نصوص أدبية

قصي الشيخ عسكر: سمك بأصداف (2)

- اشتغلت منذ الثانوية أيام العطل والصيف في مكتب أبي، والسكة الحديد. وفي مخبز..

Praktisk?

نعم أووه عدة أعمال في التنظيف أيضا، والفكرة التي راودتني أن أعمل معك من دون أن تخسر شيئا. (ضحكت) أريد أن أجرّب عالم الأسماك! (راحت ابتسامتها تتسع) هذا بعد موافقتك طبعا.

فهمت.. العائلة اطمأنت لي. لعلها ترددت في البدء إذ تقيم علاقة مع شاب ذي انفعال عال جاء هاربا إلى بلد يحتضن اليهود من طائفة تهتف كلّ يوم الموت لإسرائيل... الموت لأمريكا.. حين نكون بعيدين عن مكان الرعب تتغير نظرتنا.. نرى الآخرين بمنظار آخر.. وحين أقلّب الوضع بمنظار الربح والخسارة أجدني لا أخسر شيئا. عملي كما هو.. سوف يكثر الزبائن ، ووجود آنسة معي يضفي على المكان نكهة خاصة :

- لا أخفيك أنّي احتاج من يعمل معي غير أني لا أرغب أن أتحمل ضرائب جديدة وأجرة عامل، أما في حالتك فالمسألة واضحة مع ذلك سأصرف لك مبلغا يرضيك.

ودخلت السيدة أوريت لتدعو إلى المائدة، فاتخذت مجلسها في طرف المائدة، وجلسنا أنا وسوزي متقابلين، ولم تكن غرفة الطعام بكراسيها ومنضدتها المرمريّة الطراز لتقلّ أناقة عن ترتيب غرفة الضيوف. كان أثاث المنزل يوحي بالراحة والبساطة أكثر من أن أراه منزلا لرجل ثريّ يملك مؤسسات رأسماليّة كبيرة:

- إنه cosher لا تقلق

وقالت سوزي:

-  نحن لا نأكل إلا اللحم الحلال

كان دورق نبيذ وعصير على المنضدة، وفضلت العصير فأدارت سوزي لنا كأسي عصير واختارت الأم قدح نبيذ:

لم أعمل لك سمكا أظنك لا تأكل مثلنا السمك إلا بأصداف هل أنت من طائفة خاصة؟

- أنا من الجنوب من العراق البصرة بالتحديد شيعة وهم لايأكلون مثلكم الأسماك إلا ذات أصداف.

فأطلقت ضحكة قصيرة غابت فيها عيناها الصارمتان لحظة، وتساءلت:

- هؤلاء الذين يهتفون الموت لإسرائيل الموت لأمريكا..

فسارعت في شبه اعتذار:

-  سياسة لا أكثر الآن هم في حرب مع العراق.

تدخلت سوزي:

- حسنا هذا واحد مختلف

في التفاتة مني لأغير الحديث:

- لكن لم يحضر السيد يانسن؟

فانبرت سوزي:

- والدي ذهب إلى يولاند لمتابعة صفقات القمح.

قالت الأم: هو لا يرتاح إلا إذا تابع أعماله بنفسه.

إذن أظنني نجحت، اجتزت عفبة أخرى.. أول تجربة لي تضعني في إطار جديد.. كل علاقاتي السابقة كانت عابرة. صداقات فردية مع دنماركيين تنقضي حالما ينتهي التعامل.. مصلحة الطرفين.. عرفت المعلمة.. والمعلم.. وثرثرت مع رفاق دراسة من الأرجنتين والمغرب وباكستان.. عربي من لبنان.. وأظنّ هناك الكثيرين مازالوا في الطريق تلقي بهم الحرب إلى أسكندنافيا.

لم أسع لصداقة أحد

ولم أدخل بيتا قبل اليوم.

غاية ما أفعله أن أقف عند المركز الإسلامي أعرض بضاعتي. مرة واحدة دخلت أصلي، وقد صليت من دون وضوء خلف الإمام بدافع الفضول، تعبق مني رائحة السلمون والجرّي.

أو يزورني الزبائن العرب والشرقيون إلى المحل فأعمل بصمت ولا أدخل أيّ نقاش.

وقوفي أمام منضدة التشريح وبرودة المحل والرائحة لاتشجع أحدا على العمل معي.

الأجواء نفسها لا تدفع للكلام.

ولا أدري ماذا يحدث بعد أن أنتقل إلى المكان الجديد.

شارع مزدحم، وحركة عارمة، أما الحرب المشتعلة من بغداد إلى بيروت فبيدو أنها ستطول لتقذف بهجرات جديدة قد تغير الحياة الرتيبة في كوببنهاغن. هل تجعلني كثرة القادمين أتحرر من الحنين والغربة إلى الأبد.

