نصوص أدبية

راضي المترفي: رقة انثى

بعد أن أكملت تنفيذ جميع مفردات خطتها وحققت كل ما خططت له وأصبح البيت وباقي العقارات باسمها في دائرة التسجيل العقاري والشركة عند مسجل الشركات والسيارات في مديرية المرور قررت الجلوس على كرسي الاعتراف وذكر كل ما قامت بأمانة وصدق وإخلاص.

استعرضت شريط حياتها الحافل بالالام والماسي مذ كان عمرها عام واحد عندما قتل والديها في حادث سير على الطريق الدولي ولم يبقى لها أحد فتكفلها خالها وعاشت في بيته مع ابن وبنتين وعلى مدار السنين كان خالها يعاني عوزا ماديا ويسكن في البيوت المؤجرة  مما كان ينعكس هذا العوز على معيشة الاسرة لكنها كانت قنوعة وتكتفي بأقل الاحتياجات وتشعر أنها ضيف ثقيل عليهم لكن لا ملاذ آخر فتحني رأسها دائما وتقبل بأقل الضروريات عندما تهب عواصف الاحتياجات حتى أكملت الدراسة الجامعية بتفوق وقدمت أوراقها لأكثر من دائرة لتتمكن من إعانة خالها وعائلته خصوصا وأن البنتين متلكاتين في الدراسة وترك الولد المدرسة وعمل في محل نجارة ليعين والده .

كان خالها قد تقدم في السن وكثرت امراضه فعجز عن العمل وبقي في الفراش لمدة عام كامل مما راكم مبالغ ايجار البيت الذي يسكنه وكان صاحب البيت ثريا معروفا يملك عدة عقارات وشركة لإنتاج الألبان لكن الإنسانية لا تعرف إلى قلبه طريق وكان يسكن في بيت فاره هو وزوجته وابن شاب وبنت معاقة وجاء ذات يوم لاستلام مبالغ الإيجار المتراكمة أو طرد خالها وإقامة دعوى عليه في مركز الشرطة .

طرق صاحب البيت الباب ففتحت هي له بابتسامة ووجه بشوش فنسى غضبه وسألها عن خالها وأخبرته انه مريض راقد في الفراش فطلب منها أن تسمح له بزيارته متصورا  أنها ابنته .

جلس قرب سريره ولاطفه وتمنى له الشفاء ولم يكلمه عن ديونه لكنه اضمر في قلبه شيئا وجلس المريض بصعوبة وبدأ يعتذر له عن عجزه عن التسديد واعدا إياه خيرا قريبا لكن صاحب البيت لم يكن مصغي له تماما وكان تفكيره مشغولا بمن فتحت له الباب ويسأل نفسه يا ترى هل هي ابنته أو ضيفة ؟ وعندما أنهى خالها اعتذاراته ووعوده اجابه صاحب البيت : دعنا من الأعذار والوعود انا عندي حل يرضي الطرفين شرط أن تخبرني من تكون هذه الشابة ؟ فأخبره الخال بكل شيء عنها من يوم وفاة والديها حتى تخرجها من الجامعة هنا انبسطت اسارير الرجل وعرض عليها خطبتها لابنه مقابل مهر ضخم لها وإسقاط الدين عنه مع سنة أخرى من الايجار .

كان صاحب البيت ينظر للأمر على انه صفقة مفيدة للطرفين لكن الخال له رأيا آخر ورفض في قرارة نفسه بيع بنت اخته حتى لو أدى هذا الرفض إلى موته في السجن فقرر مداراة الوضع وطلب مهلة أسبوع للتفكير وعرض الأمر على صاحبة الشأن في حين ظن الاخر أن الأمر منتهي وماهي إلا  ايام وتتم الصفقة ونهض مودعا ومتمنيا الشفاء العاجل ووضع تحت وسادته مبلغا من المال .

فكر الخال بالامر كثيرا ثم اتخذ قراره مفضلا الموت على بيع بنت اخته وقرر من باب العلم اخبارها بالأمر فناداها ولما دخلت عنده أمرها بإغلاق الباب لخلوة بينه وبينها وأخبرها بما كان بينه وبين صاحب البيت وقراره هو بالرفض القاطع فاطرقت مليا ثم رفعت رأسها وطلبت منه أن يمهلها يومين للتفكير والرد فطلب منها أن لا تفكر وأن الموضوع بحكم المنتهي لكنها اقنعته بمنطقها فوافق على مضض .

قررت أن تتعامل مع الوضع كصفقة تزيح عن كاهل خالها ما يثقله من ديون وترد له  جميل تربيته لها كل هذه السنين وتلقين صاحب البيت درسا ربما يكون الأخير في حياته واخبرت خالها بالموافقة وهددته أن رفض فإنها ستقوم به بنفسها فوافق مجبرا لكن من غير اطمئنان .

تمت الخطوبة والزواج بوقت قصير وزفت إلى بيت زوجها لكن خالها كان مشغول البال بخصوصها واستيقن انها قامت بذلك تضحية من أجله هو وعائلته أما هي فتصرفت بلباقة في البيت الجديد حتى هام بها زوجها حبا وتعلقت بها البنت واحبتها الام وافتخر بها الأب  وسيطرت على الجميع وأصبحت ملكة القلوب .

بعد مرور عدة أشهر بدت بتنفيذ مخططها فماتت البنت جراء الالام في المعدة ومرضت بعدها الام ثم توفيت على إثر جرعة دواء زائدة وبعد شهرين اصيب الوالد بعدة جلطات ثم مات جراء عجز في القلب وخلا البيت عليها هي وزوجها فبالغت بحبه وتدليله وذات يوم بعد عودته من العمل مات مصعوقا في الحمام عندما كانت في عيادة الطبيبة النسائية .

كانت وحيدة تسير في الباحة باتجاه كرسي الاعتراف بزيها الاسود وحزنها الظاهر وهيبتها كامرأة ناضجة لم تصل إلى مشارف الثلاثين بعد يغطي وجهها نقاب شفاف مدللة به على الحزن فاستقبلها عند اعتاب كرسي الاعتراف المسؤول عنه وجلست فوقه بكل زهو المنتصرين وبدأت تتلو اعترافتها كيف قتلت البنت وكيف قضت على الام وكيف اجهزت على الأب وبماذا ألحقت بهم الزوج وسط ذهول الشخص المستمع لها ثم خرجت بكل كبرياء الفاتحين فلحقها مسلوب الإرادة. 

شعرت في الطريق أن صاحب الكرسي لازال يتابعها ربما ليعرف من هي أو ليستدل على البيت الذي تسكنه فقررت معالجة الوضع بطريقتها المعتادة .

انحرفت قليلا عن الطريق واحتمت بجدار حتى لحق بها فدعته إلى الجلوس بـ (كافيه) قريبة وتجاذب  أطراف الحديث واالاجابة عن كل ما يدور في رأسه من استفسارات فوافقها فورا ولما جلسا طلبت لنفسها قهوة وسط وطلب هو قهوة مرة وعند احضار القهوة كان هو في المغاسل فاخرجت من حقيبة يدها بقايا (قاتل الجرذان) ووضعته في فنجانه وعندما كان يشربان القهوة إجابته على كل أسئلته بعدها دفعت الحساب وخرجا وضربت معه موعدا في نفس اليوم والوقت والمكان من الاسبوع القادم ثم ودعته بحرارة ورحلت .

***

راضي المترفي

في نصوص اليوم