ عَزَّ الدَّواءُ أَسَاتي؟

*

فَلا تَكِلُوني للزَّمانِ فإنَّني

أخافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحينَ وَفاتي

وَصِيَّتي لَكُمْ، يا أبنائي، أَلّا تَهْجُروني، لأَنَّكُمْ إذا تَرَكْتُموني وَحيدةً عادَ اللُّصوصُ إلى بَيْتِنا، وطَرَدوني، وشَرَّدُوكُمْ في بلادٍ غَريبَةٍ عَنْكُمْ.

- الأحفاد الثلاثة: (في صوت واحد) لَنْ نَتْرُكَكِ بَعْدَ اليَوْمِ يا أُمَّنا الحَبيبَة.

- الحفيد الأول: (يُمسِكُ بِيَدِ العربية، ويقول لإخوته) تَعالَوا يا إِخْوَتي نَدْخُلُ بَيْتَنا لنُواصِلَ الحَديثَ مَعَ أُمِّنا الغالِيَة. (ويَتَّجهون جميعاً إلى داخل البيت).

(ستار).

***

أبو الخير الناصري

في نصوص اليوم