في هذا اليوم بالذات تغيّر نمط حياتي.. عائلة أعرفها. أول علاقة جادة أقيمها مع أناس أخاف منهم. لأقل كنت أخاف منهم. سمعت عنهم ورأيت وجوههم وعيونهم. على الشاشة ، مع الحليب الذي رضعناه عرفنا أن هؤلاء ذوي النظرات القاسية جاؤوا لأرضنا اغتصبوها ثمّ أفاجأ أن السيدة أوريت ذات النظرة الحادة لا تضى، تنصح قومها ألا يذهبوا إلى االمأساة الأخيرة بأرجلهم إلى الموت لينتظروا المخلص.. المنقذ.. المهدي المنتظر.. أمي تنتظره أيضا.. ما أراه كريها في مكان قد أستسيغه في مكان آخر.

هل أقول إني أراقب مايجري من خلال علاقتي الجديدة؟

لقد بدأت أحضر نفسي للعمل في المحل الجديد. وتمرّدت على يوم الأحد الممل. نلتقي أنا وسوزي بداية شارع المشي عند محل (Guinse) وننطلق إلى الحدائق الملكية أو نسير بمحاذاة البحيرات.

نسبر شيئا ما

نتعرّف

علاقة فيها تحفظ. كلماتي أختارها بدقة. أعرف الدنماركيات مزاجيّات. عمليّات، وليس لي من غاية، صداقة فرضها العمل. ليس في بالي أمر آخر. أحيانا أودّ أن أقول شيئا، فأتردد

رغبة.

كشف..

حنين هجين بين الحاضر والماضي

أخذني دافع ذات يوم إلى حدود أبعد مما أتصوّره.. عن غير وعي ونحن نمشي على ساحل البحيرات امتدت يدي فمسكت يدها. قالت: هذا الشتاء لم تتجمد البحيرة ربما الشتاء القادم.

الشتاء الثاني الذي مرّ بي تجربة جديدة من البرد سمعت حديث الناس عن تجمّد البحيرات وفي نفسي أن أراه:

- هل يسمحون للناس بالعبور؟

- إن حدث، فستضع البلدية أعلاما حمراء في منطقة تامة التجمد لتكون بين الاعلام طريق يمكن المشي فوقه.

- هل نجرب؟

- ليحدث أوّلا الصقيع لِمَ لا.

وساعدتني في الانتقال إلى المحل الجديد. جلبتُ بعض الباكستانيين والمغاربة نقلوا معي الثلاجة الكبيرة وجهاز الضغط والعارضة، وحضرت سوزي بعض الساعات تضع يدها معي في نقل الأدوات الخفيفة، واختارت بدقة الجمل التي ترتفع على واجهة المحلvi opfylder din Ønske   frisk fisk دفعتني الجرأة ونحن نرتب الأدوات على مسطبة التنظيف أن ألتقط يدها وأقبّلها، فضحكت وتراجعت وهي تقول:

المخزن أصغر من مخزن المحل القديم لكنه يكفي ومادام بغير باب فستعاني من برد الشتاء الأفضل أن أجلب بطانية قديمة من بيتنا.

وعندما حل فصل الصيف بدأت العمل.

كان هناك مذاق آخر، ورؤية أخرى. حركة الشارع وصمت المفبرة التي تقابل محلي، ووجود سوزي ثم ازدحام الرصيف الآخر يوم السبت بالبضاعة القديمة... كانت تستغرق في الضحك ويدها تحرك المقص. هكذا تعملين الفيلية.. فقالت ومازالت تضحك:

- أنا أستخدم يدي اليسرى.. يسراوية ومقصاتك كلها مخصصة لليد اليمين.

لم أنتبه إلا هذه اللحظة إلى أنها عسراء، طلبت منها أن تنتظرني أقل من ساعة فخرجت أحث الخطى إلى محل فوتكس، فمررت ببائع السمك الدنماركي. كانت هناك سيدة تقف خلف الحاسبة تتطلع في الطريق، ولم يخطر ببالي أنها تعرفني، ولا أشك أن صاحب المحل يظلّ لا يتعرف على شكلي في المسقبل. قبل أن أتاجر بالسمك ترددت على محله، كان ذا ابتسامة خجولة، أما السيدة صديقته أو زوجته فأثارتني عيناها الواسعتان.. سعة أشبه بالحول، ووجهها المدوّر الذي ترتسم عليه دهشة لاتزول.

هل ياترى يستفزاني ذات يوم مثلما فعل بائع السمك في شارع fredrekssundsvej؟

لا أستبعد أيّ احتمال وإن كان شكله يوحي إليّ أنّه أكثر تحضرا من بائع السمك في الشارع الرتيب.

وعدت ببضعة مقصات تناسبها.

مع ذلك لم ألتق بالسيد يانسن. كنا نمارس المشي فنعود إلى شارع Nørrebro حيث تستقلّ الحافلة فأذهب إلى المنزل. لم أجرؤ على دعوتها لزيارتي خشية من أن تسئ فهمي.

لو كانت صديقة تعرّفتُ عليها في المرقص لدعوتها من دون تردد.

ولو كانت زميلة معي في المدرسة

أو لو قابلتها في الطريق...

ليس الامر سهلا من وجهة نظري. هذه فتاة أبصرتها ذات يوم في التلفاز على منصة التتويج ورأيتها بعيني السيدة أوريت ثم رأيتها بشكل آخر مختلف.

