نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: كنت أفر من أبي

هي لا تعرف لها أبا ولا أما، فمذ رأت النور وهي لا تجد أمامها غيرهذا الشيخ الهرم الذي هبرالزمن من قوته.. وما ابقى له غير صورة لحم ودم لليث أبيض غزا الشيب وجهه وراسه، أشفاره وحواجبه كوَسم لتاريخ هو نفسه يتكتم كيف مرحله تكتمه عن حقيقتة ومن هي بالنسبة اليه:.

"وجدتك كسخيلة في قماط رث واحدى النعاج تقطر حليبها في فمك فتكاد تخنقك "..

هل هي الحقيقة ما يحكي ويعيد ؟.. لا تدري !!..

كانت تضحك لتصريحه، ثم صارت تشك، ثم قمطها تفكيرعميق ؛هو الوعي الذاتي بوجودها.. قدرها الذي أوجدها ووضع هذا الشيخ في طريقها أو وضعوها عمدا في طريقه فهو ليس أباها ولا جدها ولايريد أن يفصح حتى عن الرابطة القوية التي تجعلها ملتحمة به..

"ما أصعب أن توجد وأنت لا تحمل حقيقة نفسك ومن أوجدك ؟.. "

يزورالرُّحل الأصدقاء العابرون الخيمة اذا عطشت الأرض من حولها وضحل العشب، فيفكونها إذا رغب الشيخ و أذن، ثم ينتقلون بها حيث لا يقيمون لان الشيخ يمتنع أن يقيم في مكان يضايقه فيه غيره، لا يشترط غير ماء قريب ومساحة ارض صغيرة ترعى فيها شياهه التي هي أقل من أصابع اليد الواحدة.. كان عند الكل مطاع الكلمة مستجاب الرغبة..

كانت عيونه كزرقاء اليمامة، يرى القادم عن بعد أيام، ولكل غريب آت يسمع حسا وصدى، فيأمر الصغيرة بكلمة أو إشارة بالمكوث متخفية وراء حصير الحلفاء لا تخرج حتى يمر الغاشي الزائر منفردا كان او في رفقة..

هكذا ترعرعت أمامه وفي رعايته، صبية نحيلة الجسم، ضعيفة البنية، لكن بقد مياس، بشرة سمراء، أنف خناسي صغير، وعيون يختلط فيها الأزرق بالأخضر، أما الشعر فحريري أشقر يعاكس بشرتها، يتطاير مع كل هبة نسيم كانه يساير ذاتها وهي تهفهف وتطول بالليل والنهار..

كانت كثيرا ما تسائل نفسها:

"لماذا يحتويني هذا الشيخ بخوف ويدفدف علي بحرص"؟

كان يجلس عند باب الخيمة يتطلع الى البعيد بمتابعة، ويتفرس في القريب دون أن يبالغ معه في ثرثرة، حتى اذا استطاب الزائر الحديث معه وقلما يحدث هذا، بسرعة يحسسه بالنفور فيتحرك الزائر متابعا سيره..

كان يصفق أو يصفر، فتخرج الصغيرة من وراء الحصيرجذلى يغمرها الفرح لتعانقه أو تجلس على ركبتيه وقد عانقت حريتها يستغرقها تفكير فيما كان يتبادله من حديث مع غيره، فقد كانت لاتفهم لهم كلاما، وان كان الشيخ الهرم "بويا ' كما علمها أن تناديه لا تستعصي عليه كلمة مما ينطقون ولا إشارة مما يرسمون؛ عالمي النزعة يتفاهم مع الجميع بسرعة كانه منهم وهذا ماجعله محبوبا مطاعا عند كل الرحل مثله، او الزوار من السياح العابرين، في حين كان يكتفي مع الصغيرة بكلمات قليلات وبإشارات بليغات.. حين كانت تسأله:

لماذا لاتعلمني الكلام؟ كان يضحك متأملا مساحة وجهها التي تعود به الى صورة تسكن خياله فيقول:

ـ وهل منعتك؟ تكلمي كيف تسمعينني أتكلم..

ـ لكني أجهل ما تقول

كان يتنهد بغصة، تداريها بسمة، يضمها وقد تدمع عيناه:

ـ كان يلزم أن نكون ثلاثة بسمع وبصر ولسان..

