نصوص أدبية

سعد جاسم: ذاكرة الـديـوانـيـة.. ذاكرة المنفى

الآنَ أَيَّتُها الذاكرة

الآنَ سأَفْتحُ صندوقَكِ الأبيضَ

المُحْتشدَ بكلِّ ماهو خفي

وعجيب ونائم فيكِ

ياذاكرتي الصاخبة

التي لاتتوقفينَ أَو تصمتينَ

أَو تنامينَ حتى لو نام جسمي

وتعطَّلَ رأسي بالكحولِ والأَوجاعِ

أَو غفتْ حواسّيَ الستُّ

في ليلِ السباتِ والنومِ

الذي يشبه الموت المؤقت

عندما كانَ يذكّرُني بهِ

السيدُ " وليم شكسبير "

حينَ كانَ يفاجئني متسللاً

مثل (ياجو) الخبيث

الى قيلولتي {الهاملتية}

ويصرخ في اذنيَّ الصغيرتين

(الموت نوم ثم لا شيء)

فانهضْ صاحبي ولا تمتْ

قبل أن ننتهي من عرض المسرحية

وإياك أن تنسى

(أن الدنيا مسرح كبير

يُمثّلُ عليهِ الرجالُ والنساء)

*

والآنَ تنفتحُ  ذاكرتي المُثقلةُ بالتواريخِ

والوقائعِ والناسِ والخساراتِ

والدموعِ والاسرارِ والتفاصيلِ الصغيرة

والذكرياتِ المريرة

والحكاياتِ الشعبيةِ الجميلة

في مدينتي الأولى

(الديوانيةِ) الطيِّبةِ الخجولْ

التي حدثَ أَنْ ولدتُ

على واحدٍ من شواطيءِ

فراتِها العذبِ الحنونْ

و (الديوانيةُ) التي أُحبُّ

كلَّ شيءٍ فيها

وخاصةً عندما كانتْ صبيَّةً

ترفلُ بالوداعةِ والعذوبةِ والحياءِ

الذي يجعلُها أَحياناً

تتعثَّرُ بثوبِها (الديولين)

أَو (الجرْسيه) الطويــــل

من تخومِ بابلَ الغامضة

وحتى فرات سواقيها وشطوطِها

وبطّاتِها العراقياتِ المُكتنزاتْ

وأَعْني : اناثَها ونسوانَها

وصباياها الحلوات والطيّبات

والعذبات والشَبقات العيون

والاصابع والاثداء والمؤخرات

المكتنزات حدّ الرغبةِ

واللذَّةِ الآسرة .

*

وأَتذكر الآنَ (الديوانية)

عندما كبرتْ ثم مرضتْ

وشاختْ وداختْ وحارتْ

ومن ثم هرمتْ

وأَصبحتْ الآن

" يابعد روحي "

وحيدةً وحزينةً وخائفةً

من الغامضِ والمجهول

وصارتْ تنامُ طويلا

وتسمعُ في كلِّ الأوقاتِ

بكاءً ونحيباً وعويلا

في كلِّ شارعٍ وبيتٍ

وليسَ فيها

لا كهرباء ولا ماء

ولاهواءً نظيفاً وعليلا

*

وناسُها الطيبون

(بِطَلْ حيلي عليهم)

قد أصبحوا أَيتاماً

وفقراءَ ومساكينْ

حيثُ لا فوانيس ولا قناديل

تُضيءُ لَيْلَهم الحزينْ

وقدْ شاعَ فيها الخرابُ

فأصبحتْ حبيبتي

ومدينتي وجميلتي

خاويةً و"عاويةً " وذاويةً

وليسَ لي فيها

اذا ماعدت يوماً من منفاي

إليها والى بيتِ أَهلي

حيثُ لمْ يبقَ لي والدٌ

ولا أُمٌّ ولا عَمٌّ

ولا خِلٌّ ولا خالٌ

ولا خليلٌ طيَّبٌ وأَصيلْ

وليسَ عندي أَخٌ حقيقيٌّ

قَدْ أَنجبتْهُ روحُ أُمي

حتى يكونَ لي ملاذاً

بعدَ غربتي المُوحشةِ

ومنفايَ الثقيـــــــــــلْ

***

سعد جاسم

كندا - 2022

في نصوص اليوم