هل كانت حساباتي القديمة خاطئة؟

عدوتي وصديقتي في الآن نفسه حتى جاء يوم دخل علينا رجل في منتصف العقد السادس من عمره، ودود لطيف، لا أقرأ في وجهه خبثا، فهتفت: أبي فحييته وقلت مرحبا: أهلا سيد يانسن يسعدني أن أقابلك. كانت ملامح وجهه تختلف عن الصورة تماما، يبدو وجهه متعبا ولا يخفي التعب مزاجه المرح وخفة حركته. وسيم جدا.. ذو ابتسامة مرة، ولا شئ في نظراته يريب..

- رائع آمل أن يتطور عملك إلى الأفضل.

- أنا مرتاح بعملي مع أنه متعببعض الشئ.

- أووه لاراحة من دون تعب مهما يكن فأنت شاطر تفضل العمل على أن تعيش على مساعدات البلدية.

- بالتأكيد..

وتوجه إلى سوزي:

- هل أنت مرتاحة؟

- شغلة جميلة.

فهزّ كتفيه.. وودعنا فخمنت أنه جاء ليطمئن على ابنته، وفي اليوم نفسه تلقيت طلباتت من زبائن فتركتها وخرجت. كنت مطمئنا إلى عملها، وواثقا منها إلى درجة بعيدة. وكان لابدّ أن تعرف بعض أسرار العمل. قضية الشرقيين وبيع السلمون بعيدا عن قانون الضرائب. راودني بعض الانزعاج والقلق من أن يعرفوا أنها يهودية. فيرسموا حولي علامات استفهام كبيرة. أنا شاب عادي:لو بقيت في بلدي لكنت الآن جنديا في الحرب:قتيلا أو اسيرا، ولو انتهت الحرب وخرجت منها سليما أو معاقا لأصبحت موظفا. هذا الذي أجده في سيرتي الذاتية التي هربت منها أما أن أصبح مشبوها تدور حولي علامات استفهام كثيرة فلم يخطر ببالي قط:سأكون شريكا للصهاينة علاقتي مع تل أبيب متينة، ولي مؤسسة خاصة بالأسماك، وأخرى بالنفط، ماسونية... وموساد، وهناك من يقاطع محلي الذي يعدونه واجهة لتمرير مشاريع أخرى خفية، أراهم يكثرون، يأتون إلى بلاد اسكندنافيا يوما بعد يوم يأعدادهم تزداد، الحروب تستعر في الشرق وهم يأتون بلحاهم وجلابياتهم، وعيونهم الغاضبة القاسية، ادعيت أني لست المالك الوحيد للمحل هناك شركاء دنماركيون معي، وخجلت أن أحذر سوزي من أن يعرف أحد أنها يهودية. وكانت تأتي إلى المحل بعد عطلة الصيف وقدوم الخريف حسب ساعات تفرغها. تقضي يوم السبت معي في الشغل ونصف يوم الثلاثاء والاثنين كاملا، لا تقرف ولا تتثاقل إلا حين يأتي زبون يطلب جرّيا. تعلمت كيف تقطع رأسها الضخم، وتسلخ جلدها من الأعلى إلى الذيل ثم تفصل اللحم، يبين قرفها أمامي وتخفيه عن الزبائن، ورأيتها ذات يوم تلقي مافي يدها في الحوض وتهرع تدخل المحزن فتتقيّأ في سلة المهملات. قلت لها حين أكون حاضرا أتولى بنفسي مهمة سلخ الجري، وكان والدها بعض الأحيان يمرّ بالمحل مرورا سريعا، يبدي إعجابه ويخرج، ومرت أمها بنا يوم سبت قادمة من المعبد الذي لايبعد كثيرا عن شارع Nørrebro..

بدأت أراها امرأة عادية

ليست قبيحة

لاتخيفني

زهوت بنفسي إذ تصورتني مثل مدرب النمور الذي يروض وحشا مفترسا، وقفزت في ذهني فكرة طريفة متوحشة:أن وجه السيدة يانسن الطولي الذي يشبه من طرف خفي وجه نمر أصبح أليفا بفعل الزمن.

كل ذلك يحدث وعلاقتي مازالت نقية مع سوزي.

أتقدم خطوة خطوة

اعترف أني لم أتعمّد

لا أفتعل

وذات عصر سبت راودتني جرأة غريبة فعرضت عليها أن نتعشى معا، أو نذهب إلى الديسكو ، بدا السرور على وجهها، واعتذرت عن الرقص، وأكدت أنها لاتحبّذ الديسكو ولا تميل بطبعها إلى الصخب، الطبيعة والتأمل أقرب إلى روحها، فجلسنا في مطعم صينيّ هادئ تناولنا الرزّ وبعض الخضروات المسلوقة. حدثتني أنها اعتادت أن تأكل الطعام الحلال منذ الصغر وبسبب تربيتها وسلوك أمّها أخذت تقرف من أيّ طعام غير مذبوح، كانت تشرب باعتدال، فتجرأتُ أكثر وقلت، فجأة من دون مقدمات:

- مارأيك أن نكمل السهرة عندي في المنزل؟

- لا بأس مثلما ترى.