لا عليك سوف تتعلمين..

كثيرا ما كان الزوار يتركون لهم علبا بها طعام من شرائح اللحم او الدجاج او السمك ؛كانت وحدي تستطيب أكلها أما هو فكان يكتفي بماء وكسرة خبز وتمر.. كانت له رغبة قوية في الصيام وقدرة عجيبة على تحمل الجوع..

شيئا فشيئا بدأت الصغيرة تتحرر من مراقبته حين ارتفعت قامتها طول شجيرة، كانت تستغفله اذا غفا او تلبسه تعب مفاجئ؛ فترود خلف الخيمة اذا ماغابت الشياه عن عيونها، لا تسرح بعيدا، فكأنها كانت قانعة بما تسمع وترى منفعلة ومتفاعلة بواقع ما يحط بها، وما أحست حقيقة وجودها الا حين تجاوزت حدود الخيمة أكثر فبلغت عينا يتفجر ماؤها من تحت صخرة سامقة، تحتها تجتمع الفتيات للسقي أو تنظيف ملابسهن، وفي الصيف كن يصنعن نصف دائرة وخلفهن تتناوب البنات على الاغتسال بنتا بعد أخرى، وقد تلتحق بإحداهن رفيقة تضع ليفة في يمناها وتشرع تفرك ظهر صاحبتها قبل ان تصب سائلا لزجا يتحول رغوة بيضاء ناصعة من قنينة لدائنية على جسدها.. بينهن عاشت لحظاتها الواعية فبعد أن كانت لا تعرف ما يقلن وباية لغة يتحدثن.. صارت مع تكرارحضورها تتعلم لغتهن، تستوعب معناها وتستنبط مدلولها من اشارتهن،، من ضحكاتهن وسلوكهن..

صارت بينهن معروفة ببنت "بويا الشيخ "، تساعدهن وتغتسل معهن كما يغتسلن، كان لون عيونها لديهن مقارنة ببشرتها مفاجأة تحرك في كل بنت منهن ما تطبق عليه في أعماقها،

كما كانت سيقانها الطويلة الملفوفة مبعث انبهار وتمنيات حتى أن من البنات من كانت تقيس سيقانها بقبضة اليد كافتتان بجمال أنوثة ظاهرة، ناهيك عمن تتغنى و تزجل بكلمات ترددها الأخريات.. كما كانت تستغرب من رسومهن لصورتها بالرمل على الصخور أو نقشها على الأشجار الضخمة.كما تنقش الحناء على الذراعين.صارت لديهن كبنت غريبة عن عالمهن البشري..

بدأت تعي أنها صارت تفهم قيمة وجودها ككائن يأخذ ويعطي ويتبادل مالديه بما لا يملك كلما وجدت نفسها خارج نطاق خيمتها..

صارت ترى نفسها تنمو وكل ما فيها يتغير، طولها، صدرها، نظرتها لصويحباتها في النهر، وابلغ من ذلك عقلها الذي أضحى يستوعب أكثر مما كان يختزن.. هن نفسهن صرن ينعتنها بتعابير تمدح صمتها الكثير، تناسق قدها وجمال وجهها الذي يشرق مع لمعان الشمس، أما عيونها فكانت السحر الذي بوأها لديهن أنثى فوق الخيال والشعروالجمال..

حين ضبطها "بويا "تتسلل الى العين وتجالس بنات الخيام والدواوير القريبة غضب كثيرا وان في صمت كانه كان يخاف عليها من عين حقود حاسد، أورصاصة طائشة من بندقية قناص، فعوَّل على الرحيل وتغيير الرقعة التي ارتاحا اليها، بكت، ولأول مرة تحس الدمع حارا غزيرا يكوي وجنتيها..

لم تجرؤعلى البوح لصويحباتها بما عول عليه "بويا "..

كم تماطلت في لملمة أثاث الخيمة، وأمام عدم قدرته على الحركة ووهنه كانت تتعلل بانتظار من يساعدها على فك أوتادها..

"يلزمني أن أفكر في حل لايؤذيه أو يغضبه

فيضاعف من احساسه بمرضه وعدم قدرته على التحمل، أكره أن يعاني بسببي"..