وقلت ونحن نعبر إلى درب sjælland :

يمكن أن أمل لك بعض الطعام فقد لاحظت أنك لم تأكلي يمكن الطعام الصيني لم يعجبك. ؟

- لقد أكلت مايكفيني (التقت عيناها بعيني)عادة لا آكل في الليل إلا قليلا.

مشينا ويدي على كتفيها، ثم بعد خطوات طوّقتْ يدها ذراعي. راودني إحساس مرهف، وكانت صورة الأضوية المنعكسة على البحيرة، والظلال الملونة تزيدني حماسا.

وهي ناعسة مثل خطواتها البطيئة.

كل شئ هادئ

وكل ماعلى الأرض والماء ينبع من نعومة لانضير لها...

قلبي تزداد نبضاته فأقف، وتقف

وأطبق بشفتي على شفتيها

ثمّ نواصل المشي.. كدت أرى الطريق إلى شقّتي طويلا، هي التجربة الأولى لي، وغرفة نومي تنكشف لامرأة... أنثى تدخل بيتي، لا أبحث عن زاوية مخفِيّه في شارعِ ميت ِفألتقط بين الخجل والخوف قبلة سريعة منها..

- جميل

أعجبك؟

- بالتأكيد؟

- مجاملة

- لا أبدا

- أنا لا أحب الفوضى

لم يطل بي الوقت، تمعنت في عينيها، وطوقتها بذراعي، لا أستطيع أن أكبح سورتي

عنفوان

أثارتني خصلات شعرها التي انحدرت على عينيها

فالتهمتْ شفتي، ورحنا في خدر.

عنيفة مثلي

ينحسر قميصها عن كتفيها

ويستقبلنا الفراش

مرت بنا عاصفة هوجاء، فانكسف ضوء الغرفة، وأنرت مصباح النوم الخافت:

كنّا عاريين.. أقرأ ملامح جسدها وأتحسس نعومته. تشتبك يدي بيدها، وأتطلع في فخذها الأيمن، أقول بابتسامة خبيثة:

- أين اختفت الفراشة؟

تزيح شعرها عن عينيها وتجيب بضحكة:

- سأرسم لك واحدة!

فأقبل فخذها مكان الفراشة الموهومة وأعترض:

- جسدك رائع بفراشةِ ومن دونها.

- لن يكون وشماً دائما.. لا أحبه، هناك وشم يزول حالما تغسله.

كنت أجد في صداقتها حياة جديدة لها طعم آخر حتى خشيت أن أعدّ حياتي هنا في كوبنهاغن السابقة للقائنا عبثا وعبئا ثقيلا لا أقدر أن أنساه. أرى وأسمع لكني كالأعمى والأصم لا يثيرني مايحيط بي. أعمل طول اليوم أذهب إلى البيوت أوزع السمك، وأقف أمام المركز الإسلامي أيام الجمع أبيع، أتثاقل من بعض الذين يساومون على الاسعار، ولا أستغرب حين يسألني أحد الفضوليين أليس لديك وقت لتأتي مبكرا فتصلي معنا؟ أخبار البلد مقطوعة ماعدا ما أراه على الشاشة من لقطات سريعة لمواقع تتقاتل في العراق ولبنان وصراخ التاميل وعنف الخمير روج ثمّ موجة المجاهدين الأفغان، وكانت موجات اللاجئين تأتي فتحيل حكومات اسكندنافيا القادمين الجدد إلى معسكرات ضخمة، وكان من القادمين من يقطع الطريق مابين المقبرة والمحطة فيدعو كلّ ذي لون شرقي لصلاة الجمعة:

أشعر ببعض الضيق

الخجل

والرهبة أيضا

وسط هذه الفوضى القادمة من الشرق كنت أعيش مع سوزي التي دعتني إلى قضاء سهرة يوم السبت عندهم في البيت فذهبت ومعي حفنة من سمك السلمون والكارب وبعض الremoulade كأنني لا أستطيع بالمرّة أن أتخلّى عن أصولي الشرقية، كنا نتحلق حول المائدة.. الأب في الطرف تقابله الأم وسوزي جنبي:

كان كلّ شئ من قبلي محسوبا بدقّة. أصبحت صديق سوزي.. كل كلمة أحسب لها ألف حساب، ولم تفاجئني العائلة بموضوع حسّاس ماعدا اللقاء االأول الذي كان لابد لحديث الحرب والسياسة ان يفرض أجواءهما فيه:

- أظنّ أن عملك رائع حسب تصوّري أتعتقد لك؟

سألني السيد يانسن وهو يرتشف من رشفة خفيفة من شراب وردي أمامه،

- إنه ممتاز.

قال السيد يانسن:

- في المستقبل أقترح عليك أن توسع عملك تجد محلا أكبر وتصبح واحدا من تجار السمك (وأضاف من غير أن يلتقط نَفَسَه) لقد بدأت بداية ممتازة وماعليك إلا أن تتحرك لا أن تبقى في مكانك.

قلت بلهجة لا تخلو من اعتراض:

- المعروف السمك كارتل عوائل دنماركية تتوارث تجارة هذا القاطع ولا تسمح لأحد باختراقه.

- إنك تعني الصيد أما أن تصبح تاجرا أي أن يكون لك محل في سوق السمك على الساحل تأخذ بضاعتك مباشرة من شركات الصيد التي تحتكره.

- في بالي هذه الفكرة.

- شاطر. لا أخشى عليك

عقبت السيدة أوريت. وسألني:

بكم تشتري السلمون الآن من سوق الجملة؟

19-  كرونة.

كانت سوزي تنظر إليّ بذكاء والسيدة أوريت تبتسم:

- حسنا يمكن أن تشتريه من شركات الصيد ب9 كرونات وتعرضه في محلك.

قلت بشئ من التفاؤل:

- هذا يتطلب مالا ووقتا على الأقل أعمل في محلي الحالي خمس سنوات.

فخرجت سوزي عن صمتها:

- يمكن أن تساعده من خلال معارفك وعلاقتك بالسوق.

إذ يحين الوقت لا أبخل عليه بخبرتي.

فالتفتت إليه السيدة أوريت:

- إنّك داهية أظنّك ستساعده مثلما ساعدت كاظم العراقيّ.

قالت السيدة أوريت وتناولت بالملقط قطعة دجاج وضعتها في صحني، التقت عينانا، فشعرت ببعض الحرج وليست الرهبة كما كنت عليه من قبل:

- يجب أن تأكل هذا كلّه

ضحك الأب وقال:

- في تونس ألحوا علينا أن نأكل الطعام كله يعدونه كرم الضيافة.

- اليهود العرب يتصرفون مثلنا.

وانبرت الأم:

- لا ليسوا يهودا العائلة التي استضافتنا عرب مسلمون توانسة.

تدخلت سوزي:

- براحتك لا ترهق نفسك لست ضيفا ولسنا في تونس.

وفي صالة الاستقبال تناولت ُمعهم الجبن مع الشاي شأنَ أيّة عائلة دنماركية بعد العشاء.. كنت أجلس جنب سوزي التي قدمت لي صحن الجبن والحلوى، وقبلتني قبلة طويلة من شفتي. شعرت بالإحرجا.

خجل

داريت ارتباكي

ولملمت نفسي

داريت شعوري بالإحراج فطبعت قبلة على يديها، المشهد عادي عندي في الطريق، رأيت عشاقا يقبّل بعضهم بعضا وأبصرت رجلا قبّل رجلا من شفتيه. كنت الوحيد الذي يبتسم، وقبلت سوزي من قبل أمام البحيرة، فكيف ارتبكت أو شعرت بالضيق.

وواجهت مفاجأة أخرى حين دخلت غرفتها... بهرني لونها التركوازي الخافت، والستائر الزيتونية ذات الدوائر فأطريت على ذوقها.. ضحكت برشاقة، ورفعت ساقها إلى حافة الفراش. قالت: أغمضْ عينيك!

استدرت نحو الحائط فشعرت بيدها تلامس حنكي وتستدير بوجهي إليها:

التنورة منحسرة إلى مافوق ركبتها.

وعلى فخذها اليسار فراشة حمراء جميلة.

هل تعجبك؟

يا للروعة لا أبالغ إذا قلت أروع وشم.

انحنيتُ على الفراشةِ، وأنا أرددُ:lad mig kysse din sommer fugl

عالم الفراش الأحمر ، وبعدَ سَوْرَةٍ محمومةٍ، قالت:

- سأختار لونا آخر للوشم الجديد.

في العمل وكان يوم ثلاثاء ركنت إلى غرفة المستودع الصغيرة. رحت أفكر بالمشاريع الجديدة ولا أخشى أن يعرف العرب والشرقيّون أنها يهودية بل تعودت على رؤية اللاجئين الجدد وظهورهم اليومي في شارع Nørrebro وقيام محلات جديدة لبيع الخضرة عليها عبارات بالدنماركية والعربية والفارسية. كان محلي وحده فتناثرت محلات شرقية هنا وهناك على امتداد الشارع إلى المحطة، تآلفت مع كل المظاهر القادمة وزال عالم الخوف والرهبة غير أني بدأت أشعر بفراغ حين أكون وحدي إذ تتركني إلى الجامعة.

 ثقل

صمت

لا لذّة للمشاهد التي أراها من زجاج العارضة على الشارع والرصيفين.

شعور بالوحدة لا يمحوه تزاحم الزبائن على المحل وانهماكي بعمل الفيلية وتحضير الremoulade أو fiskefrikadeller، حين تتركني ساعات الجامعة يراودني ضيق.. والذي أستغرب له أني بدأت العمل وحدي ولا هاجس لي بالملل والضيق سوى رهبة العالم الجديد الذي اقتحمته من دون سابق خبرة ورتابة الشارع القديم.