وغاب عن ذهنها أنه هو نفسه قد أحس بدنو أجله ويخطط لمكان يَطمئِّن عليها فيه، أو يجد من يأتمنه عليها..

يموت "بويا الشيخ"، ويداها بين يديه يضغط عليهما كرغبة بقاء تقول من خلال نظراته وتمتمات لم تع منها غير هذه الكلمات:

"وفيت بما وعدت وأني أحبك حبها لك والحرص على أن تستعيد حياتها على يديك "

بموت "بويا" تتعرف على الموت لأول مرة كمفاجأة مزعجة قاسية مُرة، تهددها بالضياع والوحدة، ما اشد مايخامرها فألم فقده أكبر منها..

أقبل علي الخيمة رجال لم تشغلهم رهبة الموت عما يسكن عقولهم، فعيونهم كانت متدلية عليها ونساء كن حريصات على مراقبة أزواجهن، لم تكن "بنت بويا الشيخ "تعرف كل هذا الحضور وان كانوا جميعا من آباء وأمهات صويحبات العين الذين لم تميز غيرهم ممن قام بالواجب.. كم أكلها الاستياء لانها لا تعرف ما يقال ولا مايجب فعله، كانت تبحلق في وجوه الحضور تستمع الى مشاعرهم بلا ردة فعل ليس في عقلها الا كيف ستعيش بعد "بويا الشيخ"؟ ومع من ؟

أصرت أم أحدى صويحباتها أن ترافقها في نهاية العزاء الى خيمتهم الواقعة بعد عين الماء بمسير، فمنذ حضورها الجنازة وهي لصيقة بها لا تفارقها..

"كم تضايقني هذه المرأة بإلحاح لم أتعوده، وريبة لا أدرك دواخلها "

فقد جعلتها بحق تحس بفقد حرية التفكير فيما يجب أن تقوم به بعد أن تختلي بنفسها وتواجه وحدتها، خصوصا بعد أن همست لها إحدى البنات سراعن المرأة ما ارعبها!!..

"لم تكن غير راعية تعيش على الحدود الشرقية في الفقر والضنى الى أن أغراها متسكع منبود فار من قبائل ليبية بالهروب معه ؛ يقال أنهما صادفا فقيها أعاناه على حفر كنز ثم قتلاه.. أصبح الفار المنبود غنيا وصارت لديه الراعية فأل خير فتزوجا بالفاتحة ولاعقد، لهذا فهي تتحمل شراسته رغم ضرتين شاركتاها فيه عدا خياناته وما أكثرها مع السائحات اللواتي يختلفن على المنطقة..

صار المنبود وأهله كثير الترحال ظهرت له بعد ان استغنى عزوة ممتدة شرقا وغربا، شمالا وجنوبا منتشرة تتاجر في كل شيء..

لبت بنت" بويا الشيخ" الدعوة مضطرة فدخلت خيمة جديدة، مؤلفة من عدة قطع ومصنوعة من شعر المعز والضأن بأفرشة منسوجة بعناية وبتأثيث لم تكن تراه الا في صور المجلات التي كان يخلفها السياح في خيمتها، وجدت عادات وطقوس جديدة لم تعشها مع "بويا الشيخ "من قبل

صارت ثالثة ثلاثة من بنات في عمرها تقريبا وثلاث زوجات لرب الخيمة الذي لم تتشرف برؤيته الا بعد شهرين من اقامتها، حتى في حضوره فهو غائب بليل نائم بالنهار، ثم عجوز"جدة شمطاء " قولها يسير على الكل بدون مناقشة ولا اعتراض، قليلة الحركة تستقل بزاوية قريبة من مخرج ضيق تستغله وحدها لحاجاتها..

أول مرة ترى فيها صاحب الخيمة كانت تساعد فيها العجوز للخروج من منفذها الخاص، أقبل يركب فرسا وكأنه قطع فيافي وقفاراعلى عجل، ما أن واجهها حتى تسمر في مكانه، راعها استغرابه، بتلون وجهه بين صفرة وزرقة، ترجل أمامها مبهورا مبهوتا ثم سألها في عدوانية وجهد مضني يركب صدره:

ـ ما اسمك ؟

لم تستطع أن ترفع اليه بصرا، فالسؤال أتى عنيفا قويا أرهبها، موقف لم تعشه في حياتها " مع بويا" الذي كان رحمة إذا تكلم وبسمات سعادة إذا أشار. مسحت الأرض بعيونها وقالت:

ـ كان بويا يناديني ايناس..