عرفت الناس

وتحاشيت مايريب

وتجنبت ماهو خطر

وحدي

لكن

الآن اختلف الوضع لا خوف... لاقلق

لارهبة قط

الضيق وحده إلى حدّ الاختناق

اغتنمت فرصة خلو المحل فدخلت غرفة المخزن أفرم صفاح سمك القد وأغلي الزيت، شعرت بالدفء حين انزويت في الداخل تفصلني عن الثلج ورطوبة المغسلة البطانية الثقيلة ذات المربعات القاتمة التي تغطي فتحة المخزن، كان الشتاء على الأبواب، فيلحّ عليّ هاجسُ أنّه سيكون شتاء قاسيا أبرد من شتاء العام الماضي تراودني رغبة أن يصبح شديد القسوة لا لشئ إلا كي تجمد البحيرة فأمشي فوقها مع سوزي.

فجأة

رنّ جرس الهاتف فظننته أحد الزبائن، وإذا بها سوزي:

أكلمك من البيت.

ألست في الجامعة؟

ردت بصوت فيه بعض الوهن:

كنت هناك وشعرت خلال المحاضرة بدوار فتقيّات وراودني غثيان.

فازددت قلقا:

هل من شئ؟

ذهبت إلى الطوارئ وبعد الفحص عرفت أنّي حامل.

ماذا؟

حامل.. الآن تحسنت سآتي إليك.

مفاجأة

أم

حدث لابدّ منه غاب عن ذهني. انتظرته من غير أن أعرف.. هل خدعتني سوزي.. رأيتها تتقيّؤ في المحل فظننته قرفا من الجريّ. بنت معي علاقة لتحمل. أتراجع عن خواطري المتوحشة فأرى صورة جديدة ناعمة: لو أرادت ذلك لفعلته مع أيّ دنماركي أو لكانت اختارت من أبناء دينها.

أعود إلى فكرتي المتوحشة: اليهود لا يتصرفون إلا حسب مصالحهم.

تكاد الحيرة تقتلني

أقنع نفسي أني لاشئ ولا أحد يمكن أن يستغلني... لأسمه القدر هو الذي جعل الحوادث تجري على وفق مايريد، هناك بعض التشاؤم لا أقدر أن أفلت من قبضته، والمستقبل وحده يقرر سرّه على الرغم منّي:أنا في الشغل طول النهار وسوزي في الجامعة أو تعمل معي من يربي ابننا؟ سوف يكون طوال اليوم مع جدته. تعدّ فطوره وترافقه إلى الروضة. تقصّ له القصص وتغني، تصحبه للنوادي وملاعب الأطفال. حسب عقيدتها أمّه يهودية فهو يتبع أمه

مفارقة لا بدّ من أن أقبلها

أنا المسلم المولود في محلة الأصمعي ابني يهودي

كانت أمامي مساحة واسعة امتدت من البصرة إلى كوبنهاغن في زمن قياسي فلتت من يدي ولم أزل في رحلة القلق.

توقفت عن عمل برغر سمك القد، لألبي طلب زبون سألني عن السلمون فانهمكت في العمل أمام الحوض شارد الذهن وفي هذه الأثناء دخلت سوزي. حيتني ودلفت في غرفة المخزن.

فأنهيت شغلي وخطوت إليها..

ارتمت على صدري

عانقتني..

راودتها نوبة من البكاء. ابتسمتُ بوجهها كيلا تشك في هواجسي السوداء:

- هل أنت سعيد؟

- أتشكّين؟

- لا أبدا

كان عليّ أن أخفي بعض هواجسي:

- لكنها المفاجأة لا أغضب منك بل أساّل نفسِي لِمَ لَمْ تخبريني

- صدقني لم أتعمد. تناولت الحبوب حسبت التواريخ مع ذلك وقعت في الخطأ هل تصدق أني تعمدت؟

- لا أشك فيك لكنّ الذي أربكني يوم تقيّأتِ هنا في المحلّ فظننته من السمك.

- هل تصدّق الفكرة نفسها راودتني... ظننته قرفا من السمك.

وبدخول زبون صمتنا فتركتها دقائق :

الآن لنفكّر أنا في الشغل وأنت في الجامعة.. لنجد حلّاً يناسب ظروفنا.

الولادة ستكون بعد نهاية العام الدراسي فأنا في الشهر الأول.

بالتأكيد أخبرت والدتك؟

لم تكن في البيت البارحة اتصل أخي بوالدي من أورغوس بأمور تخص الشغل ولما علمت أمي أنّه ينوي السَّفّرَ ليقضيَ صَفْقَةً مُهِمًّةً ارتأت أن تسافر معه هل تأتي معي إلى البيت؟

نظرت في عينيها طويلا ولذت بالصمت أتحاشى الافكار السوداء، ولعلّها قرأت أفكاري فقالت:

على أيّة حال الغلطة غلطتي أما إذا رغبت بغير ذلك فليس أمامي سوى الإجهاض.

قالتها بنفس يتهدج ونظرات تزوغ عنّي فارتسمت الدهشة على ملامحي وهتفت:

ماذا؟

ليس هناك من حل آخر.

أتقترحين علي أن أقتل طفلي أنا الهارب من الحرب لئلا أقتل أحدا لا أعرفه هل....

فارتمت على صدري وهي تهمس:

لا أرغب أن أراك تعيسا لكن صدقني أني لم اتعمد.