استغرب، وبنفس العنف اللفظي وعينين جاحظتين تابع:

بوك ومن بوك هذا؟ومن أتى بك الى هذه الخيمة؟.

بادرالرجل الى جدة يقبل يديها وكأنه لم يرها الا بعد أن اطلت من وراء ثقب صغير في الخيمة، في لحظة خرجت فيه احدى زوجاته، قبلت يده وحمدت له سلامة العودة ثم جرته بعيدا عنها..

لا تدري ماقيل وأي حديث جرى ضدها بعيدا عنها، كل ما تنبهت اليه أن سلوك أهل الخيمة انقلب رأسا على عقب، تغير إعجاب البنات بها، وصرن يحترسن الكلام معها خصوصا عند حضور والدهن ؛ فعيونها الساحرة قد صارت "عيون القطة الحولة" والسيقان الملفوفة الطويلة "رجلين القرعة الخضراء"إحدى الزوجات الثلاث وهي من دعتها الى خيمتها بدأت تخاطبها بلغة جافة وطلبت منها ان تستعد للعودة الى خيمة "بويا"؛الزوجة الثالثة الصغيرة شرعت تحدثها بالإشارة واضعة سبابتيها تحت عيونها كأنها تحرضها على الانتباه، وحدها العجوز الشمطاء التي أجلستها بجانبها وقالت:

ـ لازمي رفقتي ولن تغادري الخيمة الا بارادتي أنت في بيتك..

اختلط عليها الحال وما عادت تفهم شيئا مما يحيط بها، شك وارتياب هو ماصارته العيون حولها، وقلق داخلي حولها الى فريسة للاجترار..

"أية عيوب ظهرت في سلوكي لم أنتبه اليها، أو أية أقوال تلفظت بها أحدثت هذا السلوك المفاجئ الذي حل بالخيمة بعد عودة صاحبها ؟ ماسر تلونه وقلقه حين واجهني أول مرة ؟

أنا شخصيا لم يسبق لي أن رأيته أوصادفته ؛ربما هو يعرفني.. لكن اين ومتى ؟ كل تاريخي ليس فيه غير خيمة "بويا "، وشجيرة أقيس بها طولي، والعين التي لا يصلها رجل.. "

هو ذا التفكير الذي كان يستغرقها ويلفها في خوف داخلي تجاوز حدود عقلها..

ذات ليلة وهي متكومة قريبا من جدة بين صحو ونوم، تناهت اليها خطوات قادمة ؛ فارسٌ يترجل رَكبْه، لم يكن غير رب البيت ما أن لمحها حتى سأل العجوزان كنتُ نائمة، حركت الجدة راسها بايجاب فقال لها في حديث مهموس:

ـ يلزم أن تدعيها تعود الى خيمتها !!..

لم ترفع اليه عينا، فقالت وكأنها ترفض قوله:

ـ ولماذا تصر على ذلك ؟ هل تنوي ذبحها فتفشل كما فشلت مع أمها، لقد أيقنت أنها بنت النصرانية وبناتك من أكدن ذلك من نطعة على كتفها، دعنا نعيش في سلام.. وكفى.. ألم تشبع من الدوران وسفك دم الناس ؟

أغضبه ردها فأجاب بانفعالية زائدة:

ـ أنا لم أفشل، ومافشلت يوما في أمر، بالكاد مررت الموسى على عنقها فتناهى الي صوت حسيس خلته خطوات من خلفي لرجال الدرك فالقيت بها في الترعة ووريدها يفور.يقينا مني انها ستموت غرقا.

ــ لم يكن قتلها ضرورة فالنصرانية أصلا لم تكن تفكر في التبليغ عنك الا بعد أن استحوذت بالقوة على الأموال التي اكتشفتها في رحلها، وبالغت في اغتصابها وحرق لحمها كيا بسجائرك، والنتيجة أمامك اليوم بعد خمسة عشرة سنة..