انسي الآن كل شئ أمامنا مشوار طويل حتى نهاية اليوم سخني الزيت وافرمي صفائح سمك القد

غادرت إلى المنضدة أغسل بقايا الدم عنها، وارتّب السكاكين على الكلّابات، ولشد ما كانت دهشتي كبيرة حين التفت إلى الواجهة الزجاجية فأبصرت نتف الثلج تتساقط في الخارج، فهتفت بنشوة:

سوزي الثلج في الخارج اتركي البرغر وتعالي.

كنت أضع يدي على كتفها ونحن واقفان خلف الدّكّة أراقب الثلج أفكر هل هو ولد أم بنت وأحلم أن يصطك ماء البحيرة لكنني أخشى الا يتحقق حلمي كاملا فأمشي وحدي من دون سوزي التي تمنعها بطنها أن تعبر ويدها بيدي على الماء الجامد.

***

* انتهيت من كتابة هذه النوفلا في 20- 11- 2020 وكنت قد بدأت كتابتها في 18- 10- 2022 وأتممت تصحيحها وإعادة صياغة جملها في 3- 12- 2022  نوتنغهام.

..........................

النهاية الثانية تبدأ من المطعم:

لكي لا تعد النهاية أعلاه تطبيعا ولئلا يُساء بالنص الظنّ تتفتح للرواية نهاية أخرى بعيدة عن الشبهات وقد اقترح عليّ صديقي وأخي الناقد الكبير د صالح الرزوق أن تنتهي الرواية بنهاية واحدة وهي أعلاه لكن مع ذلك راودتني فكرة استطلاع القارئ الكريم ورأي الناقد القدير الأستاذ جمعة عبد الله:

وذات عصر سبت راودتني جرأة غريبة فعرضت عليها أن نتعشى معا، أو نذهب إلى الديسكو ، بدا السرور على وجهها، واعتذرت عن الرقص، وأكدت أنها لاتحبّذ الديسكو وليست ممن يميلون إلى الصّخب، الطبيعة والتأمل أقرب إلى روحها، فجلسنا في مطعم صينيّ هادئ تناولنا الرزّ وبعض الخضروات المسلوقة. حدثتني أنها اعتادت أن تأكل الطعام الحلال منذ الصغر وبسبب تربيتها وسلوك أمّها أخذت تقرف من أيّ طعام غير مذبوح، كانت تشرب باعتدال، فتجرأت أكثر وقلت، فجأة من دون مقدمات:

مارأيك أن نكمل السهرة عندي في المنزل؟

لا بأس مثلما ترى.

وقلت ونحن نعبر إلى درب sjælland أترغبين أن نمرّ على محل للشاورما يبيع اللحم الحلال؟

لقد أكلت مايكفيني.

مشينا ويدي على كتفها، ثم بعد خطوات طوقت يدها ذراعي. راودني إحساس مرهف، وكانت صورة الأضوية المنعكسة على البحيرة، والظلال الملونة تزيدني حماسا.

وهي ناعسة مثل خطواتها البطيئة.

كل شئ هادئ

وكل ماعلى الأرض والماء ينبع من نعومة لانضير لها

قلبي تزداد نبضاته فأقف، وتقف

وأطبق بشفتي على شفتيها

ثمّ نواصل المشي.. كدت أرى الطريق إلى شقتي طويلا، هي التجربة الأولى لي، وغرفة نومي تنكشف لامرأة. أنثى تدخل بيتي، لا أبحث عن زاوية مخفيه في شارع ميت فألتقط قبلة سريعة منها..

جميل

أعجبك؟

بالتأكيد؟

مجاملة

لا أبدا

أنا لا أحب الفوضى

لم يطل بي الوقت، تمعنت في عينيها، وطوقتها بذراعي،

رحت ألهث

ازداد لهاثي

تأملت فيها جسد سوسن

تخيلت أجساد أخريات

رغبة عارمة لكنني لا أقدر

اتفت إلى فخذها البض وقلت:

أين الفراشة؟

فأطلقت ضحكة قصيرة وقالت

لا أحب الوشم لكن سأرسم لك واحدة

وهوت بشفتيها على شفتي

في رغبة وحماس

ألهث

يداهمني برود

تلتفت إلي وتقول:

لا عليك في ليلة أخرى

كنت أعبر عن إخفاقي بالهرب من عينيها، اشعر أن هناك شيئا ما يمنعني منها.

رغبة

خوف.

حاجز ما

ولعلها رغبت في أن تشجعني كي أخرج من ترددي وعجزي فدعتني إلى قضاء سهرة يوم السبت عندهم في البيت فذهبت وعي حفنة من سمك السلمون والكارب وبعض الremoulade كأنني لاأستطيع بالمرة أن أتخلّى عن أصولي الشرقية، كنا نتحلق حول الماءدة الأب في الطرف تقابله الأم وسوزي جنبي:

كان كل شئ من قبلي محسوبا بدقة. كل كلمة أحسب لها ألف حساب، ولم تفاجئني العائلة بموضوع حساس ماعدا اللقاء االأول الذي كان لابد لحديث الحرب والسياسة ان يفرض أجواءهما فيه:

أظنّ أن عملك راع كما أظنّ أتعتقد لك؟

سألني السيد يانسن وهو يرتشف من رشفة خفيفة من شراب وردي أمامه،

إنه ممتاز.