ـ كافرة لم أكن أثق بما تقول.. لكن مايحيرني كيف خرجت من الترعة ؟ ومن أنقدها وقد بقيت أطل من فوق الصخرة ولم يظهر أثر لغاشي قبل أن أغادر المنطقة ؟ كيف ظهرت البنت ؟ولم تظهر أمها؟ قالت أن الشيخ هو من رباها.كيف؟ وهي لم تظهر أبدا في خيمته ؟

ـ الشيخ كان حالا مرتحلا ولم يستقرأبدا قريبا منا؟

ـ ألم تسأليها عن أمها ؟

ـ سألت، هي لا تعرف أحدا غير من رباها.. البنات أنفسهن أكدن انهن من علمنها لغتهن وكتابة بعض الحروف حين كانت تأتي الى العين..

زفر بقوة وقال:

كان يلزم أن أراها وأتأكد منها وأنهي الامر هناك في العين منذ أن تحدث عنها البنات، لم يكن يخامرني شك في موت أمها مذبوحة وغريقة في الترعة، غيرها قد مات غريقا دون ذبح، خمسة عشرة سنة و لم يظهر لها اثر ولا السلطة أعادت تحريك الملف..

صمت قليلا ثم تابع:

لقد فاجأتني !!.. توأم متطابق من أمها..

ألح على العجوز ان تشجها للعودة الى بيتها الذي تربت فيه قبل أن يستدير ويشق الخيمة الى الداخل..

لم يطل بها وقت، في نفس الليلة تسللت من الخيمة بعد أن أدركت من هي وماينتظرها، كانت تسير على غيرهدى، يلفها ليل بهيم، كانت لا تخشى غير عواء الذئاب وهي تقطع المسافة الى خيمة "بويا الشيخ"تستعيد كلماته كأنها سوط يحرضها على السير..

" يوم أموت و أنتفضلت الرحيل عن الخيمة اياك أن تنسي التليس ففيه ما يعينك "

لم يكن يشغلها غير وسواس الموت وقد أطبق عليها يتعقبها مع رهبة الليل وامتداد الطريق حاملا صورتين متناقضتين: صاحب الخيمة أبوها القاتل السفاح، وصورة "الليث " بشعره الأبيض وضحكته ونظرات الحياة تشع من عينيه

كان عليها أن تفتش ما بداخل التليس فكثيرا ما رأت " بويا "يفتق غرزاته أو يرتقها بمئبر.. كتيب صغيرمكتوب بحروف صغيرة دقيقة كان مندسا قلب التبن، وكيس من خيش ملئ بأوراق نقدية وضعت الكتاب في جيوبها بين نهديها وحملت الكيس في يدها ثم خرجت مسرعة..

أشرقت شمس الصباح على دورية من الدرك تضع علامات تشويرللمراقبة.. لم تتكلم، قدمت لهم الكتيب وفي مركز الدرك أدركت أنها كانت تفر من أبيها ؛الذي ذبح أمها كعالمة سائحة تاه بها رحلها عن قافلة للبحث ذات زمن، تربض لها، هتك عرضها الى درجة تمزيق جسدها بكي، وسرق أموالا كانت معها، ثم رماها في ترعة فأتت على لوحة صغيرة كانت سبب نجاتها.. لم تمت، لكن الصدمة أفقدتها البصر والقدرة على الكلام.. وبويا الشيخ من أنقدها وسهر على شفائها، تنبهت لحملها فأخبرته وطلبت منه الرحيل لكنه اصر على بقائها معه ؛ضاعف من عنايته بها الى ان وضعت حملها..

"لم أفكر في التبليغ عمن كان سببا في ايذائها وهي من أصرت على ذلك "

" فاذا لم يعاود قتلي فحتما سأموت بيد غيره من فصيلة عزوته "، وأنا أريد أن أحتفظ بما في بطني فهو الفاصل بيننا "

ثم بألحاح منها حاول ترحيلها الى أحد الاديرة لكن بادرها الأجل في الطريق.. طال البحث سنوات الى أن سجلت الجناية في اسم مجهول و تم اليأس من إيجاد جثة المرأة وقاتلها الحقيقي، فطوي الملف..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

في نصوص اليوم