قال السيد يانسن:

في المستقبل أقترح عليك أن توسع عملك تجد محلا أكبر وتصبح واحدا من تجار السمك.

بقلت شبه معترض:

أنت تعرف السمك كارتل عوائل دنماركية تتوارث تجارة السنمك ولا تسمح لأحد باختراقه.

أنت تعني الصيد أما أن تصبح تاجرا أي أن يكون لك محل في سوق السمك على الساحل تاخذ بضاعتك مباشرة من شركات الصيد.

في بالي هذه الفكرة.

شاطر.

عقبت السيدة أوريت. وسألني:

بكم تشتري السلمون الآن من سوق الجملة؟

19 كرونة.

حسنا يمكن أن تشتريه من شركات الصيد ب9 كرونات وتتعرضه في محلك.

قلت بشئ من التفاؤل:

هذا يتطلب مالا ووقتا على الأقل أعمل في محلي الحالي خمس سنوات.

فخرجت سوزي عن صمتها:

يمكن أن تساعده من خلال ومعارفك وعلاقتك بالسوق.

يبدو أنك وضعت قدمك منذ الخطوة الأولى على الطريق الصحيح.

قالت السيدة أوريت وتناولت بالملقط قطعة دجاج وضعتها في صحني، التقت عينانا، فشعرت ببعض الحرج وليست الرهبة كما كنت عليه من قبل.

يجب أن تأكل هذا كلّه

ضحك الأب وقال:

في تونس ألحوا علينا أن نأكل الطعام كله يعدونه كرم الضيافة.

اليهود العرب يتصرفون مثلنا.

وانبرت الأم:

لا ليسوا يهودا العائلة التي استضافتنا عرب مسلمون توانسة

تدخلت سوزي:

براحتك لا ترهق نفسك لست ضيفا ولسنا في تونس.

وفي صالة الاستقبال تناولت معهم الجبن مع الشاي شأن اية عائلة دنماركية بعد العشاء.. كنت أجلس جنب سوزي التي قدمت لي صحن الجبن والحلوى، وقبلتني قبلة طويلة من شفتي. شعرت بالإحرج.

خجل

داريت ارتباكي

داريت شعوري بالإحراج فطبعت قبلة على يديها، المشهد عادي عندي في الطريق، رأيت عشاقا يقبل بعضهم بعضا وأبصرت رجلا قبل رجلا من شفتيه. كنت الوحيد الذي يبتسم، وقبلت سوزي من قبل أمام البحيرة، فكيف ارتبكت أو شعرت بالضيق.

وواجهت مفاجأة أخرى حين دخلت غرفتها. بهرن لونها التركوازي الخافت، والستائر الزيتونية ذات الدواءر فأطرت على ذوقها، فضحكت برشاقة، ورفعت ساقها إلى حافة الفراش. قالت أغمض عينيك!

استدرت نحو الحائط فشعرت بيدها تلامس حنكي وتستدير بوجهي إليها:

التنورة منحسرة إلى مافوق ركبتها.

وعلى فخذها اليسار فراشة حمراء جميلة.

هل تعجبك؟

اروع وشم.

انحيت على الفراشة، وأنا اردد:lad mig kusse din sommer fugl

عالم الفراش الأحمر وبعد سورة محمومة، قالت:

سأختار لونا آخر للوشم الجديد.

قبلت فراشتها وقبلت

الرغبة المحموعة تراودني

اللهاث

والا أستطيع أن أفعل شيئا.

أعرف أنه ليس العجز، زارتني مرة أخرى في البيت ، قضينا ليلة معي:

تعرت وبدا فخذها بفراشة بلون أزرق

لون الماء

ابحر

وقف أمام السرير. خلعت ملابسها قطعة قطعة، هبطت إجثو أما ركبتيهانقبلت فراشهاوشعرت بيديها تمسحان على شعري:

خذني قبلني

قالت البطلة للبطل

فهل أكون باردا مثله

لكنه لم يذهب ليجري فحولته مع البغايا، يمكنني أن ابرهن على فحولتي باية طريقة تعجبني:

هناك عجز طارء. اداعيب عضوي بيدي فكون انتصاب.

قد أكون عاجزا مع امرأة فحلا مع غيرها

أكثر من محاولة

واكثر من زيارة لي في الدار

كل مرة إخفاق

مر شهر.. شهران، ومازال البرود يراودني

تأتي غلى المحل تتحاشى النظر إلي

وأتحاشاها

وقد غابت سوزي.. تلقيت مكالمة منها بعد أربعة أسابيع من محاولات يائسة:

عزيزي لاأريد أن اسبب لك إحراجا.. هناك لديك عقدة تقدر أن تتجاوزها مع امرأة غيري..

وأغلقت الخط، وكنت أعود إلى المنضدة ألبي طلبات الزبائن. وقد تلاشت أحلام كثيرة قبل أن يزداد الشتاء عنفا فيجمد ماء البحر لأعبر مع سوزي عليه.

 *** 

قصي الشيخ عسكر

 

في نصوص اليوم